باب اللقطة .
وهي ثلاثة أقسام .
أحدها : ما لا تتبعه همة أوساط الناس كسوط ورغيف ونحوهما فهذا يملك بالالتقاط ولا يلزم تعريفه لحديث جابر قال : [ رخص رسول الله صلىالله عليه وسلم فى العصا والسوط والحبل يلتقطه الرجل ينتفع به ] رواه أبو داود وعن أنس [ أن النبي A مر بتمرة في الطريق فقال : لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها ] أخرجاه وفيه إباحة المحقرات في الحال قاله في المنتقى وقال في الشرح : ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في إباحة أخذ اليسير والإنتفاع به انتهى وعن سلمى بنت كعب قالت : وجدت خاتما من ذهب في طريق مكة فسألت عائشة فقالت : تمتعي به [ ورخص النبي A في الحبل في حديث جابر ] وقد تكون قيمته دراهم وليس عن أحمد تحديد اليسير وقال : ما كان مثل التمرة والكسرة والخرقة وما لا خطر له فلا بأس .
لكن إن وجد ربه دفعه إن كان باقيا لربه لأنه عين ماله كما في الإقناع .
وإلا لم يلزمه شئ أي : لم يضمنه لأنه ملكه بأخذه والذي رخص النبي A في التقاطه لم يذكر فيه ضمانا ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
ومن ترك دابته ترك إياس بمهلكة أو فلاة لانقطاعها أو لعجزه عن علفها ملكها آخذها لحديث الشعبي مرفوعا : [ من وجد دابة قد عجز عنها أهلها فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له قال عبد الله بن محمد بن حميد بن عبد الرحمن فقلت - يعني للشعبي - : من حدثك بهذا ؟ قال : غير واحد من أصحاب رسول الله A ] رواه أبو داود والدارقطني ولأن فيه إنقاذا للحيوان من الهلاك مع ترك صاحبها لها رغبة عنها .
وكذا ما يلقى في البحر خوفا من الغرق فيملكه آخذه لإلقاء صاحبه له اختيارا فيما يتلف بتركه فيه أشبه ما لو ألقاه رغبة عنه .
الثاني : الضوال اسم للحيوان خاصة ويقال لها : الهوامي والهوافي والهوامل .
التي تمتنع من صغار السباع : كالإبل والبقر والخيل والبغال والحمير أي : الأهلية قال في الشرح و الكافي : والأولى إلحاقها بالشاة لأنه علل أخذ الشاة بخشية الذئب والحمر مثلها في ذلك وعلل المنع من الإبل بقوتها على ورود الماء وصبرها والحمر بخلافها انتهى بمعناه .
والظباء التي تمتنع بسرعة عدوها .
فيحرم التقاطها لأن جريرا أمر بالبقرة فطردت حتى توارت ثم قال : [ سمعت النبي A يقول : لا يؤوي الضالة إلا ضال ] رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وعن زيد بن خالد قال : [ سئل رسول الله A عن لقطة الذهب والورق فقال : اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإذا جاء طالبها يوما من الدهر فادفعها إليه وسأله عن ضالة الإبل فقال : ما لك ولها ؟ دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها وسأله عن الشاة فقال : خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب ] متفق عليه .
وتضمن كالغصب للتعدي ولا تملك بالتعريف لعدم إذن المالك والشارع فيه أشبه الغاصب .
ولا يزول الضمان إلا بدفعها للإمام أو نائبه لأن له نظرا في حفظ مال الغائب .
أو بردها إلى مكانها بإذنه أي : الإمام أو نائبه لقول عمر لرجل وجد بعيرا : [ أرسله حيث وجدته ] رواه الأثرم .
ومن كتم شيئا منها لزمه قيمته مرتين لربه نص عليه لحديث : [ في الضالة المكتومة غرامتها ومثلها معها ] قال أبو بكر في التنبيه : وهذا حكم رسول الله A فلا يرد .
وإن تبع شئ منها دوابه فطرده أو دخل داره فأخرجه لم يضمنه حيث لم يأخذه لحديث جرير السابق .
الثالث : كالذهب والفضة والمتاع وما لا يمتنع من صغار السباع كالغنم والفصلان والعجاجيل والأوز والدجاج فهذه يجوز التقاطها لمن وثق من نفسه الأمانة والقدرة على تعريفها لحديث زيد بن خالد [ في النقدين والشاة ] وقيس عليه الباقي لأنه في معناه .
والأفضل مع ذلك تركها قاله أحمد فلا يتعرض لها روي عن ابن عباس وابن عمر ولم يعرف لهما مخالف من الصحابة ويحرم على من لا يأمن نفسه عليها أخذها لما فيه من تضييعها على ربها كإتلافها ويضمنها إن تلفت فرط أولا لأنه غير مأذون فيه أشبه الغاصب ولا يملكها ولو عرفها لأن السبب المحرم لا يفيد الملك كالسرقة .
فإن أخذها ثم ردها إلى موضعها بغير إذن الإمام أو نائبه .
ضمن لأنها أمانة حصلت في يده فلزمه حفظها كسائر الأمانات والتفريط فيها تضييع لها