باب جامع الأيمان .
ومبنى الأيمان على النية فمتى نوى بيمينه ما يحتمله تعلقت يمينه بما نواه دون ما لفظ به سواء نوى ظاهر اللفظ أو مجازه مثل أن ينوي موضوع اللفظ أو الخاص بالعام أو العام بالخاص أو غير ذلك لأن النبي A قال : [ وإنما لكل امرئ ما نوى ] فتدخل فيه الأيمان ولأن كلام الشارع يصرف إلى ما دل الدليل على أنه أراده دون ظاهر اللفظ فكلام المتكلم مع اطلاعه على تعين إرادته أولى فلو حلف ليأكلن لحما أو فاكهة أو ليشربن ماء أو ليكلمن رجلا أو ليدخلن دارا أو لا يفعل ذلك وأراد بيمينه معينا تعلقت يمينه به دون غيره وإن نوى الفعل أو الترك في وقت بعينه اختص بما نواه وإن حلف : لا يشرب له الماء من العطش يريد قطع منته تناولت يمينه كل ما يمتن به لأن ذلك للتنبيه على ما هو أعلى منه كقول الله تعالى : { ولا تظلمون فتيلا } يريد : ولا تظلمون شيئا وقال الشاعر : .
وإن حلف : لا يلبس شيئا من غزلها يريد قطع منتها فباعه وانتفع بثمنه حنث ولا يتعدى الحكم إلى كل ما فيه منة لأن لكونه من غزلها أثرا في داعية اليمين فلم يجز حذفه وإن حلف : لا يأوي معها في دار ينوي جفاءها ولم يكن للدار أثر في القصد فأوى معها في غيرها حنث ولا يحنث بصلتها بغير الإيواء لأن له أثرا فلا يحذف وإن قال : إن رأيتك تدخلين الدار فأنت طالق يقصد منعها الدخول بالكلية حنث بدخولها وإن لم يرها وإن لم يرد ذلك لم يحنث حتى يراها تدخل اتباعا للفظه وإن حلف : ليقضينه حقه في غد يريد ألا يتجاوزه بالقضاء فقضاه قبله لم يحنث وإن حلف : لا يبيع ثوبه بمائة يريد ألا ينقصه فباعه بأقل حنث وإن حلف : لا يتزوج حنث بالعقد الصحيح وإن حلف : ليتزوجن بر بذلك إلا أن يقصد بيمينه غيظ زوجته أو يكون سبب يمينه يقتضي ذلك فلا يبر إلا بتزويج يغيظها فإن واطأها على التزوج والطلاق قبل الدخول ليحل يمينه أو يتزوج من لا يغيظها تزوجها لم يبر وقال أصحابنا فيمن حلف : ليتزوجن على امرأته لا يبر حتى يتزوج نظيرتها ويدخل بها والصحيح أن هذا لا يعتبر لأن غيظها يحصل بدونه .
فصل .
وإن تأول الظالم في يمينه لم ينفعه تأويله لما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله A : [ يمينك على ما يصدقك به صاحبك ] رواه مسلم و أبو داود ولأنه لو ساغ له التأويل لبطل المعنى المبتغى باليمين وهو تعريف الحالف ليرتدع عن جحوده خوفا من عاقبة اليمين الكاذبة وإن كان مظلوما فله تأويله نص عليه أحمد في رجل له امرأتان اسم كل واحدة فاطمة فماتت إحداهما : فحلف بطلق فاطمة ينوي الميتة إن كان المستحلف ظالما فالنية نية صاحب الطلاق وإن كان الحالف ظالما فالنية نية الذي أحلفه لما روى أبو داود بإسناده عن سويد بن حنظلة قال : خرجنا نريد رسول الله A ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدو له فتحرج القوم أن يحلفوا فحلفت : أنه أخي فخلى سبيله فأتينا رسول الله A فذكرنا ذلك له فقال : [ أنت كنت أبرهم وأصدقهم المسلم أخو المسلم ] ولأنه نوى بكلامه ما يحتمله على وجه لا يبطل حق أحد فجاز كما لو عنى به الظاهر وإن لم يكن ظالما ولا مظلوما فظاهر كلام أحمد : أن له تأويله كذلك ولقول النبي A : [ إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب ] وكان النبي A يمزح ولا يقول إلا حقا وقال لرجل : [ إنا حاملوك على ابن ناقة ] فقال الرجل : ما أصنع بولد الناقة ؟ فقال : [ وهل تلد الإبل إلا النوق ] رواه أبو داود .
وقال بعض أهل العلم : الكلام أوسع من أن يكذب ظريف يعني : التأويل .
فصل .
ومن لم تكن له نية وكان ليمينه سبب هيجها يقتضي معنى أعم من اللفظ مثل من امتنت عليه زوجته فحلف لا يشرب لها الماء من العطش أو لا يلبس ثوبا من غزلها أو حلف : لا يأوي معها في دار لسبب يقتضي جفاءها فحمه حكم القاصد كذلك لأن السبب دليل على النية والقصد فقام مقامه وإن كان اللفظ أعم من السبب كرجل امتنت عليه زوجته ببيتها فحلف لا يسكن بيتا أو دعاه إنسان إلى غداء فحلف لا يتغدى ففيه وجهان : .
أحدهما : يحمل اللفظ على عمومه لأن كلام الشارع إذا ورد على سبب خاص حمل على عمومه ولم يختص محل سببه فكذلك اليمين .
والثاني : يختص بمحل السبب لأن قرينة حاله دالة على إرادة الخاص أشبه ما لو نواه ولأننا أقمنا السبب مقام النية في التعميم فكذلك في التخصيص ولو حلف على شيء لسبب فزال مثل من حلف لا يدخل بلدا لظلم فيه فزال ثم دخله فقال القاضي : يحنث وذكر أن أحمد نص عليه وإن حلف على زوجته أو عبده : ألا يخرجها إلا بإذنه فخرجا عن ملكه فقال القاضي : تنحل يمينه لأن قرينة الحال تقتضي تخصيصهما بحالة الملك فأشبه ما لو صرح به فيخرج في هذه المسألة وفي التي قبلها وجهان قياسا لكل واحدة منهما على صاحبتها وإن حلف لعامل : لا يخرج إلا بإذنه فعزل أو حلف : لا يرى منكرا إلا رفعه إلى القاضي فلان فعزل وأشباه هذا ففيه وجهان كذلك فإن قلنا : لا تنحل اليمين بعزله فرفعه إليه بعد عزله بر وإن قلنا : تنحل بذلك فرأى منكرا في ولايته وأمكنه رفعه إليه فلم يرفعه إليه حتى عزل ثم رفعه إليه لم يبر .
فصل .
فإن عدم ذلك تعلقت يمينه بما عينه فمتى حلف لا أكلت هذا الرطب أو هذا العنب فصار دبسا أو خلا أو ناطفا أو أكلت هذا الحمل فصار كبشا أو : لا أكلت هذا البر فصار دقيقا أو خبزا أو هريسة أو ما تولد من المحلوف عليه فأكل منه حنث وإن حلف : لا كلمت هذا الصبي فصار شيخا فكلمه أو : لا دخلت هذه الدار فصارت فضاء أو مسجدا أو حماما فدخلها أو لا لبست هذا الرداء فلبسه قميصا أو سراويل أو اعتم به أو : لا ركبت هذه السفينة فنقضت ثم أعيدت وركبها أو : لا كلمت زوجة فلان هذه ولا عبده هذه أو : لا دخلت داره هذه أو : لا كلمت بكرا عند زيد ولا هندا زوجته أو : لا كلمت زيدا سيد بكر أو زوج هند أو زيدا صديق سعد فزال ملكه عنهن وفعل ما حلف عليه حنث لأن عين المحلوف عليه باقية فحنث به كما لو حلف : لا أكلت هذا الكبش فذبحه وأكل من لحمه ويحتمل أن لا يحنث في هذا كله وإن استحالت العين مثل أن حلف على هذا البر فصار زرعا أو بيضة فصارت فرخا أو على خمر فصار خلا لم يحنث لأن الأعيان استحالت فزال حكم اليمين ومتى كانت نية الحالف على شيء مقيد بصفة تقيدت يمينه بذلك ومتى حلف : لا يدخل دار فلان ولا يكلم عبده ولا زوجته ولا يركب دابته وقصد معينا تعلقت اليمين بعينه سواء بقي لفلان أو انتفل عنه ولا تتناول يمينه غير تلك الدار والعبد والدابة والزوجة لأنه تعين بنيته وإن لم يعين حنث بكلام كل عبد وزوجة له ودخول كل دار مضافة إليه بملك أو إجارة أو سكنى لأن الدار تضاف إلى ساكنها قال الله تعالى : { لا تخرجوهن من بيوتهن } يريد : بيوت أزواجهن التي تسكنها ولا يحنث بكلام عبد زال عنه ملك فلان ولا دار ولو حلف : لا يدخل دار عبد فلان ولا يركب دابته ولا يلبس ثوبه فركب أو لبس أو سكن أو ركب ما جعل برسمه حنث لما ذكرنا ولأن إضافة الملكية هنا غير متحققة فتعين صرفها إلى غير الملكية .
فصل .
وإن عدم التعيين تعلقت يمينه بما تناوله الاسم والأسماء ثلاثة أقسام : .
أحدها : الأسماء العرفية وهي أسماء اشتهر في العرف استعمالها في غير موضوعها وهي أربعة أنواع : .
أحدها : ما صارت الحقيقة فيه مغمورة لا يعرفها أكثر الناس كالرواية : للمزادة وحقيقتها : البعير الذي يسقى عليه والغائط والعذرة : للفضلة المستقذرة وحقيقة الغائط : المكان المطمئن والعذرة : فناء الدار فهذا تنصرف اليمين عليه إلى الاسم العرفي دون الحقيقي لأنه يعلم أنه لا يريد غيره فصار كالمصرح به ولو حلف : لا يأكل شواء اختصت يمينه اللحم المشوي دون المشوي من البيض وغيره لاختصاص الشوي باللحم المشوي دون غيره وإن حلق على الدابة لم تتناول يمينه آدميا ولا ما لا يسمى دابة في العرف وإن حلف : لا استظل بسقف لم تتناول يمينه السماء وإن كان الله تعالى قد قال : { وجعلنا السماء سقفا محفوظا } ولو حلف على السراج لم يتناول الشمس لعدم تسميتها عرفا وإن اختلف أهل بلدين في تسمية عين انصرفت يمين الحالف إلى تسمية أهل بلده لأنه لا يريد غيره فأشبه ما لو اختلفت اللغات .
النوع الثاني : ما يزيل الاسم عن الحقيقي مثل اسم اللحم يتناول في الحقيقة لحم السمك قال الله تعالى : { لتأكلوا منه لحما طريا } ولا يفهم ذلك عند إطلاق الاسم فكذر الخرقي : أنه إذا حلف : لا يأكل لحما فأكل من لحم السمك حنث لأن الله تعالى سماه لحما ولأنه لحم حيوان فأشبه لحم الطير وقال ابن موسى : لا يدخل إلا أن ينويه لأنه لا يطلق عليه اسم اللحم أشبه الجراد ولأن الظاهر أن الحالف لم يرده بيمينه فأشبه النوع الذي قبله وإن حلف : لا يدخل بيتا فنص أحمد على أن يمينه تتناول المسجد والحمام لأن الله سمى المساجد بيوتا فقال سبحانه : { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه } وفي الأثر : [ بئس البيت الحمام ] وإذا كان بيتا في الحقيقة ويسميه الشارع حنث بدخوله كغيره ويحتمل ألا يحنث لأنه لا يسمى في العرف بيتا أشبه النوع الأول ويدخل في يمينه بيت الشعر والمدر لأنه بيت حقيقة وعرفا ولا تدخل فيه الخيمة لأنها لا تسمى بيتا ولا يدخل الدهليز ولا الصفة ولا صحن الدار كذلك وإن حلف على الريحان فقال القاضي تختص يمينه الريحان الفارسي لأنه المسمى عرفا وقال أبو الخطاب تتناول كل نبت أو زهر طيب الريح كالورد والبنفسج والنرجس والمرزنجوش ونحوه لأنه يتناول اسم الريحان حقيقة ولو حلف : لا يشم وردا ولا بنفسجا حنث بشمهما رطبين كانا أو يابسين فإن شم دهنهما لم يحنث عند القاضي لأنه لم يشمهما ويحنث عند أبي الخطاب لأن الشم إنما هو للرائحة وريحهما في دهنهما وإن حلف : لا يشتريهما فاشترى دهنهما لم يحنث وجها واحدا .
النوع الثالث : ما يتناوله الاسم حقيقة وعرفا لكن أضاف إليه فعلا لم تجر العادة بإضافته إلا إلى بعضه ففيه وجهان : .
أحدهما : يتناول الاسم جميع المسمى لعموم الاسم فيه .
والثاني : يختص بما جرت العادة بإضافة الفعل إليه لأن هذا قرينة دالة على اختصاصه بالإرادة فأشبه ما لو خصه بنيته فإذا حلف : لا يأكل رأسا فقال القاضي : يحنث بأكل رأس كل حيوان من النعم والطير والصيد والحيتان والجراد لعموم الاسم فيه حقيقة وعرفا فأشبه ما لو حلف : لا يشرب ماء فإنه يحنث بشرب الماء الملح والماء النجس ومن حلف : لا يأكل خبزا حنث يأكل خبز الذرة والدخن وإن لم تجر عادة أهل بلد الحالف بأكله ولو حلف : لا يأكل لحما تناول يمينه لكل اللحم المحرم وقال أبو الخطاب : لا يحنث بأكل رأس لم تجر العادة بأكله منفردا لأنه لا ينصرف إليه اللفظ عرفا فلم يحنث بأكله كما لو حلف : لا يأكل شواء فأكل بيضا مشويا وإن حلف : لا يأكل بيضا فعند القاضي : يحنث بأكل بيض كل حيوان وعند أبي الخطاب : لا يحنث بأكل بيض لا يزايل بائضه في حياته كبيض السمك والجراد .
النوع الرابع : أسماء يقصد بها في الغالب معنى فإذا أطلقها في اليمين تعلقت يمينه بما يحصل ذلك المعنى فإذا .
حلف : لا يضربه فخنفه أو نتف شعره أو عصر ساقه حنث لأنه يقصد ترك تأليمه وإن حلف ليضربنه بر بفعل ذلك لأنه يحصل مقصوده ويسمى ضربا وإن ضربه بعد موته لم يبر لأنه لا يحصل مقصوده وإن حلف : لا وطئت مدينة كذا راكبا حنث لأن ذلك يراد به اجتنابها .
فصل .
القسم الثاني : الأسماء الشرعية وهي التي لها موضوع شرعي كالوضوء والطهارة والصلاة والصوم والزكاة والحج والبيع فتعلق اليمين بالموضوع الشرعي لأنه الظاهر وتعلق اليمين بالصحيح منه دون الفاسد لأنه المشروع وقال ابن أبي موسى : من حلف : لا يتزوج لم يحنث إلا بتزويج صحيح ومن حلف : لا يشتري فاشترى شراء فاسدا ففيه روايتان وإن تزوج تزويجا مختلفا فيه أو اشترى شراء مختلفا فيه حنث لأنه يطلق عليه الاسم وقال أبو الخطاب : إن باع وقت النداء أو تزوج بغير ولي ففيه وجهان وإن حلف : لا يبيع خمرا ولا حرا حنث بفعل ذلك لأنه يتعذر حمل يمينه على عقد صحيح فيتعين الفاسد محملا لها ويحتمل أن لا يحنث لأنه ليس ببيع في الشرع وإن حلف : ليصلين وليصومن فأل ذلك صوم يوم وصلاة ركعتين كما لو نذBه ذلك وإن حلف : لا يصلي ولا يصوم فكذلك عند أبي الخطاب لأن ما دونه لا يبر به فلا يحنث بفعله كغيره من الأفعال وقال القاضي : يحنث بابتدائهما لأنه يسمى مصليا وصائما ويحتمل أن يخرج هذا على الروايتين فيمن حلف لا يفعل شيئا ففعل بعضه وإن حلف : لا يبيع لم يحنث حتى ينعقد البيع بالإيجاب والقبول وإن حلف : لا يهبه أو لا يعيره فأ جب ذلك فلم يقبل الآخر حنث لأن المقصود من الهبة فعل الواهب لعدم العوض فيها بخلاف البيع فإن مقصود البائع لا يتم إلا بالقبول وإن حلف : لا يتصدق عليه فوهبه لم يحنث لأن الصدقة تختص بوصف زائد بدليل قول النبي A : [ هو عليها صدقة ولنا هدية ] .
وإن حلف : لا يهبه فتصدق عليه تطوعا لم يحنث عند أبي الخطاب كذلك وقال القاضي : يحنث لأنه تبرع بعين في حياته أشبه ما لو أهدى إليه والصدقة نوع من الهبة فتتناولها يمين الحالف على الهبة ولم تدخل الهبة في اليمين الحالف على الصدقة ولا يحنث بالصدقة الواجبة وجها واحدا لأنه ليس بتبرع .
وإن أهدى إليه أو أعمره حنث لأنه هبة وإن وصى له لم يحنث لأن الملك إنما يثبت بعد انحلال اليمين بالموت وإن أعاره لم يحنث لأنها لا تسمى هبة ولأن الهبة تمليك الأعيان وقال أبو الخطاب : يحنث لأنها هبة المنافع وإن حاباه في البيع لم يحنث لما ذكرنا في العارية وقال أبو الخطاب : فيه وجه آخر لأنه يحنث لأنه تبرع عليه وإن وقف عليه ابتنى على ملك الموقوف عليه وإن قلنا : يملك حنث وإلا فلا وقال أبو الخطاب يحنث لأنه تبرع عليه ويحتمل أن لا يحنث بحال لأنه لا يسمى هبة .
فصل .
القسم الثالث : ما له موضوع لغوي لم يغلب استعماله في غيره فتتناوله يمينه مثل أن يحلف : لا يأكل لبنا فيحنث بأكل ما يسمى لبنا حليبا كان أو مخيضا مائعا أو جامدا ولا يحنث بأكل الخبز والزبد والسمن والأقط والكشك لأنه لا يسمى لبنا .
وإن حلف على الزبد لم تتناول يمينه سمنا ولا لبنا لم يظهر زبده فإن ظهر زبده تناولته يمينه وإن حلف على السمن لم تتناول يمينه زبدا ولا لبنا ويحنث بأكل ما حلف عليه مفردا وفي طبيخ يظهر طعمه فيه لأنه أكل المحلوف عليه وغيره وإن لم يظهر طعمه في الطبيخ لم يحنث بأكله لأنه زال اسمه وطعمه فلم يحنث بأكله كالكشك وإن حلف لا يأكل حنطة فأكلها خبزا أو طبيخا حنث لأن الحنطة لا تؤكل حبا عادة فانصرفت يمينه إلى أكلها في جميع أحوالها وإن أكل شعيرا فيه حبات حنطة ففيه وجهان : .
أحدهما : يحنث لأنه أكل حنطة فأشبه ما لو حلف لا يأكل رطبا فأكل منصفا .
والثاني : لا يحنث لأنها مستهلكة في الشعير أشبه السمن في الخبيص .
فصل .
وإن حلف لا يأكل فاكهة تناولت يمينه كل ثمرة مأكولة تخرج من الشجر كالعنب والزبيب والرطب والتمر والجوز واللوز لأنه يسمى فاكهة ولا تتناول القثاء والخيار والباذنجان لأنها من الخضر وفي البطيخ وجهان : .
أحدهما : فاكهة لأنه ينضج ويحلو أشبه العنب .
والثاني : ليس بفاكهة لأنه ثمر بقلة أشبه القثاء .
فصل .
والإدام : ما يؤكل مع الخبز عادة سواء كان مما يصطبخ به كالمرق واللبن والدهن والخل أو مما لا يصطبخ به كالشواء والجبن والزيتون لأن النبي A قال : [ نعم الإدام الخل ] وقال : [ اللحم سيد الإدام في الدنيا والآخرة ] فنص على هذين وقسنا عليهما سائر ما ذكرنا لأنه يؤتدم به عادة وفي التمر وجهان : .
أحدهما : هو إدام لما روى يوسف بن عبد الله بن سلام قال : رأيت النبي A وضع تمرة على كسرة وقال : [ هذه إدام هذه ] رواه أبو داود .
والثاني : أنه ليس بأدم لأنه فاكهة أشبه الزبيب .
وأما الطعام فهو : اسم لكل مأكول ومشروب على سبيل الاختيار قال الله تعالى : { كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه } وقال النبي A : [ إنما تحرز لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم ] .
والحلال والحرام سواء في اليمين وفي الماء والدواء وجهان : .
أحدهما : هو طعام لقول الله تعالى في النهر : { ومن لم يطعمه فإنه مني } ولأنه مشروب والدواء مأكول ومشروب أشبه العسل .
والثاني : ليس بطعام لأنه لا يطلق عليه اسمه والدواء إنما يؤكل عند الضرورة وأما القوت : فما تبقى به البنية كالخبز والتمر والزبيب واللحم .
واللبن لأن لك واحد من هذه يقتاته أهل بلد ويحتمل ألا يدخل في يمينه ما لا يقتاته أهل بلده لأن يمينه تنصرف إلى المتعارف عندهم .
فصل .
ومن حلف على اللحم تناولت يمينه لحم الأنعمام والصدي والطير والسباع وكل ما يسمى لحما ولا تتناول يمينه الشحم والألية والمخ والدماغ والكبد والطحال والقلب والرئة والكلية والكرش والمصران والقانصة والكارع لأنه ليس بلحم ولا ينفرد عنه باسمه وصفته فأشبه الجلد وفي اللسان وجهان : .
أحدهما : يدخل لأنه لحم حقيقة .
والثاني : لا يدخل لأنه ينفرد باسمه وصفته أشبه القلب وفي لحم الرأس وجهان : .
أحدهما : لا يدخل في يمينه أومأ إليه أحمد فيمن حلف لا يشتري لحما فاشترى رأسا أو كارعا لا يحنث إلا أن ينوي لأن اسم اللحم لا ينصرف عند الإطلاق إليه .
والثاني : يحنث لأنه لحم وفي المرق وجهان : .
أحدهما : لا تتناوله يمينه لأنه لا يسمى لحما .
والثاني : تتناوله يمينه اختاره القاضي لأن خاصية اللحم فيه ولا تخلو من أجزائه وفي اللحم الأبيض الذي على الظهر والجنب وفي تضاعيف اللحم الأحمر وجهان : .
أحدهما : هو لحم وهذا قول القاضي و أبي الخطاب لأنه يسمى لحما ويسمى بائعه لحاما ولا يفرد عن اللحم .
والثاني : هو شحم هذا ظاهر قول الخرقي واختيار طلحة العاقولي لأنه يشبه الشحم في لونه وذوبه ولا يسمى لحما بمفرده فعلى هذا يكون هذا والألية وشحم البطن شحما تتناول يمين الحالف على الشحم وعلى قول القاضي : الشحم : اسم لحشم البطن خاصة لا يتناوله غيره ومن حلف لا يأكل شحما فأكل لحما أحمر وحده لم يحنث لأنه لا يسمى شحما ولا يظهر فيه شحم وقال الخرقي : يحنث لأنه لا يخلو من شحم