باب دفع الصائل .
كل من قصد إنسانا في نفسه أو أهله أو ماله أو دخل منزله بغير إذنه فله دفعه لما روى عبد الله بن عمرو Bهما عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد ] رواه الخلال بإسناده و قال الحسن : من عرض لك في مالك فقاتله فإن قتلته فإلى النار و إن قتلك فشهيد و لأنه لو لم يدفعه لاستولى قطاع الطرق على أموال الناس و استولى الظلمة و الفساق على أنفس أهل الدين و أموالهم و لا يجب الدفع لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال في الفتنة : [ اجلس في بيتك فإن خفت أن يبهرك شعاع السيف فغط وجهك ] و في لفظ [ فكن كخير ابني آدم ] و في لفظ [ فكن عبد الله المقتول و لا تكن عبد الله القاتل ] و لأن عثمان Bه لم يدفع عن نفسه إلا أن يراد أهله فيجب الدفع لأنه لا يجوز إقرار المنكر مع إمكان دفعه و للمسلمين عون المظلوم و دفع الظالم لقول الله تعالى : { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } و قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ انصر أخاك ظالما أو مظلوما ] قال : كيف أنصره إذا كان ظالما ؟ قال : [ ترده عن ظلمه ] و قوله عليه السلام : [ المؤمنون يتعاونون على الفتان ] و لأنهم لو لم يتعاونوا على دفع الظلم لقهرهم الظلمة و قطاع الطريق .
فصل .
و يدفع الصائل بأسهل ما يمكن الدفع به فإن أمكن دفعه بيده لم يجز ضربه بالعصا وإن اندفع بالعصا لم يجز ضربه بحديدة و إن أمكن دفعه بقطع عضو لم يجز قتله و إن لم يمكن إلا بالقتل قتله و لم يضمنه لأنه قتل بحق فلم يضمنه كالباغي و إن قتل الدافع فهو شهيد و على الصائل ضمانه للخبر و لأنه قتل مظلوما فأشبه ما لو قتله في غير الدفع فإن أمكنه دفعه بغير قطع شيء منه فقطع منه عضوا ضمنه و إن أمكنه دفعه بقطع عضو فقتله أو قطع زيادة على ما يندفع به ضمنه لأنه جنى عليه بغير حق أشبه الجاني ابتداء و لأنه معصوم أبيح منه ما يندفع به شره ففيما عداه يبقى على العصمة فإذا ضربه فعطله لم يجز أن يضربه أخرى لأنه قد انكف أذاه وهو المقصود وإن قطع يده فولى عنه فضربه فقطع رجله ضمن رجله لأنها قطعت بغير حق و لم يضمن اليد لأنها قطعت بحق وإن مات منهما فلا قصاص في النفس لأنه من مباح و محظور و يضمن نصف ديته .
فصل .
وإن عض يد إنسان فانتزعها من فيه فانقلعت ثناياه لم يضمنها لما روى عمران بن حصين أن يعلى بن أمية قاتل رجلا فعض أحدهما يد صاحبه فانتزع يده من فيه فانتزع ثنيته فاختصما إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : [ أيعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية له ] متفق عليه و لأن فعله ألجأه إلى الإتلاف فلم يضمنه كما لو رماه بحجر فعاد عليه فقتله .
و إن أراد رجل امرأة فقتلته دفعا عن نفسها لم تضمنه نص عليه أحمد و ذكر حديثا عن عبيدة بن عمير أن رجلا ضاف ناسا من هذيل فأراد رجل منهم امرأة عن نفسها فرمته بحجر فقتلته فقال عمر و الله لا يودى أبدا و لو وجد رجل رجلا يزني بامرأته فقتلهما لم يضمنهما لما روى سعيد بإسناده عن إبراهيم أن قوما قالوا لعمر : ي أمير المؤمنين إن هذا قتل صاحبنا مع امرأته فقال عمر : ما يقول هؤلاء ؟ قال : ضرب الآخر فخذي امرأته بالسيف فإن كان بينهما أحد فقد قتله فقال له عمر : ما تقول ؟ قالوا : ضرب بسيفه فقطع فخذي المرأة فأصاب وسط الرجل فقطعه باثنين فقال عمر : إن عادوا فعد إلا أن تكون المرأة مكرهة فلا يحل قتلها و إن قتلها ضمنها لأنه قتلها بغير حق .
فصل .
و من اطلع في بيت غيره من ثقب أو شق باب أو باب غير مفتوح فرماه صاحب البيت بحصاة أو طعنه بعود فقلع عينه لم يضمنها لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح ] و عن سهل بن سعد : أن رجلا اطلع في جحر من باب النبي صلى الله عليه و سلم و رسول الله صلى الله عليه و سلم يحك رأسه بمدرى في يده فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لو علمت أنك تنظرني لطعنت بها في عينك ] متفق عليهما ظاهر كلام أحمد أنه لا يعتبر أن لا يمكن دفعه إلا بذلك لظاهر الخبر قال ابن حامد يدفعه أولا بأسهل ما يمكن دفعه به كالصائل سواء و ليس له رميه بحجر كبير يقتله و لا بحديدة فإن فعل ضمنه لأنه إنما يملك ما يقلع بع العين المبصرة التي حصل الأذى منها فإن لم يمكن دفعه بالشيء اليسير جاز بالكبير حتى يأتي ذلك على نفسه و لا ضمان عليه لأنه تلف بفعل جائز و سواء كان في البيت حرمة ينظر إليها أو لم يكن لعموم الخبر .
و إن كان المطلع أعمى لم يجز رميه لأنه لا ينظر فصار وجهه كقفا غيره .
وإن اطلع ذو محرم لأهله لم يجز رميه لأنه غير ممنوع من النظر إلا أن تكون المرأة متجردة فيجوز رميه لأنه يحرم عليه النظر إليها متجردة كالأجنبي و لو تجرد إنسان في طريق لم يجز له رمي من نظر إليه لأنه هتك نفسه بتجرده في غير موضع التجرد .
فصل .
وإن صالت عليه بهيمة فله دفعها بأسهل ما تندفع به فإن لم يمكن إلا بالقتل فقتلها لم يضمنها لأنه إتلاف بدفع جائز فلم يضمنه كدفع الآدمي الصائل و لأنه حيوان قتله لدفع شره أشبه الآدمي .
فصل .
ومن قتل إنسانا أو بهيمة أو جنى عليهما و ادعى أنه فعل ذلك للدفع عن نفسه أو حرمته أو قتل رجلا و امرأته و ادعى أنه وجده معها فأنكر الولي فالقول قول الولي و له القصاص لما روي أن عليا Bه سئل عن رجل قتل امرأته و رجلا معها و ادعى أنه وجدها معها وادعى أنه وجده معها فقال علي : إن جاء بأربعة شهداء و إلا دفع برمته و لأن القتل متحقق و ما يدعيه خلاف الظاهر و إن أقام بينة أنه قصده بسلاح مشهور فضربه هذا لم يضمنه لأن الظاهر أنه قصد قتله وإن شهدت أنه دخل بسلاح غير مشهور لم يسقط الضمان لأنه ليس هاهنا ما يدفعه .
فصل .
ومن اقتنى كلبا عقورا فأطلقه حتى عقر إنسانا أو دابة أو اقتنى هرة تأكل الطيور فأكلت طير إنسان ضمنه لأنه مفرط باقتنائه و ترك حفظه وإن دخل إنسان داره بغير إذنه فعقره الكلب لم يضمنه لأنه متعد بالدخول متسبب إلى إتلاف نفسه فلم يضمنه كما لو سقط في بئر فيها .
فصل .
وما أتلفت البهائم من الزرع ليلا فضمانه على صاحبها و ما أتلفت منه نهارا لم يضمنه إلا أن تكون يده عليها لما روى الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة : أن ناقة للبراء دخلت حائط قوم فأفسدت فيه فقضى رسول الله A : أن على أهل الأموال حفظها بالنهار و ما أفسدت بالليل فهو مضمون عليهم رواه أبو داود و لأن عادة أهل المواشي لإرسالها بالنهار للرعي و حفظها ليلا و عادة أهل الحوائط حفظها نهارا دون الليل فكان التفريط من تارك الحفظ في وقت عادته و ذكر القاضي : أنه متى لم يكن في القرية مرعى إلا بين زرعين لا يمكن حفظ الزرع فيه من البهيمة كساقية و نحوها فليس لصاحبه إرسالها ليلا و لا نهارا فإن فعل فهو مفرط و عليه الضمان و متى كان التفريط في إرسال البهيمة من غير المالك مثل أن أرسلها غيره أو فتح بابها لص أو غيره فالضمان عليه دون المالك لأنه سبب الإتلاف .
فصل .
و إن أتلفت البهيمة غير الزرع و لا يد لصاحبها عليها لم يضمنه ليلا كان أو نهارا لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ العجماء جبار ] يعني هدرا لأن البهيمة لا تتلف ذلك عادة فلم يجب حفظها عنه فإن ابتلعت جوهرة إنسان فطلب ذبحها ليأخذ جوهرته فعليه ضمان ما نقص بالذبح لأنه فعل ذلك لتخليص ماله و ليس على صاحب البهيمة ضمان نقص الجوهرة لأنها نقصت بفعل غير مضمون و إن كانت يد صاحبها عليها ضمن الجوهرة لأن فعلها منسوب إليه و يخير بين ذبحها ورد الجوهرة و أرش نقصها و بين غرمها بقيمتها كمن غصب خيطا فخاط به جرح حيوان فإن عاد فذبحها رد الجوهرة إلى صاحبها و استرجع القيمة كما لو غصب عبدا فأبق فرد قيمته ثم قدر عليه