فصلان : آداب الخطيب واستخلاف الخطيب غيره ليؤم في الصلاة .
فصل : والسنة أن يتولى الصلاة من يتولى الخطبة لأن النبي A كان يتولاهما بنفسه وكذلك خلفاؤه من بعده وإن خطب رجل وصلى آخر لعذر جاز نص عليه أحمد ولو خطب أمير فعزل وولي غيره فصلى بهم فصلاتهم تامة نص عليه لأنه إذا جاز الاستخلاف في الصلاة الواحدة للعذر ففي الخطبة مع الصلاة أولى وإن لم يكن عذر فقال أحمد C : لا يعجبني من غير عذر فيحتمل المنع لأن النبي A كان يتولاهما وقد قال : [ صلوا كما رأيتموني أصلي ] ولأن الخطبة أقيمت مقام ركعتين ويحتمل الجواز لأن الخطبة منفصلة عن الصلاة فأشبهتها صلاتين وهل يشترط أن يكون المصلي ممن حضر الخطبة فيه روايتان إحداهما يشترط ذلك وهو قول الثوري وأصحاب الرأي و أبي ثور لأنه إمام في الجمعة فاشترط حضوره الخطبة كما لو لم يستخلف والثانية لا يشترط وهو قول الأوزاعي و الشافعي لأنه ممن تنعقد به الجمعة فجاز أن يؤم فيها كما لو حضر الخطبة وقد روي عن أحمد C لا يجوز الاستخلاف لعذر ولا غيره قال في رواية حنبل في الإمام إذا أحدث بعد ما خطب فقدم رجلا يصلي بهم لم يصل بهم إلا أربعا إلا أن يعيد الخطبة ثم يصلي بهم ركعتين وذلك لأن هذا لم ينقل عن النبي A ولا عن أحد من خلفائه والأول المذهب .
فصل : ومن سنن الخطبة أن يقصد الخطيب تلقاء وجهه لأن النبي A كان يفعل ذلك ولأنه أبلغ في سماع الناس وأعدل بينهم فإنه لو التفت إلى أحد جانبيه لأعرض عن الجانب الآخر ولو خالف هذا واستدبر الناس واستقبل القبلة صحت الخطبة لحصول المقصود بدونه فأشبه ما لو أذن غير مستقبل القبلة ويستحب أن يرفع صوته ليسمع الناس قال جابر : [ كان رسول الله A إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ويقول : ( أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدى هدى محمد A وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ) ] ويستحب تقصير الخطبة لما روى عمار قال : إني سمعت رسول الله A يقول : [ إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة ] و [ قال جابر بن سمرة : كنت أصلي مع النبي A وكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا ] روى هذه الأحاديث كلها مسلم وعن جابر بن سمرة قال : [ كان رسول الله A لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هي كلمات يسيرات ] رواه أبو داود ويستحب أن يعتمد على قوس أو سيف أو عصا لما [ روى الحكم بن حزم الحلفي قال : وفدت إلى رسول الله A فأقمنا أياما شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله A فقام متوكئا على عصا أو قوس فحمد الله وأثنى عليه كلمات طيبات خفيفات مباركات ] رواه أبو داود ولأن ذلك أعون له فإن لم يفعل فيستحب أن يسكن أطرافه أما أن يضع يمينه على شماله أو يرسلها ساكنتين مع جنبيه ويستحب أن يبدأ بالحمد قبل الموعظة لأن النبي A كان يفعل ذلك ولأن [ كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر ] يثني بالصلاة على النبي A ثم يعظ فإن عكس ذلك صح لحصول المقصود منه ويستحب أن يكون في خطبته مترسلا مبينا معربا لا يعجل فيها ولا يمططها وأن يكون متخشعا متعظا لما يعظ الناس به لأنه قد روي عن النبي A أنه قال : [ عرض علي قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقيل لي هؤلاء خطباء من أمتك يقولون ما لا يفعلون ]