باب كفارة القتل .
تجب الكفارة على كل من قتل نفسا محرمة مضمونة خطأ بمباشرة أو تسبب كحفر البئر و شهادة الزور لقول الله تعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة و دية مسلمة إلى أهله } وتجب على من قتل في بلاد الروم مسلما يعتقده كافرا لقول الله تعالى : { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة } وكذلك يلزم من رمى صف الكفار فقتل مسلما قياسا عليه ومن ضرب بطن امرأة فألقت جنينا حيا أو ميتا فعليه كفارة لأنه آدمي محقون الدم لحرمته فوجبت فيه الكفارة كغيره و إن قتله وأمه فعليه كفارتان لأنه قتل نفسين و إن قتل نفسه أو عبده خطأ فعليه كفارة لأنها تجب لحق الله تعالى و قتل نفسه و عبده كقتل غيرهما في التحريم لحق الله تعالى و إن اشترك جماعة في قتل واحد فعلى كل واحد منهم كفارة لأنها كفارة لا تجب على سبيل البدل اشتركوا في سببها فلزم كل واحد كفارة كالطيب في الإحرام وعنه : على الجميع كفارة لأنها تجب بالقتل فإن كان واحدا وجبت كفارة واحدة كقتل الصيد .
فصل .
ولا تجب الكفارة بالعمد المحض سواء أوجب القصاص أو لم يوجبه لقول الله تعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة } فتخصيصه بها يدل على نفيها في غيره و لأنها لو وجبت في العمد لمحت عقوبته في الآخرة لأنها شرعت لستر الذنب و عقوبة القاتل عمدا ثابتة بالنص لا تمحى بها فوجب ألا تجب الكفارة فيه و عنه : أنها تجب لأنها إذا وجبت في الخطأ مع قلة إثمه ففي العمد أولى .
وأما شبه العمد فتجب فيه الكفارة لأنه أجري مجرى الخطأ و في نفي عقوبته و تحمل العاقلة ديته و تأجيلها فكذلك في الكفارة و لأنه لو لم تجب الكفارة لم يلزم القاتل شيء لأن الدية تحملها العاقلة و تجب الكفارة في مال الصبي و المجنون إذا قتلا و إن تعمدا لأن عمدهما أجري مجرى الخطأ في أحكامه و هذا من أحكامه و تجب على النائم إذا انقلب على شخص فقتله و على من قتلت بهيمته بيدها أو فمها إذا كان قائدها أو راكبها أو سائقها لأن حكم القتل لزمه فكذلك كفارته .
فصل .
و لا يجب بالجناية على الأطراف كفارة و لا بقتل غير الآدمي لأن وجوبها من الشرع و إنما أوجبها في النفس و قياس غيرها عليها ممتنع لأنها أعظم حرمة و لذلك اختصت بالقسامة و لا تجب بقتل مباح كقتل الزاني المحصن و القصاص و قتل أهل البغي و الصائل و من ضرب الحد فمات فيه أو في التعزير أو قطع بالسرقة أو القصاص فسرى إلى نفسه و نحو ذلك لأن الكفارة شرعت لتكفير و المحو و هذا لا شيء فيه يمحى .
فصل .
و الكفارة تحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين للآية فإن لم يستطع ففيه روايتان : .
إحداهما : يلزمه إطعام ستين مسكينا لأنها كفارة فيها العتق و صيام شهرين فوجب فيها إطعام ستين مسكينا إذا عجز عنهما ككفارة الظهار و الجماع في رمضان .
و الأخرى : لا يجب فيها الإطعام لأن الله تعالى لم يذكره و صفة الرقبة و الصيام و الإطعام كصفة الواجب في كفارة الظهار على ما ذكر فيه و من عجز عن الكفارة بقيت في ذمته لأنها كفارة تجب بالقتل فلا تسقط بالعجز ككفارة قتل الصيد الحرمي