باب اختلاف الجاني و المجني عليه .
إذا قتل رجلا وادعى أنه قتله و هو عبد فأنكر وليه فالقول قول الولي مع يمنيه لأن الأصل الحرية و الظاهر في الدار الحرية و لهذا يحكم بإسلام لقيطها و حريته و إن ادعى أنه كان قد ارتد فأنكر الولي فالقول قوله كذلك وإن قدم ملفوفا في كساء وادعى أنه كان ميتا فالقول قول الولي لأن الأصل حياته و كونه مضمونا فأشبه ما ذكرنا و إن جنى على عضو و ادعى أنه كان أشل بعد اتفاقهما على أنه كان سليما فالقول قول المجني عليه و إن لم يتفقا على ذلك فإن كان من الأعضاء الباطنة فالقول قول المجني عليه لأن الأصل السلامة و إن كان من الأعضاء الظاهرة ففيه وجهان : .
أحدهما : القول قول الولي لأن الأصل السلامة .
و الثاني : القول قول الجاني لأن العضو يظهر و يعرف حاله فلو كان سليما لم تتعذر إقامة البينة عليه و هذا اختيار القاضي .
فصل .
و إذا زاد المقتص على حقه و ادعى أنه أخطأ و قال الجاني : تعمد فالقول قول المقتص مع يمينه لأنه أعلم بقصده إلا أن يكون مما لا يجوز الخطأ في مثله فلا يقبل قوله فيه لعدم الاحتمال و إن قال : هذه الزيادة حصلت بإضرابه فأنكر الجاني فالقول قوله لأن الأصل عدم الاضطراب و فيه وجه آخر : أن القول قول المقتص لأن الأصل براءة ذمته .
فصل .
و إذا جرح ثلاثة رجلا فمات فادعى أحدهم أن جرحه برأ و أنكره الآخران فصدق الولي المدعي في موضع يريد القصاص قبل تصديقه و ليس على المدعي إلا ضمان الجرح لأنه لا ضرر على الآخرين في تصديقه لأن القصاص يلزمهما في الحالين وإن أراد أخذ الدية لم يقبل تصديقه في حقهما لأن عليهما ضررا فإنه إذا حصل القتل من ثلاثة وجب على كل واحد ثلث الدية و إذا برأ جرح أحدهم كان القتل من اثنين فلزم كل واحد نصفها و يقبل تصديقه في حق نفسه و يسقط عن المدعي ثلث الدية و يلزمه أرش الجرح و يجب على الآخرين ثلثا الدية .
فصل .
و إن أوضحه موضحتين بينهما حاجز فأزيل الحاجز فقال الجاني : تأكل بالسراية فلا يلزمني إلا دية موضحة و قال المجني عليه : أنا أزلته فالقول قول المجني عليه لأن الأصل بقاء أرش موضحتين و إن قال الجاني : ما أوضحتك إلا واحدة وقال المجني عليه بل أوضحتني اثنتين فخرقت ما بينهما فصارا واحدة فالقول قول الجاني لأن الأصل براءة ذمته من أرش أخرى و إن قطع أصابع امرأة فقال : قطعت من أصابعك أربعا فقالت : إنما قطعت ثلاثا و الرابعة قطعها غيرك فالقول قولها لأن الأصل وجوب دية ثلاث .
فصل .
و إن قطع أنف رجل و أذنيه فمات فقال الجاني : مات من الجناية فلا يلزمني إلا دية نفسه و قال وليه : بل اندملت الجنايتان فالقول قول وليه لأن الأصل وجوب ديتين فلا يسقط بالاحتمال و إن قطع ذلك ثم ضرب عنقه في مدة لا يحتمل البرء فيها فليس عليه إلا دية واحدة و إن كان بينهما مدة تحتمل البرء فادعاه الولي فالقول قوله و على الجاني ثلاث ديات لما ذكرنا و إن ضرب عنقه أجنبي آخر فعلى الأول ديتان و على الثاني : دية و إن كان قبل الاندمال لأن جناية الثاني قطعت سراية الأول فإن قال القاطع : أنا قتلته و قال الولي : بل قتله غيرك فالقول قول الولي : لما ذكرنا .
فصل .
و إن جنى على عين فأذهب ضوءها ثم مات المجني عليه فقال الجاني : عاد بصره قبل موته و أنكر الولي فالقول قوله لأن الأصل معه و إن قلع العين آخر و ادعى أنه قلعها قبل عود بصرها فأنكر الولي و الجاني الأول فالقول قول الثاني لأن الأصل معه فإن صدق الولي و المجني عليه الأول قبل قوله في إبرائه لأنه يسقط حقه و لم يقبل على الثاني لأنه يوجب عليه حقا الأصل عدمه .
فصل .
و إذا ادعى المجني عليه ذهاب سمعه بالجناية فأنكر الجاني امتحن في أوقات غفلاته بالصياح مرة بعد أخرى فإن ظهر منه انزعاج أو إجابة أو أمارة للسماع فالقول قول الجاني لأن الظاهر معه و يحلف لئلا يكون ما ظهر من أمارة السماع اتفاقا و إن لم يظهر منه أمارة السماع فالقول قول المجني عليه لأن الظاهر معه و يحلف لئلا يكون ذلك لجودة تحفظه و إن ادعى ذهاب شمه امتحن في أوقات غفلاته بالرائحة الطيبة و المنتنة فإن ظهر منه تعبيس من المنتنة و ارتياح للطيبة فالقول قول الجاني مع يمينه و إلا فالقول قول المجني عليه مع يمينه و إن ادعى ذهاب سمع إحدى أذنيه أو الشم من أحد منخريه سد الصحيح و امتحن بما ذكرنا و إن ادعى نقص سمعه أو شمه فالقول قوله مع يمينه لأنه يدعي محتملا لا يعرف إلا من جهته و لا سبيل إلى إقامة البينة عليه فيقبل قوله مع يمينه كقول المرأة في حيضها و متى حكم له بالدية ثم انزعج عند صوت أو غطى أنفه عند رائحة منتنة فطولب بالدية فادعى أنه فعل ذلك اتفاقا فالقول قوله لأنه يحتمل ما قاله فلا ينقض الحكم بالاحتمال و إن تكرر منه ذلك بحيث تعلم صحة سمعه و شمه رد مأخذ لأننا تبينا كذبه و لو كسر صلبه فادعى ذهاب جماعه فالقول قوله مع يمينه لأنه محتمل لا يعرف إلا من جهته .
فصل .
و إن ضرب بطن امرأة فألقت جنينا و قالت : هو من ضربك فأنكرها و كان الإسقاط عقيب الضرب أو بقيت متألمة إلى أن أسقطت فالقول قولها لأن الظاهر معها و إن بقيت مدة غير متألمة فالقول قوله لأنه يحتمل ما قاله احتمالا ظاهريا و الأصل براءة ذمته و إن اختلفا في التألم فالقول قول الجاني لأن الأصل عدم التألم و هو مما يظهر و يمكن إقامة البينة عليه و إن أسقطت الجنين حيا ثم مات فقالت المرأة : مات من ضربك فأنكرها و كان موته عقب الإسقاط أو بقي متألما إلى أن مات فالقول قولها لأن الظاهر معها و إن بقي مدة صحيحا ثم مات فالقول قول الجاني و إن اختلفا في تألمه فالقول قوله لما ذكرنا و إن قالت المرأة : استهل ثم مات فأنكرها فالقول قوله لأن الأصل عدمه و إن اتفقا على استهلاله فقالت : كان ذكرا .
و قال : بل أنثى فالقول قوله لأن الأصل براءة ذمته من الزائد على دية أنثى و إن صدق الجاني المرأة في حياته و كونه ذكرا و أنكرت العاقلة و جبت الدية في مال الجاني لأن العاقلة لا تحمل اعترافا و إن مات الجنين مع أمه و اعترف الجاني أنه سقط حيا ثم مات و أنكرت العاقلة فعلى العاقلة غرة لأنها لم تعترف بأكثر منها وما زاد على الجاني لأن قوله مقبول على نفسه دون العاقلة .
فصل .
و إن اصطدمت سفينتان فتلفت إحداهما فادعى صاحبها أن القيم فرط في ضبطها فأنكر فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم التفريط و متى اختلفا في وجود جناية غير ما يوجب القسامة كالجناية على الأطراف و غيرها فالقول قول الجاني لأن الأصل براءة ذمته و عدم الجناية .
فصل .
و إذا سلم دية العمد ثم اختلفا فقال الولي : لم يكن فيها خلفات و قال الجاني : كانت فيها و لم تكن رجع فيه إلى أهل الخبرة فالقول قول الولي لأن الأصل عدم الحمل وإن رجع في الدفع إليهم فالقول قول الدافع لأننا حكمنا بأنها خلفات بقولهم فلا ينقض ما حكمنا به إلا بدليل