باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز .
كل عين مملوكة يباح نفعها واقتناؤها من غير ضرورة يجوز بيعها كالمأكول والمشروب والملبوس والمركوب والعقار والعبيد والإماء لقوله تعالى { وأحل الله البيع } وقد اشترى النبي A من جابر بعيرا ومن أعرابي فرسا ووكل عروة بن الجعد في شراء شاة وباع مدبرا وحلسا وقدحا وأقر أصحابه على بيع هذه الأعيان وشرائها .
ويجوز بيع دود القز وبزره لأنه منتفع به وبيع النحل في كوارته ومنفردا عنها إذا رئي وعلم قدره وبيع الطير الذي يقصد صوته كالهزار والبلبل والببغة لأنه يشتمل على منفعة مباحة أشبه الأنعام ويجوز بيع الهر وسباع البهائم والطير التي تصلح للصيد كالفهد والبازي ونحو مها غير الكلب في إحدى الروايتين وهي اختيار الخرقي والأخرى : لا يجوز وقال أبو بكر و ابن أبي موسى : لا يجوز بيعها لنجاستها فأشبهت الكلب والأول أصح لأنه حيوان أبيح نفعه واقتناؤه من غير وعيد في جنسه فجاز بيعه كالحمار وبهذا يبطل ما ذكراه ويجوز بيع الجحش الصغير والفهد الصغير وفرخ البازي لأنه يصير إلى حال ينفع فأشبه طفل العبيد وما ينفع من بيض الطير لمصيره فرخا فهو كفرخه لأن مآله إلى النفع .
وقال القاضي : لا يجوز بيعه لعدم نفعه في الحال قال أحمد : أكره بيع القرد قال ابن عقيل : هذا محمول على بيعه للإطافة به واللعب وأما بيعه لحفظ المتاع فيجوز لأنه منتفع به وقال أحمد : أكره بيع لبن الآدميات فيحتمل التحريم لأنه مائع خارج من آدمية أشبه العرق ويحتمل كراهية التنزيه لأنه طاهر منتفع به أشبه لبن الشاة .
فصل : .
ويجوز بيع العبد المرتد لأنه مملوك منتفع به وخشية هلاكه لا يمنع بيعه كالمريض فإن علم المشتري حاله فلا شيء له لأنه رضي بعيبه وإن لم يعلم فله الرد أو الأرش قتل أو أسلم كالمعيب ويصح بيع العبد الجاني عمدا أو خطا على النفس أو ما دونها لأنه حق تعلق برقبته غير متحتم فأشبه القتل بالردة فإن كانت الجناية موجبة للقصاص فهي كالردة وإن كانت موجه للمال فهو على السيد لأنه رضي بالتزام ما عليه فإن كان معسرا فللمجني عليه رقبة العبد إن شاء فسخ العقد ورجع به وإن شاء رجع على البائع بالأرش وإن كان قاتلا في المحاربة فكذلك في قول بعض أصحابنا لأنه ينتفع به إلى قتله ويعتقه فيجر ولاء ولده فصح بيعه كالزمن وحكمه حكم المرتد .
وقال القاضي : لا يصح بيعه لأنه متحتم القتل فلا منفعة فيه فأشبه الميت .
فصل : .
وفي بيع رباع مكة وإجارتها روايتان : .
إحداهما : يجوز لأن عمر Bه اشترى من صفوان بن أمية دارا بأربعة آلاف واشترى معاوية من حكيم بن حزام دارين بمكة ولأنها أرض حية لم ترد عليها صدقة محرمة فجاز بيعها كغيرها .
والثانية : لا يجوز لأنها فتحت عنوة ولم تقسم بين الغانمين فصارت وقفا على المسلمين فحرم بيعها كسواد العراق .
والدليل على هذا فتحها عنوة قول النبي A : [ إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين وإنما أحلت لي ساعة من نهار ] متفق عليه وقالت أم هانئ : يا رسول الله إني أجرت حموين لي فزعم ابن أم هانئ أنه قاتلهما فقال النبي A : [ قد أجرنا من أجرت ] حديث صحيح وقتل ابن خطل ومقيس بن صبابة ولو فتحت صلحا لم يجز قتل أهلها .
فصل : .
ول يجوز بيع الشام وسواد العراق ونحوهما مما فتح عنوة لأن عمر Bه وقفه على المسلمين وأقره في يد أربابه بالخراج الذي ضربه يكون أجرة له في كل ولم يقدر مدتها لعموم المصلحة فيها وقد اشتهر ذلك في قصص نقلت عنه .
وعن أحمد : أنه كره بيعها لأنه يأخذ ثمن الوقوف وأجاز شراءها لأنه كالاستنقاذ لها فجاز كشراء الأسير وتجوز إجارتها لأنها مستأجرة في يد أربابها وإجارة المستأجر جائزة فأما المساكن في المدائن فيجوز بيعها لأن الصحابة Bهم اقتطعوا الخطط في الكوفة والبصرة في زمن عمر Bه وبنوها مساكن وتبايعوها من غير نكير فكان إجماعا .
فصل : .
قال أحمد : لا أعلم في بيع المصحف رخصة ورخص في شرائه وقال : هو أهون وذلك لأن ابن عمر وابن عباس وأبا موسى كرهوا بيعه ولأنه يشتمل على كلام الله تعالى فيجب صيانته عن الابتذال والشراء أسهل لأنه استنفاذ له فلم يكره كشراء الأسير وقال أبو الخطاب : يجوز بيعها مع الكراهة وفي شرائها وإبدالها روايتان فإن بيعت لكافر لم يصح رواية واحدة [ لأن النبي A نهى على المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم ] حديث صحيح متفق عليه فلم يجز تمليكهم إياه وتمكينهم منه ولأنه يمنع من استدامة ملكة فمنع ابتداء كنكاح المسلمة .
فصل : .
ولا يجوز بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام لما روى جابر قال : سمعت رسول الله A يقول [ إن الله ورسوله يقول حرم بيع الخمرة والميتة والخنزير والأصنام ] متفق عليه .
ولا يجوز بيع ما لا نفع فيه كالحشرات وسباع البهائم والطير التي لا يصاد بها وما لا يؤكل من الطير و لا بيضه لأنه لا نفع فيها فأشبهت الخنزير ولا يجوز بيع الحر لأن النبي A قال : [ قال الله تعالى : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ذكر منهم رجلا باع حرا فأكل ثمنه ] رواه البخاري ولا يجوز بيع ما ليس بمملوك كالمباحات قبل حيازتها لأنها غير مملوكة أشبهت الحر و لا يجوز بيع الدم ولا السرجين النجس لأنه مجمع على تحريمه ونجاسته أشبه الميتة ولا يجوز بيع شحم الميتة لأنه منها وفي حديث جابر قيل : يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة ؟ فإنه تدهن بها الجلود وتطلى بها السفن ويستصبح بها الناس ؟ فقال : [ لا هو حرام ] متفق عليه وما نجس من الأدهان كالزيت فظاهر المذهب تحريم بيعها قياسا على شحم الميتة ولقول رسول الله A [ إن الله حرم شيئا حرم ثمنه ] رواه أبو داود وعنه : يباع لكافر ويعلم بحاله لأنه يعتقد حله وفي جواز الاستصباح بها روايتان : .
إحداهما : لا يجوز لأنه دهن نجس أشبه شحم الميتة .
والثانية : يجوز لأنه أمكن الانتفاع بها من غير ضرر أشبه الانتفاع بها من ضرر أشبه الانتفاع بالجلد اليابس قال أبو الخطاب : ويتخرج على جواز الاستصباح بها جواز بيعها قال القاضي : ولا تطهر بالغسيل لأنه لا يتأتى فيها العصر ويتخرج أنها تطهر بصبها في ماء كثيرة ثم تترك حتى تطفو فتؤخذ والعصر : إنما يعتبر فيما يتأتى العصر فيه بدليل الخشب والأحجار اختاره أبو الخطاب فأما غير الأدهان كالخل والبن فلا تطهر وجها واحدا .
فصل : .
ولا يجوز بيع الكلب وإن كان معلما لما روى أبو مسعود الأنصاري [ أن رسول الله A نهى عن ثمن الكلب ] وقال [ ثمن الكلب خبيث ] متفق عليهما ولا غرم على قاتله لأنه لا قيمة له وقد أساء من قتل كلبا يباح اقتناؤه ولا يباح اقتناء كلب إلا لصيد أو حفظ ماشية أو حرث لما روى أبو هريرة عن النبي A أنه قال [ من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع نقص من أجره كل يوم قيراط ] متفق عليه ويجوز تربية الجور الصغير لذلك لأنه قصد به ما يباح فيأخذ حكمه كالجحش الصغير ولأنه لو لم يقتن غير المعلم لم يمكن تعليمه وتعذر اقتناء المعلم وفيه وجه آخر أنه لا يجوز اقتناؤه لأنه ليس من الثلاثة فإن اقتنى كلب الصيد من لا يصيد به جاز للحديث وفيه وجه آخر أنه لا يجوز لأن اقتناءه لغير حاجة أشبه من اقتناه للماشية ولا ماشية له .
فصل : .
ولا يجوز بيع معدوم لما رواه أبو هريرة : [ أن النبي A نهى عن بيع الغرر ] رواه مسلم وبيع المعدوم بيع غرر ولأن تحريم بيع الثمرة قبل بدو صلاحها تنبيه على تحريم بيعها قبل وجودها فلا يجوز بيع الثمرة قبل خلقها ولا بيع الماء العد الذي له مادة كماء العيون والآبار لأنه بيع لما يتجدد وهو في الحال معدوم .
فصل : .
ولا يجوز بيع ما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء والسمك في الماء والعبد الآبق والجمل الشارد والفرس العائر والمغصوب في يد الغاصب لحديث أبي هريرة وقال ابن مسعود : لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر ولأنه القصد بالبيع تمليك التصرف ولا يمكن ذلك فيما لا يقدر على تسليمه فإن باع طيرا له في برج مغلق الباب أو سمكا له في بركة معدة للصيد وكان معروفا بالرؤية مقدورا على تناوله بلا تعب جاز بيعه لعدم الغرر فيه وإن اختل بعض ذلك لم يجز وإن باع الآبق لقادر عليه أو المغصوب لغاصبه أو لقادر على أخذه منه جاز لذلك وإلا فلا .
فصل : .
ولا يجوز بيع ما تجهل صفته كالحمل في البطن واللبن في الضرع والبيض في الدجاج والنوى في التمر لحديث أبي هريرة : وروى ابن عمر [ أن النبي A نهى عن بيع المجر ] والمجر : شراء ما في الأرحام وعن أبي هريرة : [ أن النبي A نهى عن بيع المضامين والملاقيح ] قال أبو عبيدة : الملاقيح : ما في البطون وهي الأجنة والمضامين : ما في أصلاب الفحول وما سواه يقاس عليه وروي [ أن النبي A نهى أن يباع صوف على ظهر أو لبن في ضرع ] رواه ابن ماجة .
وعنه : في بيع الصوف على الظهر روايتان : .
إحداهما : لا يجوز للخبر ولأنه متصل بالحيوان فلم يجز إفراده بالبيع كأعضائه .
والثانية : يجوز بشرط جزه في الحال لأنه معلوم ممكن تسليمه فجازة بيعه كالزرع في الأرض : .
فصل : .
ولا يجوز بيع الأعيان من غير رؤية أو صفة يحصل بها معرفة المبيع في ظاهر المذهب لحديث أبي هريرة ولأنه مجهول عند العاقد فلم يصح بيعه كالنوى في التمر فعلى هذا يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع كداخل الثوب وشعر الجارية وعنه : يجوز لأنه عقد معاوضة فأشبه النكاح فعلى هذه هل يثبت له خيار الرؤية ؟ فيه روايتان : .
إحداهما : لا خيار له لأنه عقد معاوضة صح من الغيبة فأشبه النكاح .
والثانية : يثبت له الخيار عند الرؤية في الفسخ والإمضاء لأنه يروى عن النبي A أنه قال [ من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رآه ] ويكون خياره على الفور للحديث وقيل : يتقيد بالمجلس لأنه خيار ثابت بمقتضى العقد فتقيد بالمجلس كخيار المجلس فإن اختار إمضاء العقد قبل الرؤية أم يلزم لأنه تعلق بالرؤية ولأنه إلى إلزام العقد في مجهول الصفة وإن اختار الفسخ انفسخ لأن الفسخ يصح في مجهول الصفة ويعتبر لصحة العقد الرؤية من المتعاقدين جميعا لأن الرضا معتبر منهما فتعتبر الرؤية التي هي مظنة له منهما جميعا .
فصل : .
فإن رأيا المبيع ثم عقدا بعد ذلك بزمن لا تتغير العين فيه صح في صحيح المذهب .
وعنه : لا يصح لأن ما كان شرطا يعتبر وجوده حال العقد كالشاهدة في النكاح .
ولنا أنه معلوم عندهما أشبه ما لو شاهداه حال العقد أو اشترى منه دارا كبيرة وهو في طرفها والشرط العلم وهو مقارن للعقد ثم إن وجد المبيع لم يتغير لزم وإن وجده ناقصا فله الخيار لأن ذلك كالعيب وإن اختلفا في التغيير فالقول قول المشتري لأن الثمن يلزمه فلا يلزمه إلا ما اعترف به وإن عقد بعد الرؤية بزمن يفسد فيه ظاهرا لم يصح لأنه غير معلوم وإن احتمل الأمرين ولم يظهر التغير فالعقد صحيح لأنه الأصل سلامته .
فصل : .
ويصح البيع بالصفة في صحيح المذهب إذا ذكر أوصاف السلم لأنه لما عدمت المشاهدة للمبيع وجب استقصاء صفاته كالسلم وإذا وجد على الصفة لزم العقد وإن وجده على خلافها فله الفسخ فإن اختلفا في التغير فالقول قول المشتري لما ذكرناه وعنه : لا يصح البيع بالصفحة لأنه لا يمكن استقصاؤها .
والمذهب الأول لأنه مبيع معلوم بالصفة فصح بيعه كالمسلم فيه وبيع الأعمى وشراؤه بالصفة كبيع البصير بها فإن عدمت الصفة وأمكنه معرفة المبيع بذوق أو شم صح بيعه وإلا لم يصح لأنه مجهول في حقه .
فصل : .
ولا يجوز بيع عبد من عبيد ولا شاة من قطيع ولا ثوب من أثواب ولا أحد هذين العبدين لأنه غرر فيدخل في الخبر ولأنه يختلف فيفضي إلى التنازع ويجوز بيع قفيز من صبرة ورطل زيت من دن أو ركوة لأن أجزاءه لا تختلف فلا يفضي إلى التنازع فإن باع جريبا من ضيعة يعلمان جربانها صح وكان المبيع مشاعا منها وإن كانت عشرة أجربة فالمبيع عشرها وإن لم يعلما جربانها لم يصح لأنه لا يعلم قدره منها فيكون مجهولا .
فصل : .
وما لا تختلف أجزاؤه كصبر الطعام وزق الزيت يكتفى برؤية بعضه لأنها تزيل الجهالة لتساوي أجزائه ولأنه تتعذر رؤية جميعه فاكتفي ببعضه كأساسات الحيطان وما تشق رؤيته كالذي مأكوله في جوفه يكتفى برؤية ظاهره لذلك وكذلك أساسات الحيطان وطي الآبار وشبهها ويجوز بيع الباقلى والجوز واللوز في قشريه والحب في سنبله لأن النبي A نهى عن بيع الحب حتى يشتد رواه أبو داود فمفهومه جواز بيع المشتد ولأنه مستور بما خلق فيه فجاز بيعه كالذي مأكوله في جوفه ولأن قشره الأعلى من مصلحته لأنه يحفظ رطوبته وادخار الحب في سنبله أبقى له فجاز بيعه فيه كالسلت والأرز وما لا تشق رؤية جميعه ويشترط رؤية جميعه على ما أسلفناه .
فصل : .
إذا قال : بعتك هذه الصبرة صح وإن لم يعلم قدرها لأن ابن عمر قال : كنا نبتاع الطعام من الركبان جزافا على عهد رسول الله A متفق عليه ولأن غرر ذلك منتفي بالمشاهدة فاكتفي بها وإن باع نصفها أو ثلثها أو جزءا منها مشاعا صح لأن من عرف شيئا عرف جزأه وإن قال : بعتكها كل قفيز بدرهم صح لأن المبيع معلوم بالمشاهدة والثمن معلوم لإشارته إلى من يعلم مبلغه بجهة لا تتعلق بالمتعاقدين وهو كيل الصبرة فجاز كما لو باعه مرابحة لكل عشرة درهم ولو قال : بعتك بعض هذه الصبرة لم يصح لأنه البعض مجهول ولو قال : بعتك منها كل قفيز بدرهم لم يصح لأنه باعه بعضها ولو قال : بعتكها على أن أزيدك قفيزا لم يصح لأن الزائد مجهول فإن قال : على أن أزيدك قفيزا من هذه الأخرى صح لأن معناه بعتكها وقفيزا من هذه وإن قال على أن أزيدك من هذه أو أنقصك قفيزا لم يصح لأنه لا يدري أيزيده أم ينقصه وإن قال : بعتكها كل قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزا من هذه الأخرى وهما يعلمان قدر قفزانها صح لأنهما إذا علماها عشرة فمعناه : بعتك كل قفيز وعشرا بدرهم وإن لم يعلما قدرها لم يصح لجهالة الثمن لأنه يصير قفيزا وشيئا لا يعلمان قدره بدرهم لجهلهما بكمية قفزانها وكذلك إن قال : على أن أنقصك قفيزا وإن جعلا للقفيز الزائد ثمنا مفردا صح في الحالين .
فصل : .
ويكتفى بالرؤية فيما لا تتساوى أجزاؤه كالأرض والثوب والقطيع من الغنم لما ذكرنا في الصبرة وفيه نحو من مسائلها ولو قال : بعتك من الدار من هاهنا إلى هاهنا جاز لأنه معلوم وإن قال : عشرة أذرع ابتداؤها من هاهنا لم يصح لأنه لا يدري إلى أين ينتهي ولو قال : بعتك نصف داري مما يلي دارك لم تصح نص عليه لذلك وإن قال : بعتك من هذا الثوب من أوله إلى هاهنا صح لأنه معلوم وقال القاضي : إن كان ينقصه القطع لم يصح لعجزه عن التسليم إلا بضرر والأول أصح لأن التسليم ممكن والضرر لا يمنع الصحة إذا التزمه كما لو باعه نصفا مشاعا أو نصف حيوان .
فصل : .
ويشترط لصحة المبيع معرفة الثمن لأنه أحد العوضين فيشترط العلم به كالمبيع ورأس مال السلم وإن باعه بثمن مطلق في موضع فيه نقد معين انصرف إليه وإن لم يكن فيه نقد معين لم يصح لجهالته وإن باعه سلعة برقمها أو بما باع به فلان وهما لا يعلمان ذلك أو أحدهما أو بما ينقطع به السعر لم يصح لأنه مجهول وإن قال : بعتك بألف درهم ذهبا وفضة لم يصح لأنه لم يبين القدر من كل واحد منهما وإن باعه بعشرة نقدا أو بخمس عشرة نسيئة أو بعشرة صحاحا أو بعشرين مكسرة لم يصح لأن النبي ( ص ) نهى عن بيعتين في بيعة حديث صحيح .
وهو هذا ولأنه لم يعقد على ثمن بعينه أشبه إذا قال : بعتك أحد هذين العبدين ويتخرج أنه يصح بناء على قوله في الإجارة وقيل : معنى بيعتين في بيعة أن يقول : بعتك هذا بمائة على أن تبيعني دارك بألف أو على أن تصرفها لي بذهب وأيا ما كان فهوة غير صحيح وإن باع بثمن معين تعين لأنه عوض فتعين بالتعيين كالمبيع فعلى هذا إن وجده مغصوبا بطل العقد وإن وجده معيبا فرده انفسخ العقد لرد المعقود عليه فأشبه رد المبيع وعن أحمد : أن الثمن لا يتعين إلا بالقبض فتنعكس هذه الأحكام وإن باعه بثمن في الذمة لم يتعين فإذا قبضه فوجده مغصوبا لم يبطل العقد وإن رده لم يفسخ لأن الثمن في الذمة .
فصل : .
ولا يجوز بيع الملامسة والمنابذة لما روى أبو سعيد الخدري : أن النبي ( ص ) نهى عن بيعتين : الملامسة والمنابذة والمنابذة : أن يقول : إذا نبذت إلي هذا الثوب فقد وجب البيع والملامسة : أن يمسه بيده ولا ينشره متفق عليه ولأنه إذا علق البيع على نبذ الثوب ولمسه فقد علقه على شرط وهو غير جائز وإذا باعه قبل نشره فقد باعه مجهولا فيكون غررا ولا يجوز بيع الحصاة لما روى أبو هريرة [ أن النبي ( ص ) نهى عن بيع الحصاة ] رواه مسلم وهو أن يقول : ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا وقيل : هو أن يقول : بعتك من هذه الضيعة بقدر ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا وكلاهما غير صحيح لأنه غرر ولا يجوز بيع حبل الحبلة لما روى ابن عمر قال : [ نهى النبي ( ص ) عن بيع حبل الحبلة ] متفق عليه قال أبو عبيدة : هو بيع ما يلد حمل الناقة .
وقيل : هو بيع السلعة بثمن إلى أن يلد حمل الناقة وكلاهما لا يجوز لأنه على التفسير الأول : بيع معدوم مجهول وعلى الثاني : بيع بثمن إلى أجل مجهول ولا يجوز تعليق البيع على شرط مستقبل كمجيء المطر وقدوم زيد وطلوع الشمس لأنه غرر ولأنه عقد معاوضة فلم يجز تعليقه على شرط مستقبل كالنكاح .
فصل : .
ولا يجوز بيع العنب والعصير لمن يتخذه خمرا ولا السلاح لأهل الحرب أو لمن يقاتل به في الفتنة ولا الأقداح لمن يشرب فيها الخمر لأنه معونة على المعصية فلم يجز كإجارة داره لبيع الخمر ولا يجوز بيع العبد المسلم لكافر لأنه يمنع من استدامة ملكه عليه فلم يصح عقده عليه كالنكاح فإن أسلم في يده أو يد موروثه ثم انتقل إليه بالإرث أجبر على إزالة ملكه عنه لأن في تركه في ملكه صغارا فإن باعهم أو وهبه لمسلم أو أعتقه جاز وإن كاتبه ففيه وجهان : .
أحدهما : يجوز لأنه يصير كالخارج عن ملكه في التصرفات .
والثاني : لا يجوز لأنه لا يزيل الملك فلم يقبل كالتزويج .
وإن ابتاع الكافر مسلما يعتق عليه بالشراء ففيه روايتان : .
إحداهما : لا يصح لأنه عقد يملك به المسلم .
والثانية : يجوز لأن ملكه يزول حال ثبوته فلا يحصل فيه صغار وإن حصل فقد حصل له من الكمال بالحرية فوق ما لحقه برق لحظة وإن قال الكافر لمسلم : أعتق عبدك عني وعلى ثمنه ففيه وجهان بناء على ما ذكرناه لأنه بقدر بيعه للكافر وتوكيل البائع في عتقه .
فصل : .
ولا يجوز يفرق في البيع بين ذوي رحم محرم قبل البلوغ لما روى أبو أيوب عن النبي ( ص ) أنه قال : [ من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة ] حديث حسن .
وعن علي Bه قال : وهب لي رسول الله ( ص ) غلامين أخوين فبعت أحدهما فقال رسول الله ( ص : [ ما فعل غلامك ؟ فأخبرته فقال : رده رده ] رواه الترمذي وقال حديث حسن فإن فرق بينهما فالبيع باطل رضيت الأم ذلك أم كرهته نص عليه لأنه فيه إسقاطا لحق الولد وهل يجوز التفريق بينهما بعد البلوغ ؟ فيه روايتان : .
إحداهما : لا يجوز لعموم الخبر .
والثانية : يجوز لأنه سلمه بن الأكوع أتى أبا بكر الصديق Bه بامرأة وابنتها في غزوة فنفله أبو بكر ابنتها ثم استوهبها النبي ( ص ) من سلمة فوهبها له رواه مسلم وهذا تفريق لأن النبي ( ص ) أهديت له أختان مارية وسيرين فأمسك مارية ووهب أختها لحسان بن ثابت .
فصل : .
ولا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها ليمضي ويشتريها ويسلمها لما رواه حكيم بن حزام قال للنبي ( ص ) : إن الرجل يأتيني يلتمس من البيع ما ليس عندي فأمضي إلى السوق فأشتريه ثم أبيعه منه فقال النبي ( ص ) : [ لا تبع ما ليس عندك ] حديث صحيح ولأنه بيع ما لا يقدر على تسليمه أشبه بيع الطير في الهواء فإن باع مال غيره بغير إذنه ففيه روايتان : .
إحداهما : لا يصح لذلك .
والثانية : يصح ويقف على إجازة المالك فإن أجازه جاز وإن أبطله بطل لما روى عروة بن الجعد البارقي أن النبي ( ص ) أعطاه دينارا ليشتري به شاة فاشترى به شاتين ثم باع إحداهما بدينار في الطريق قال : فأتيت النبي ( ص ) بالدينار وبالشاة فأخبرته فقال : [ بارك الله لك في صفقة يمينك ] رواه الإمام أحمد و الأثرم Bهما ولأنه عقد له مجيز حال وقوعه فوقف على إجازته كالوصية وإن اشترى بعين مال غيره شيئا بغير إذنه فهو كبيعه فإن اشترى له شيئا بغير إذنه بثمن في ذمته ثم نقد ثمنه من مال الغير صح الشراء لأنه تصرف في ذمته لا في مال غيره ويقف على إجازة المشتري له لأنه قصد الشراء له فإن أجازه لزمه وإن لم يجزه لزم من اشتراه لأنه لا يلزمه ما لم يأذن فيه والبيع صحيح فيلزم المشتري فإن باع مال غيره وهو حاضر فلم ينكر ذلك فهو كبيعه في غيبته فإن السكوت ليس بإذن فإنه محتمل كغير الإذن فلا يتعين كونه إذنا والله أعلم