باب الخيار .
وأقسامه سبعة أحدها : خيار المجلس ويثبت للمتعاقدين من حين العقد إلى أن يتفرقا من غير إكراه لأن فعل المكره كعدمه ويثبت في البيع عند أكثر أهل العلم ويروى عن عمر وابنه وابن عباس وأبي برزة الأسلمي لحديث : [ البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ] متفق عليه .
ما لم يتبايعا على أن لا خيار فيلزم البيع بمجرد العقد .
أو يسقطاه بعد العقد فيسقط لأن الخيار حق للعاقد فسقط بإسقاطه .
وان أسقطه أحدهما بقي خيار الآخر لحديث : [ البيعان بالخيار مالم يتفرقا أو يخير أحدهما صاحبه فإن خير أحدهما صاحبه فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع ] وفي لفظ [ المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يكون البيع كان عن خيار فإن كان البيع عن خيار فقد وجب البيع ] متفق عليهما .
وينقطع الخيار بموت أحدهما لأن الموت أعظم الفرقتين .
لا بجنونه في المجلس .
وهو على خياره إذا أفاق حتى يجتمعا ثم يفترقا .
وتحرم الفرقة من المجلس خشية الاستقالة لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا وفيه : [ ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله ] رواه النسائي والأثرم والترمذي وحسنه وما روي عن ابن عمر أنه كان إذا اشترى شيئا يعجبه مشى خطوات ليلزم البيع محمول على أنه لم يبلغه الخبر .
الثاني : خيار الشرط : وهو أن يشرطا أو أحدهما الخيار إلى مدة معلومة فيصح وإن طالت المدة بالإجماع قاله في الكافي لحديث [ المسلمون على شروطهم ] ولم يثبت ما روى عن ابن عمر من تقديره بثلاث وروي عن أنس خلافه قاله في الشرح .
لكن يحرم تصرفهما في الثمن والمثمن مدة الخيار إلا بما يحصل به تجربة المبيع إلا أن يكون الخيار للمشتري وحده فينفذ تصرفه ويبطل خياره كالمعيب .
وينتقل الملك من حين العقد للمشترى لقوله A : [ من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ] رواه مسلم فجعل المال للمبتاع باشتراطه وهو عام في كل بيع فيشمل بيع الخيار .
فما حصل في تلك المدة من النماء المنفصل فللمنتقل له ولو أن الشرط للآخر فقط ولو فسخ البيع لحديث عائشة [ أن النبي A قضى أن الخراج بالضمان ] رواه الخمسة وصححه الترمذي .
ولا يفتقر فسخ من يملكه إلى حضور صاحبه ولإرضائه لأنه عقد جعل إلى اختياره فجاز مع غيبة صاحبه وسخطه كالطلاق .
ونقل أبو طالب له الفسخ برد الثمن وجزم به الشيخ تقي الدين كالشفيع وصوبه في الإنصاف ويحمل كلام من أطلق عليه .
فإن مضى زمن الخيار ولم يفسخ صار لازما لئلا يفضي إلى بقاء الخيار أكثر من مدته المشروطة .
ويسقط الخيار بالقول لما تقدم .
وبالفعل كتصرف المشتري في المبيع بوقف أوهبة أو سوم أو لمس لشهوة لأن ذلك دليل على الرضى .
وينفذ تصرفه إن كان الخيار له فقط وإلا لم ينفذ لأن علق البائع لم تنقطع عنه إلا عتق المشتري لقوة العتق وسرايته .
الثالث : خيار الغبن : وهو أن يبيع ما يساوي عشرة بثمانية أو يشتري ما يساوي ثمانية بعشرة وقيل يقدر بالثلث اختاره أبو بكر وجزم به في الإرشاد لقوله A : [ الثلث والثلث كثير ] وظاهر كلام الخرقي أن الخيار يثبت بمجرد الغبن وإن قل والأولى أن يقيد بما يخرج عن العادة قاله في الشرح .
فيثبت الخيار ولا أرش مع الإمساك لأن الشرع لم يجعله له ولم يفت عليه جزء من المبيع يأخذ الأرش في مقابلته وله ثلاث صور إحداها : تلقي الركبان لقوله A : [ لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار ] رواه مسلم الثانية : النجش : وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليغر المشتري [ لنهيه A عن النجش ] متفق عليه .
والشراء صحيح في قول أكثر العلماء لأن النهي عاد إلى الناجش لا إلى العاقد لكن له الخيار إذا غبن قال معناه في الشرح الثالثة : المسترسل وهو من جهل القيمة من بائع ومشتر ولا يحسن يماكس فله الخيار إذا غبن لجهله بالمبيع أشبه القادم من سفر .
الرابع : خيار التدليس : وهو أن يدلس البائع على المشتري ما يزيد به الثمن كتصرية اللبن في الضرع وتحمير الوجه وتسويد الشعر فيحرم لقوله A : [ من غشنا فليس منا ] .
ويثبت للمشتري الخيار في قول عامة أهل العلم قاله في الشرح لحديث أبي هريرة مرفوعا : [ لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعا من تمر ] متفق عليه وكل تدليس يختلف به الثمن يثبت خيار الرد قياسا على التصرية قاله في الكافي .
حتى ولو حصل التدليس من البائع بلا قصد قاله القاضي لدفع ضرر المشتري أشبه العيب .
الخامس : خيار العيب والعيوب : النقائص الموجبة لنقص المالية في عادة التجار ويحرم على البائع كتمه لحديث عقبة بن عامر مرفوعا : [ المسلم أخو المسلم ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إلا بينه له ] رواه أحمد وأبو داود والحاكم .
فإذا وجد المشتري بما اشتراه عيبا يجهله خير بين رد المبيع بنمائه المتصل وعليه أجرة الرد لأن الملك ينتقل عنه باختياره الرد فتعلق به حق التوفية .
ويرجع بالثمن كاملا لأنه بذل الثمن ليسلم له مبيع سليم ولم يسلم له فثبت له الرجوع بالثمن كما في المصراة وأما النماء المنفصل كالكسب والأجرة وما يوهب له فهو للمشتري في مقابلة ضمانه لا نعلم فيه خلافا قاله في الشرح .
وبين إمساكه ويأخذ الأرش لأن الجزء الفائت بالعيب يقابله جزء من الثمن فإذا لم يسلم له كان له ما يقابله وهو الأرش والأرش : قسط ما بين قيمته صحيحا ومعيبا من ثمنه نص عليه ومن اشترى ما يعلم عيبه أو مدلسا أو مصراة وهو عالم فلا خيار له لا نعلم فيه خلافا قاله في الشرح .
ويتعين الأرش مع تلف المبيع عند المشتري لتعذر الرد وعدم وجود الرضى به ناقصا وقال في الشرح : وإذا زال ملك المشتري بعتق أو موت أو وقف أو تعذر الرد قبل علمه بالعيب فله الأرش وبه قال مالك والشافعى وكذا إن باعه غير عالم بعيبه انتهى .
ما لم يكن البائع علم بالعيب وكتمه تدليسا على المشتري فيحرم ويذهب على البائع ويرجع المشتري بجميع ما دفعه له نص عليه لأنه غر المشتري .
وخيار العيب على التراخي لأنه لدفع ضرر متحقق فلم يبطل بالتأخير وقال الشيخ تقي الدين : يجبر المشتري على رده أو أخذ أرشه لأن البائع يتضرر بالتأخير .
لا يسقط إلا إن وجد من المشتري ما يدل على رضاه كمتصرفه واستعماله لغير تجربة قال في المنتهى وشرحه : فيسقط رد كأرش لقيام دليل الرضى مقام التصريح انتهى وقال في الشرح : قال ابن المنذر : لأن الحسن وشريحا وعبيد الله بن الحسن وابن أبي ليلى والثوري وأصحاب الرأي يقولون : إذا اشترى سلعة فعرضها للبيع بعد علمه بالعيب بطل خياره وهذا قول الشافعي ولا أعلم فيه خلافا انتهى وقال في الفروع : وإن فعله عالما بعيبه أو تصرف فيه بما يدل على الرضى أو عرضه للبيع أو استغله فلا أي : فلا أرش ذكره ابن أبي موسى والقاضي واختلف كلام ابن عقيل وعنه : له الأرش وهو أظهر لأنه وإن دل على الرضى فمع الأرش كإمساكه اختاره الشيخ قال وهو قياس المذهب وقدمه في المستوعب انتهى .
ولا يفتقر الفسخ إلى حضور البائع كالطلاق .
ولا لحكم الحاكم لأنه مجمع عليه فلم يحتج إلى حاكم كفسخ المعتقة للنكاح : قاله في الكافي .
والمبيع بعد الفسخ أمانة بيد المشتري لحصوله بيده بلا تعد لكن إن قصر في رده فتلف ضمنه لتفريطه .
وإن اختلفا عند من حدث العيب مع الاحتمال ولا بينة فقول المشتري بيمينه لأن الأصل عدم القبض في الجزء الفائت فيحلف على البت أنه اشتراه وبه العيب أو أنه ما حدث عنده ويرده وعنه القول قول البائع مع يمينه على البت لأن الأصل سلامة المبيع وصحة العقد ولأن المشتري يدعي استحقاق الفسخ والبائع ينكره قضى به عثمان Bه وهو مذهب الشافعي واستظهره ابن القيم في الطرق الحكمية .
وإن لم يحتمل إلا قول أحدهما كالإصبع الزائدة والجرح الطري .
قبل بلا يمين لعدم الحاجة إليها .
السادس : خيار الخلف في الصفة فإذا وجد المشتري ما وصف له أو تقدمت رؤيته العقد بزمن يسير متغيرا فله الفسخ وتقدم في السادس من شروط البيع .
ويحلف إن اختلفا لأنه غارم قاله في الشرح .
السابع : خيار الخلف في قدر الثمن فإذا اختلفا في قدره حلف البائع : ما بعته بكذا وإنما بعته بكذا ثم المشتري : ما اشتريته بكذا وإنما اشتريته بكذا ويتفاسخان وبه قال شريح والشافعي ورواية عن مالك لحديث ابن مسعود مرفوعا : [ إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة فالقول ما يقول صاحب السلعة أو يترادان ] رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وزاد فيه : [ والبيع قائم بعينه ] ولأحمد في رواية : [ والسلعة كما هي ] وفي لفظ [ تحالفا ] وروي عن ابن مسعود أنه باع الأشعث رقيقا من رقيق الإمارة فقال : بعتك بعشرين ألفا وقال الأشعث : اشتريت منك بعشرة فقال عبد الله : سمعت رسول الله A يقول : إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة والمبيع قائم بعينه فالقول قول البائع أو يترادان البيع قال : فإني أرد البيع وعن عبد الملك بن عبدة مرفوعا [ إذا اختلف المتبايعان استحلف البائع ثم كان للمشتري الخيار إن شاء أخذ وإن شاء ترك ] رواهما سعيد وظاهر هذه النصوص أنه يفسخ من غير حاكم قاله في الشرح