مسألة وفصلان : التطهر للخطبة مضمون الخطبة - اشتراط خطبتين والجلوس بينهما .
مسألة : قال : فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي A وجلس وقام فأتى أيضا بالحمد لله والثناء عليه والصلاة على النبي A وقرأ ووعظ وإن أراد أن يدعو لإنسان دعا .
وجملته أنه يشترط للجمعة خطبتان وهذا مذهب الشافعي وقال مالك و الأوزاعي و إسحق و أبو ثور و ابن المنذر وأصحاب الرأي : يجزيه خطبة واحدة وقد روي عن أحمد ما يدل عليه فإنه قال : لا تكون الخطبة إلا كما خطب النبي A أو خطبة تامة ووجه الأول أن النبي A [ كان يخطب خطبتين ] كما روينا في حديث ابن عمر وجابر بن سمرة وقد قال : [ صلوا كما رأيتموني أصلي ] ولأن الخطبتين أقيمتا مقام الركعتين فكل خطبة مكان ركعة فالإخلال بإحداهما كالإخلال بإحدى الركعتين ويشترط لكل واحدة منهما حمدا لله تعالى والصلاة على رسوله A لأن النبي A قال : [ كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر ] وإذا وجب ذكر الله تعالى وجب ذكر النبي A لما روي في تفسير قوله تعالى : { ألم نشرح لك صدرك * ووضعنا عنك وزرك * الذي أنقض ظهرك * ورفعنا لك ذكرك } قال : لا أذكر إلا ذكرت معي ولأنه موضع وجب فيه ذكر الله تعالى والثناء عليه فوجب فيه الصلاة على النبي A كالأذان والتشهد ويحتمل أن لا تجب الصلاة على النبي A لأن النبي A لم يذكر في خطبه ذلك فأما القراءة فقال القاضي : يحتمل أن يشترط لكل واحدة من الخطبتين وهو ظاهر كلام الخرقي لأن الخطبتين أقيمتا مقام ركعتين فكانت القراءة شرطا فيهما كالركعتين ويحتمل أن تشترط في إحداهما لما روى الشعبي قال : [ كان رسول الله A إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس فقال : السلام عليكم ويحمد الله ويثني عليه ويقرأ سورة ثم يجلس ثم يقوم فيخطب ثم ينزل ] وكان أبو بكر وعمر يفعلانه رواه الأثرم فظاهر هذا أنه إنما قرأ في الخطبة الأولى ووعظ في الخطبة الثانية وظاهر كلام الخرقي أن الموعظة إنما تكون في الخطبة الثانية لهذا الخبر وقال القاضي : تجب في الخطبتين لأنها بيان المقصود من الخطبة فلم يجز الإخلال بها وقال أبو حنيفة : لو أتى بتسبيحة واحدة أجزأ لأن الله تعالى قال : { فاسعوا إلى ذكر الله } ولم يعين ذكرا فأجزأ ما يقع عليه اسم الذكر ويقع اسم الخطبة على دون ما ذكرتموه بدليل [ أن رجلا جاء إلى النبي A وقال : علمني عملا أدخل به الجنة فقال : لأن أقصرت في الخطبة لقد أعرضت في المسألة ] وعن مالك روايتان كالمذهبين .
ولنا أن النبي A فسر الذكر بفعله فيجب الرجوع إلى تفسيره قال جابر بن سمرة : [ كانت صلاة رسول الله A قصدا وخطبته قصدا يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس ] وقال جابر : [ كان رسول الله A يخطب الناس يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول : من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ] وقال ابن عمر : [ كان رسول الله A يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم ] كما يفعلون اليوم فأما التسبيح والتهليل فلا يسمى خطبة والمراد بالذكر الخطبة وما رووه مجاز فإن السؤال لا يسمى خطبة ولذلك لو ألقى مسألة على الحاضرين لم يكف ذلك اتفاقا قال أصحابنا : ولا يكفي في القراءة أقل من آية لأن النبي A لم يقتصر على أقل من ذلك ولأن الحكم لا يتعلق بما دونها بدليل منع الجنب من قراءتها دون ما هو أقل من ذلك ذلك وظاهر كلام أحمد أنه لا يشترط ذلك أنه قال القراءة في الخطبة على المنبر ليس فيها شيء مؤقت ما شاء قرأ وقال : إن خطب بهم وهو جنب ثم اغتسل وصلى بهم فإنه يجزيه والجنب ممنوع من قراءة آية و الخرقي قال : قرأ شيئا من القرآن ولم يعين المقروء ويحمل أن لا يجب شيء سوى حمد الله والموعظة لأن ذلك يسمى خطبة ويحصل به المقصود فأجزأ وما عداه ليس على اشتراطه دليل ولا يجب أن يخطب على صفة خطبة النبي A بالاتفاق لأنه قد روي أنه كان يقرأ آيات ولا يجب قراءة آيات ولكن يستحب أن يقرأ آيات كذلك وما روت [ أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت : ما أخذت { ق * والقرآن المجيد } إلا من رسول الله A يخطب بها في كل جمعة ] وعن أخت لعمرة كانت أكبر منها مثل هذا رواه مسلم وفي حديث الشعبي أن النبي A كان يقرأ سورة .
فصل : يستحب أن يجلس بين الخطبتين جلسة خفيفة لأن النبي A كان يفعل ذلك كما روينا في حديث ابن عمر وجابر بن سمرة وليست واجبة في قول أكثر أهل العلم وقال الشافعي : هي واجبة لأن النبي A كان يجلسها .
ولنا أنها جلسة ليس فيها ذكر مشروع فلم تكن واجبة كالأولى وقد سرد الخطبة جماعة منهم المغيرة بن شعبة وأبي بن كعب قاله أحمد وروي عن أبي إسحق قال : رأيت عليا يخطب على المنبر فلم يجلس حتى فرغ وجلوس النبي A كان للاستراحة فلم تكن واجبة كالأولى ولكن يستحب فإن خطب جالسا لعذر فصل بين الخطبتين بسكتة وكذلك إن خطب قائما فلم يجلس قال ابن عبد البر : ذهب مالك والعراقيون وسائر قفهاء الأمصار إلا الشافعي أن الجلوس بين الخطبتين لا شيء على من تركه .
فصل : والسنة أن يخطب متطهرا قال أبو الخطاب : وعنه أن ذلك من شرائطها ولـ الشافعي قولان كالروايتين وقد قال أحمد في من خطب وهو جنب ثم اغتسل وصلى بهم يجزيه وهذا إنما يكون إذا خطب في غير المسجد أو خطب في المسجد غير عالم بحال نفسه ثم علم بعد ذلك والأشبه بأصول المذهب اشتراط الطهارة من الجنابة فإن أصحابنا قالوا : يشترط قراءة آية فصاعدا وليس ذلك للجنب ولأن الخرقي اشترط للأأذان الطهارة فيه شرطا كالأذان لكن يستحب أن يكون متطهرا من الحدث والنجس ل [ أن النبي A كان يصلي عقيب الخطبة لا يفصل بينهما بطهارة ] فيدل على أنه كان متطهرا والاقتداء به إن لم يكن واجبا فهو سنة ولأننا استحببنا ذلك للأذان فالخطبة أولى ولأنه لو لم يكن متطهرا احتاج إلى الطهارة بين الصلاة والخطبة فيفصل بينهما وربما طول على الحاضرين