باب كفارة اليمين .
ومن حلف فهو مخير في التكفير قبل الحنث أو بعده سواء كانت الكفارة صوما أو غيره لما روى عبد الرحمن بن سمرة قال : قال النبي A : [ يا عبد الرحمن ابن سمرة إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك و أت الذي هو خير ] متفق عليه و في لفظ : [ ثم أت الذي هو خير ] رواه أبو داود لأنه كفر بعد سببه فجاز ككفارة الظهار و القتل بعد الجرح .
فصل .
و هو مخير في أن يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم أو يعتق رقبة فإن لم يجد صام ثلاثة أيام لقول الله تعالى : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم و لكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم و احفظوا أيمانكم } و قد شرحنا العتق والإطعام في كفارة الظهار .
فأما الكسوة فلا يجزئه أقل من كسوة عشرة مساكين للآية و تقدر الكسوة بما يجزئ في الصلاة و هو ثوب للرجل و للمرأة درع و خمار يستر جميعها و لا يجزئ السراويل و لا إزار وحده لأن التكفير عبادة تعتبر فيها الكسوة فأشبهت الصلاة و تجزئه كسوتهم من القطن و الكتان و الصوف و سائر ما يسمى كسوة لأن الله تعالى لم يعين جنسها فوجب أن لا يتعين وتجوز كسوتهم من الجديد و اللبيس إلا أن يكون مما ذهبت منفعته باللبس فلا يجزئ لأن ذلك معيب فأشبه الحب المعيب و إن كسا بعض المساكين من جنس و باقيهم من جنس آخر أو أطعمهم من جنس جاز لأنه قد أطعم و كسا عشرة فجاز كما لو كان من جنس واحد و إن أطعم بعضهم و كسا باقيهم جاز لأنه أخرج من جنس المنصوص عليه بعدة العدد الواجب فأجزأ كما لو أخرجه من جنس واحد و لأن كل واحد من النوعين يقوم مقام صاحبه في جميع العدد فقام مقامه في بعضه كالتيمم مع الماء و إن أعتق نصف عبد و أطعم خمسة مساكين أو كساهم لم يجزئه لأن مقصودهما مختلف متباعد فلم يكمل أحدهما بصاحبه كالإطعام و الصيام و يشترط التتابع في صوم الأيام الثلاثة و عنه : لا يشترط لأن الأمر بها مطلق فلم يجز تقييده بغير دليل فظاهر المذهب الأول لأن في قراءة أبي و ابن مسعود ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) فالظاهر أنهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه و سلم فيكون خبرا .
فصل .
و إن حلف العبد أجزأه الصيام لأن ذلك فرض الحر المعسر و هو أحسن من العبد حالا و إذا أذن له سيده في التكفير بالمال لم يلزمه لأنه غير مالك له و ظاهر كلام الخرقي : أنه لا يجزئه غير الصيام و قال غيره فيه روايتان : .
إحداهما : لا يجزئه إلا الصيام لأنه لا يملك المال فلم يجز له التكفير به كالحر يكفر بمال غيره .
و الثانية : له التكفير بالمال إذا أذن له سيده فيه و ملكه قدر ما يكفر به لأنه قدر عل التكفير بالمال فصح تكفيره به كالمعسر يملك ما يكفر به فعلى هذا له التكفير بالإطعام و هل له التكفير بالعتق ؟ على روايتين : .
إحداهما : له ذلك لأنه من صح تكفيره بالإطعام صح تكفيره بالعتق كالحر .
و الثانية : لا يجوز لأن العتق يقتضي الولاية و الإرث و ليس ذلك للعبد فإن قلنا يجوز فأذن له في إعتلق نفسه عن كفارته ففعل ففيه وجهان : .
إحداهما : يجوز لأنها رقبة تجزئ عن غيره فأجزأت عنه كغيره .
و الثاني : لا تجزئه لأنه لا يملك نفسه فلا يجزئه التكفير بها كما لو لم يؤذن له و لأن الكفارة عنه لم يجز صرفها إلى نفسه كالحر فأما إن أذن في العتق مطلقا لم يجز أن يعتق نفسه كما لو وكل غريما في إبراء بعض غرمائه لم يملك إبراء نفسه و قال أبو بكر : فيه وجه آخر أنه يجزئه فإن حنث و هو عبد فعتق فقال الخرقي : لا يجزئه غير الصيام لأنه حين الوجوب لا يجزئه غيره و لأنه حكم تعلق بالعبد فلم يتغير بحريته كالحد ومن جعل للعبد التكفير بالمال في حال رقه فهنا أولى و من اعتبر أغلظ الأحوال و كان موسرا لم يجز له التكفير بغير المال .
فصل .
و من حلف أيمانا كثيرة على شيء واحد فحنث لم يلزمه أكثر من كفارة لأنها أسباب كفارات من جنس فتداخلت كالحدود و إن حلف يمينا واحدة على أفعال مختلفة فحنث في الجميع أجزأه كفارة واحدة لأنها يمين واحدة فلم يحنث بها أكثر من كفارة كما لو حلف على فعل واحد و إن حنث بفعل واحد انحلت يمينه في الباقي و إن حلف أيمانا على أفعال فقال : و الله لا أكلت و الله لا شربت و الله لا لبست ففيه روايتان : .
إحداهما : يجزئه عن الجميع كفارة واحدة اختارها أبو بكر و القاضي لأنها كفارات من جنس واحد فتداخلت كالحدود .
و الثانية : يجب في كل يمين كفارة و هو ظاهر قول الخرقي لأنها أيمان لا يحنث في إحداهن بالحنث في الأخرى فوجبت في كل يمين كفارتها كالمختلفة الكفارة قال أبو بكر : المذهب الأول و قد رجع أحمد عن الرواية الأخرى و لو حلف على شيء واحد بيمينين مختلفي الكفارة كالظهار و اليمين بالله لزمته في كل يمين كفارتها لأنها أجناس فلم تتداخل كالحدود من أجناس .
فصل .
ومن حلف بالقرآن فخنث فقياس المذهب أن عليه كفارة واحدة لأن الحلف بصفات الله تعالى وتكرر اليمين بها لا يوجب أكثر من كفارة واحدة فهذا أولى والمنصوص عنه أن عليه بكل آية كفارة لأن ابن مسعود قال ذلك قال أحمد : ما أعلم شيئا يدفعه و يحتمل أن ذلك ندب غير واجب لأنه قال : عليه بكل آية كفارة يمين فإن لم يمكنه فعليه كفارة يمين ورده إلى كفارة واحدة عند العجز دليل على أن الزائد عليها غير واجب إذ لو رجب لم يسقط بالعجز كالواحدة