مسألة وفصول : صفة خطبة الاستسقاء .
مسألة : قال : ويستقبل القبلة ويحول رداءه فيجعل اليمين يسارا واليسار يمينا ويفعل الناس كذلك .
وجملته أنه يستحب للخطيب استقبال القبلة في أثناء الخطبة لما روى عبد الله بن زيد [ أن النبي A خرج يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو ] رواه البخاري وفي لفظ [ فحول إلى الناس ظهره واستقبل القبلة يدعوا ] .
ويستحب أن يدعوا سرا حال استقباله فيقول : اللهم أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك فقد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا اللهم فامنن علينا بمغفرة ذنوبنا وإجابتنا في سقيانا وسعة أرزاقنا ثم دعوا بما شاء من أمر دين ودنيا وإنما يستحب الإسرار ليكون أقرب من الإخلاص وأبلغ في الخشوع والخضوع والتضرع وأسرع في الإجابة قال الله تعالى : { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } واستحب الجهر ببعضه ليسمع الناس فيؤمنون على دعائه .
ويستحب أن يحول رداءه في حال استقبال القبلة لأن في حديث عبد الله بن زيد [ أن النبي A خرج يستسقي فحول إلى الناس ظهره واستقبل القبلة ثم حول رداءه ] متفق عليه وهذا لفظ رواه البخاري وفي لفظ مسلم [ فحول رداءه حين استقبل القبلة ] وفي لفظ [ وقلب رداءه ] متفق عليه .
ويستحب تحويل الرداء للإمام والمأموم في قول أكثر أهل العلم وقال أبو حنيفة : لا يسن لأنه دعاء فلا يستحب تحويل الرداء فيه كسائر الأدعية وسنة رسول الله A أحق أن تتبع وحكي عن سعيد بن المسيب و عروة و الثوري أن تحويل الرداء مختص بالإمام دون المأموم وهو قول الليث و أبي يوسف و محمد بن الحسن لأنه نقل عن النبي A دون أصحابه .
ولنا أن ما فعله النبي A ثبت في حق غيره ما لم يقم على اختصاصه به دليل كيف وقد عقل المعنى في ذلك وهو التفاؤل بقلب الرداء ليقلب الله ما بهم من الجدب إلى الخصب وقد جاء ذلك في بعض الحديث وصفة تقليب الرداء أن يجعل ما على اليمين على اليسار وما على اليسار على اليمين روي ذلك عن أبان بن عثمان و عمر بن عبد العزيز و هشام بن إسماعيل و أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم و مالك وكان الشافعي يقول له ثم رجع فقال : يجعل أعلاه أسفله لـ [ أن النبي A استسقى وعليه خميصة سوداء فأراد أن يجعل أسفلها أعلاها فلما ثقلت عليه جعل العطاف الذي على الأيسر على عاتقه الأيمن والذي على الأيمن على عاتقه الأيسر ] رواه أبو داود ودليلنا ما روى أبو داود عن عبد الله بن زيد [ أن النبي A حول رداءه وجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن ] وفي حديث أبي هريرة نحو ذلك والزيادة التي نقلوها إن ثبتت فهي ظن الراوي لا يترك لها فعل النبي A وقد نقل تحويل الرداء جماعة لم ينقل أحد منهم أنه جعل أعلاه أسفله ويبعد أن يكون النبي A ترك ذلك في جميع الأوقات لثقل الرداء .
فصل : ويستحب رفع الأيدي في دعاء الاستسقاء لما روى البخاري عن أنس قال : [ كان رسول الله A لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا الاستسقاء وأنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه ] وفي حديث أيضا لأنس [ فرفع النبي A ورفع الناس أيديهم ] .
مسألة : قال : ويدعو ويدعون ويكثرون في دعائهم الاستغفار .
وجملته أن الإمام إذا صعد المنبر جلس وإن لم يجلس لأن الجلوس لم ينقل ولا هاهنا أذان ليجلس في وقته ثم يخطب خطبة واحدة يفتتحها بالتكبير وبهذا قال عبد الرحمن بن مهدي وقال مالك و الشافعي : يخطب خطبتين كخطبتي العيدين لقول ابن عباس [ صنع النبي A كما صنع في العيد ] ولأنها أشبهتها في التكبير وفي صفة الصلاة فتشبهها في الخطبتين .
ولنا قول ابن عباس لم يخطب كخطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير وهذا يدل على أنه ما فصل بين ذلك بسكوت ولا جلوس ولأن كل من نقل الخطبة لم ينقل خطبتين ولأن المقصود إنما هو دعاء لله تعالى ليغيثهم ولا أثر لكونها خطبتين في ذلك والصحيح من حديث ابن عباس أنه قال : صلى ركعتين كما كان يصلي في العيد ولو كان النقل كما ذكروه فهو محمول على الصلاة بدليل أول الحديث .
ويستحب أن يستفتح الخطبة بالتكبير كخطبة العيد ويكثر من الاستغفار والصلاة على النبي A ويقرأ كثيرا { استغفروا ربكم إنه كان غفارا } وسائر الآيات التي فيها الأمر به فإن الله تعالى وعدهم بإرسال الغيث إذا استغفروه .
وروي عن عمر Bه أنه خرج يستسقي فلم يزد على الاستغفار وقال : لقد استسقيت بمجاديح السماء وعن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى ميمون بن مهران يقول : قد كتبت إلى البلدان أن يخرجوا إلى الاستسقاء إلى موضع كذا وكذا وأمرتهم بالصدقة والصلاة قال الله تعالى : { قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى } وأمرتم أن يقولوا كما قال أبوهم آدم { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } ويقولوا كما قال نوح { وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين } ويقولوا كما قال يونس { فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } ويقولوا كما قال موسى { رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم } ولأن المعاصي سبب انقطاع الغيث والاستغفار والتوبة تمحو المعاصي المانعة من الغيث فيأتي الله به ويصلي على النبي A ويدعوا بدعائه فروى جابر أن النبي A قال : [ اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل ] رواه أبو داود قال الخطابي : مريعا كان معناه منبتا للربيع وعن عائشة قالت : [ شكا الناس إلى رسول الله A قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه فخرج رسول الله A حين بدأ حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله ثم قال : ( إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن أبان زمانه عنكم وقد أمركم الله أن تدعواه ووعدكم أن يستجيب لكم ثم قال : { الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين } لا إله إلا هو يفعل ما يريد اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين ) ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه ثم أقبل على الناس فنزل فصلى ركعتين ] وقال عبد الله بن عمرو : [ كان رسول الله A إذا استسقى قال : ( اللهم أسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت ) ] رواهما أبو داود .
وروى ابن قتيبة بإسناده في غريب الحديث عن أنس [ أن النبي A خرج للاستسقاء فصلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة وكان يقرأ في العيدين والاستسقاء في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب و { سبح اسم ربك الأعلى } وفي الركعة الثانية فاتحة الكتاب و { هل أتاك حديث الغاشية } فلما قضى صلاته استقبل القوم بوجهه وقلب رداءه ورفع يديه وكبر تكبيرة قبل أن يستسقي ثم قال : ( اللهم اسقنا وأغثنا اللهم اسقنا غيثا مغيثا وحيا ربيعا وجدا طبقا غدقا مغدقا مونقا هنيئا مريئا مريعا مربعا مرتعا سائلا مسيلا مجللا ديما درورا نافعا غير ضار عاجلا غير رائث اللهم تحيي به البلاد وتغيث به العباد وتجعله بلاغا للحاضر منا والباد اللهم أنزل في أرضنا زينتها وأنزل علينا في أرضنا سكنها اللهم أنزل علينا من السماء ماءا طهورا فأحيي به بلدة ميتا وأسقه مما خلقت أنعاما وأناسي كثيرا ) ] قال ابن قتيبة : المغيث المحيي بإذن الله تعالى والحيا الذي تحيا به الأرض والمال والجدا : المطر العام ونه أخذ جدا العطية والجدوى مقصور والطبق الذي يطبق الأرض والغدق والمغدق الكثير القطر والمونق المعجب والمريع ذو المراعة والخصب والمربع من قولك ربعت مكان كذا إذا أقمت به وأربع على نفسك أرفق والمرتع من رتعت الإبل إذا أرعت والسابل من السبل وهو المطر يقال سبل سابل كما يقال مطر ماطر والرائث البطيء والسكن القوة لأن الأرض تسكن به .
وروي عن عبد الله بن عمر [ أن النبي A كان إذا استسقى قال : ( اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريعا غدقا مجللا طبقا سحا دائما اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والضنك والجهد ما لا نشكوه إلا إليك اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وأنزل علينا من بركاتك اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا ]