مسألتان : الشهيد يدفن بثيابه وإن حمل وبه رمق غسل وصلي عليه .
مسألة : قال : ودفن في ثيابه وإن كان عليه شيء من الجلود والسلاح نحي عنه .
أما دفنه بثيابه فلا نعلم فيه خلافا وهو ثابت بقول النبي A : [ ادفنوهم بثيابهم ] وروى أبو داود و ابن ماجة عن ابن عباس [ أن رسول الله A أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم ] وليس هذا بحتم لكنه الأولى وللولي أن ينزع عنه ثيابه ويكفنه بغيرها وقال أبو حنيفة : لا ينزع عنه شيء لظاهر الخبر .
ولنا ما روي [ أن صفية أرسلت إلى النبي A ثوبين ليكفن فيهما حمزة فكفنه في أحدهما وكفن في الآخر رجلا آخر ] رواه يعقوب بن شيبة وقال : هو صالح الإسناد فدل على أن الخيار إلى الولي والحديث الآخر يحمل على الإباحة والاستحباب إذا ثبت هذا فإنه ينزع عنه من لباسه ما لم يكن من عامة لباس الناس من الجلود والفراء والحديد قال أحمد : لا يترك عليه فرو ولا خف ولا جلد وبهذا قال الشافعي و أبو حنيفة وقال مالك : لا ينزع عنه فرو ولا خف ولا محشو لقول النبي A : [ ادفنوهم بثيابهم ] وهذا عام في الكل وما رويناه أخص فكان أولى .
مسألة : قال : وإن حمل وبه رمق غسل وصلي عليه .
معنى قوله : رمق أي حياة مستقرة فهذا يغسل ويصلى عليه وإن كان شهيدا لـ [ أن النبي A غسل سعد بن معاذ وصلى عليه وكان شهيدا رماه ابن العرفة يوم الخندق بسهم فقطع أكحله فحمل إلى المسجد فلبث فيه أياما حتى حكم في بني قريظة ثم انفتح جرحه فمات ] وظاهر كلام الخرقي أنه متى طالت حياته بعد حمله غسل وصلي عليه وإن مات في المعترك أو عقب حمله لم يغسل ولم يصل عليه ونحو هذا قول مالك قال : إن أكل أو شرب أو بقي يومين أو ثلاثة غسل وقال أحمد في موضع : إن تكلم أو أكل أو شرب صلي عليه وقول أصحاب أبي حنيفة نحو من هذا وعن أحمد أنه سئل عن المجروح إذا بقي في المعترك يوما إلى الليل ثم مات فرأى أن يصلى عليه وقال أصحاب الشافعي : إن مات حال الحرب لم يغسل ولم يصل عليه وإلا فلا والصحيح التحديد بطول الفصل أو الأكل لأن الأكل لا يكون إلا من ذي حياة مستقرة وطول الفصل يدل على ذلك وقد ثبت اعتباره في كثير من المواضع وأما الكلام والشرب وحالة الحرب فلا يصح التحديد بشيء منها لأنه يروى [ أن النبي A قال يوم أحد : ( من ينظر ما فعل سعد بن الربيع ؟ ) فقال رجل أنا أنظر لك يا رسول الله فنظر فوجده جريحا به رمق فقال له : إن رسول الله A أمرين أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات قال : فأنا في الأموات فأبلغ رسول الله A عني السلام وذكر الحديث قال : ثم لم أبرح أن مات ] وروي أن أصيرم بن عبد الأشهل وجد صريعا يوم أحد فقيل له : ما جاء بك ؟ قال : أسلمت ثم جئت وهما من شهداء أحد دخلا في عموم قول النبي A : [ ادفنوهم بدمائهم وثيابهم ] ولم يغسلهم ولم يصل عليهم وقد تكلما وماتا بعد انقضاء الحرب وفي قصة أهل اليمامة عن ابن عمر أنه طاف في القتلى فوجد أبا عقيل الأنفي قال : فسقيته ماء وبه أربعة عشر جرحا كلها قد خلص إلى مقتل فخرج الماء من جراحاته كلها فلم يغسل وفي فتوح الشام أن رجلا قال : أخذت ماء لعلي اسقي ابن عمي إن وجدت به حياة فوجدت الحارث بن هشام فأردت أن أسقيه فإذا رجل ينظر إليه فأومأ أن اسقيه فذهبت إليه لأسقيه فإذا آخر ينظر إليه فأومأ لي أن اسقيه فلم أصل أليه حتى ماتوا كلهم ولم يفرد أحد منهم بغسل ولا صلاة وقد ماتوا بعد انقضاء الحرب