مسألة وفصول : الصلاة على المنتحر ومرتكب الكبيرة والمبتدعة .
مسألة : قال : ولا يصلي الإمام على الغال ولا من قتل نفسه .
الغال هو الذي يكتم غنيمته أو بعضها ليأخذه لنفسه ويختص به فهذا لا يصلي عليه الإمام ولا على من قتل نفسه متعمدا ويصلي عليه سائر الناس نص عليهما أحمد وقال عمر بن عبد العزيز و الأوزاعي لا يصلى على قاتل نفسه بحال لأن من لا يصلي عليه الأمام لا يصلي عليه غيره كشهيد المعركة وقال عطاء و النخعي و الشافعي : يصلي الإمام وغيره على كل مسلم لقول النبي A : [ صلوا على من قال : لا إله إلا الله ] رواه الخلال بإسناده ولنا ما روى جابر بن سمره [ أن النبي A جاؤوه برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه ] رواه مسلم وروى أبو داود [ أن رجلا انطلق إلى النبي A فأخبره عن رجل أنه قد مات قال : ( وما يدريك ؟ ) قال : رأيته ينحر نفسه قال : ( أنت رأيته ؟ ) قال : نعم قال : ( إذا لا أصلى عليه ) ] وروى زيد بن خالد الجهيني قال : [ توفي رجل من جهينة يوم خيبر فذكر ذلك لرسول الله A فقال : ( صلوا على صاحبكم ) فتغيرت وجوه القوم فلما رأى ما بهم قال : ( إن صاحبكم غل من الغنيمة ) ] احتج به أحمد واختص هذا الامتناع بالإمام لأن النبي A لما امتنع من الصلاة على الغال قال : [ صلوا على صاحبكم ] وروي أنه أمر بالصلاة على قاتل نفسه وكان النبي A هو الإمام فألحق به من ساواه في ذلك ولا يلزم من ترك صلاة النبي A ترك صلاة غيره فان النبي A كان في بدء الإسلام لا يصلي على من عليه دين لا وفاء له ويأمرهم بالصلاة عليه فإن قيل : هذا خاص للنبي A لأن صلاته سكن قلنا : ما ثبت في حق النبي A ثبت في حق غيره ما لم يقم على اختصاصه دليل فإن قيل : فقد ترك النبي A الصلاة على من عليه دين قلنا ثم صلى عليه بعد فروى أبو هريرة [ أن النبي A كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيقول : ( هل ترك لدينه من وفاء ؟ ) فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه وإلا قال للمسلمين : ( صلوا على صاحبكم ) فلما فتح الفتوح قام فقال : ( أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين وترك دينا علي قضاؤه ومن ترك مالا فللورثة ) ] قال الترمذي : هذا حديث صحيح ولولا النسخ كان كمسألتنا وهذه الأحاديث خاصة فيجب تقديمها على قوله : [ صلوا على من قال : لا إله إلا الله ] على أنه لا تعارض بين الخبرين فإن النبي A ترك الصلاة على هذين وأمر بالصلاة عليهما فلم يكن أمره بالصلاة عليهما منافيا لتركه الصلاة عليهما كذلك أمره بالصلاة على من قال : لا إله إلا الله .
فصل : قال أحمد : لا أشهد الجهمية ولا الرافضة ويشهده من شاء قد ترك النبي A الصلاة على أقل من هذا : الدين والغلول وقاتل نفسه وقال : لا يصلى على الرافضي وقال أبو بكر بن عياش : لا اصلي على رافضي ولا حروري وقال الفريابي : من شتم أبا بكر فهو كافر لا أصلي عليه قيل له : فكيف تصنع به وهو يقول لا إله إلا الله ؟ قال : لا تمسوه بأيديكم ارفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته وقال أحمد : أهل البدع لا يعادون إن مرضوا ولا تشهد جنائزهم إن ماتوا وهذا قول مالك قال ابن عبد البر : وسائر العلماء يصلون على أهل البدع والخوارج وغيرهم لعموم قوله عليه السلام : [ صلوا على من قال : لا إله إلا الله ] .
ولنا أن النبي A ترك الصلاة بأدون من هذا فأولى أن نترك الصلاة به وروى ابن عمر أن النبي A قال : [ إن لكل أمة مجوسا وإن مجوس أمتي الذين يقولون لا قدر فإن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم ] رواه الإمام أحمد .
فصل : ولا يصلى على أطفال المشركين لأن لهم حكم آبائهم إلا من حكمنا بإسلامه مثل أن يسلم أحد أبويه أو يموت أو يسبى منفردا من أبويه أو من أحدهما فإنه يصلى عليه قال أبو ثور : من سبي من أحد أبويه لا يصلى عليه حتى يختار الإسلام .
ولنا أنه محكوم له بالإسلام أشبه ما لو سبي منفردا منهما .
فصل : ويصلى على سائر المسلمين من أهل الكبائر والمرجوم في الزنا وغيرهم قال أحمد : من استقبل قبلتنا وصلى بصلاتنا نصلي عليه وندفنه ويصلى على ولد الزنا والزانية والذي يقاد منه بالقصاص أو يقتل في حد وسئل عمن لا يعطي زكاة ماله فقال : يصلى عليه ما يعلم [ أن رسول الله A ترك الصلاة على أحد إلا على قاتل نفسه والغال ] وهذا قول عطاء و النخعي و الشافعي وأصحاب الرأي إلا أن أبا حنيفة قال : لا يصلى على البغاة ولا المحاربين لأنهم باينوا أهل الإسلام أشبهوا أهل دار الحرب وقال مالك : لا يصلى على من قتل في حد لأن أبا برزة الأسلمي قال : [ لم يصل رسول الله A على ماعز بن مالك ولم ينه عن الصلاة عليه ] رواه أبو داود .
ولنا قول النبي A : [ صلوا على من قال : لا إله إلا الله ] رواه الخلال بإسناده وروى الخلال بإسناده عن أبي شميلة [ أن النبي A خرج إلى قباء فاستقبله رهط من الأنصار يحملون جنازة على باب فقال النبي A : ( ما هذا ؟ ) قالوا : مملوك لآل فلان قال : ( أكان يشهد أن لا إله إلا الله ؟ ) قالوا : نعم ولكنه كان وكان فقال : ( أكان يصلي ؟ ) قالوا : قد كان يصلي ويدع فقال لهم : ( ارجعوا به فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه وادفنوه والذي نفسي بيده لقد كادت الملائكة تحول بيني وبينه ) ] .
وأما أهل الحرب فلا يصلى عليهم لأنهم كفار ولا يقبل فيهم شفاعة ولا يستجاب فيهم دعاء وقد نهينا عن الاستغفار لهم وقال الله تعالى لنبيه : { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره } وقال : { إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } وأما ترك الصلاة على ماعز فيحتمل أن النبي A أمر من يصلي عليه لعذر بدليل [ أنه رجم الغامدية وصلى عليها فقال له عمر ترجمها وتصلي عليها ؟ فقال : ( لقد تابت توبة لو قسمت على أهل المدينة لوسعتهم ) ] كذلك رواه الأوزاعي وروى معمر وهشام عن أبان أنه أمرهم بالصلاة عليها قال ابن عبد البر : وهو الصحيح