فصلان : الصلاة على الجنازة في أوقات النهي والدفن ليلا .
فصل : قال أحمد : تكره الصلاة يعني على الميت في ثلاثة أوقات عند طلوع الشمس ونصف النهار وعند غروب الشمس وذكر حديث [ عقبة بن عامر : ثلاث ساعات كان رسول الله A ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى يميل وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب ] رواه مسلم ومعنى تتضيف أي تجنح وتميل للغروب من قولك تضيفت فلانا إذا ملت إليه قال ابن المبارك : معنى أن نقبر فيهن موتانا يعني الصلاة على الجنازة قيل لـ أحمد : الشمس على الحيطان مصفرة قال : يصلى عليها ما لم تدل للغروب فلا وتجوز الصلاة على الميت في غير هذه الأوقات روي ذلك عن ابن عمر و عطاء و النخعي و الأوزاعي و إسحاق وأصحاب الرأي وحكي عن أحمد أن ذلك جائز وهو قول الشافعي قياسا على ما بعد الفجر والعصر والأول أصح لحديث عقبة بن عامر ولا يصح القياس على الوقتين الأخيرين لأن مدتهما تطول فيخاف على الميت فيهما ويشق انتظار خروجهما بخلاف هذه وكره أحمد أيضا دفن الميت في هذه الأوقات لحديث عقبة فأما الصلاة على القبر والغائب فلا يجوز في شيء من أوقات النهي لأن علة تجويزها على الميت معللة بالخوف عليه وقد أمن ذلك هاهنا فيبقى على اصل المنع والعمل بعموم النهي .
فصل : فأما الدفن ليلا فقال أحمد : وما بأس بذلك وقال : أبو بكر دفن ليلا وعلي دفن فاطمة ليلا وحديث عائشة : كنا سمعنا صوت المساحي من آخر الليل في دفن النبي A وممن دفن ليلا عثمان وعائشة وابن مسعود ورخص فيه عقبة بن عامر و سعيد بن المسيب و عطاء و الثوري و الشافعي و إسحاق وكرهه الحسن لما روى مسلم في صحيحه [ أن النبي A خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض وكفن في كفن غير طائل ودفن ليلا فزجر النبي A أن يقبر الرجل بالليل إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك ] وقد روي عن أحمد أنه قال : إليه أذهب .
ولنا ما روى [ ابن مسعود قال : والله لكأني أسمع رسول الله A في غزوة تبوك وهو في قبر ذي النجادين وأبو بكر وعمر وهو يقول : ( أدنيا مني أخاكما حتى أسنده في لحده ) ثم قال لما فرغ من دفنه وقام على قبره مستقبل القبلة : ( اللهم إني أمسيت عنه راضيا فأرض عنه ) وكان ذلك ليلا قال : فوالله لقد رأيتني ولوددت أني مكانه ولقد أسلمت قبله بخمس عشرة سنة وأخذه من قبل القبلة ] رواه الخلال في جامعه وروى ابن عباس [ أن النبي A دخل قبرا ليلا فاسرج له سراج فأخذ من قبل القبلة وقال : ( رحمك الله إن كنت لأواها تلاء للقرآن ) ] قال الترمذي : هذا حديث حسن .
وروي [ أن النبي A سأل عن رجل فقال : ( من هذا ) قالوا : فلان دفن البارحة فصلى عليه ] أخرجه البخاري فلم ينكر عليهم ولأنه أحد الآيتين فجاز الدفن فيه كالنهار وحديث الزجر محمول على الكراهة والتأديب فإن الدفن نهارا أولى لأنه أسهل على متبعها وأكثر للمصلين عليها وأمكن لاتباع السنة في دفنه وإلحاده