فصول : الجمع لأجل المطر والريح والوحل .
فصل : ويجوز الجمع لأجل المطر بين المغرب والعشاء ويروى ذلك عن ابن عمر وفعله أبان بن عثمان في أهل المدينة وهو قول الفقهاء السبعة مالك و الأوزاعي و الشافعي و إسحق وروي عن مروان و عمر بن عبد العزيز ولم يجوزه أصحاب الرأي .
ولنا أن أبا سلمة بن عبد الرحمن قال : إن من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء رواه الأثرم وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله A وقال نافع : إن عبد الله بن عمر كان يجمع إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء وقال هشام بن عروة : رأيت أبان بن عثمان يجمع بين الصلاتين في الليلة المطيرة المغرب والعشاء فيصليهما معه عروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو بكر بن عبد الرحمن لا ينكرونه ولا يعرف لهم في عصرهم مخالف فكان إجماعا رواه الأثرم .
فصل : فأما الجمع بين الظهر والعصر فغير جائز قال الأثرم : قيل لـ أبي عبد الله الجمع بين الظهر والعصر في المطر قال : لا ما سمعت وهذا اختيار أبي بكر و ابن حامد وقول مالك وقال أبو الحسن التميمي : فيه قولان أحدهما أنه لا بأس به وهو قول أبي الخطاب ومذهب الشافعي لما روى يحيى بن واضح عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر [ أن النبي A جمع في المدينة بين الظهر والعصر في المطر ] ولأنه معنى أباح الجمع فأباحه بين الظهر والعصر كالسفر .
ولنا أن مستند الجمع ما ذكرناه من قول أبي سلمة والإجماع ولم يرد إلا في المغرب والعشاء وحديثهم غير صحيح فإنه غير مذكور في الصحاح والسنن وقول أحمد ما سمعت يدل على أنه ليس بشيء ولا يصح القياس على المغرب والعشاء لما فيهما من المشقة لأجل الظلمة والمضرة ولا القياس على السفر لأن مشقته لأجل السير وفوات الرفقة وهو غير موجود ها هنا .
فصل : والمطر المبيح للجمع هو ما يبل الثياب وتلحق المشقة بالخروج فيه وأما الطل والمطر الخفيف الذي لا يبل الثياب فلا يبيح والثلج كالمطر في ذلك لأنه في معناه وكذلك البرد .
فصل : فأما الوحل بمجرده فقال القاضي : قال أصحابنا هو عذر لأن المشقة تلحق بذلك في النعال والثياب كما تلحق بالمطر وهو قول مالك وذكر أبو الخطاب فيه وجها ثانيا : أنه لا يبيح وهو مذهب الشافعي و أبي ثور لأن مشقته دون مشقة المطر فإن المطر يبل النعال والثياب والوحل لا يبلها فلم يصح قياسه عليه والأول أصح لأن الوحل يلوث الثياب والنعال ويتعرض الإنسان للزلق فيتأذى نفسه وثيابه وذلك أعظم من البلل وقد ساوى المطر في العذر في ترك الجمعة والجماعة فدل على تساويهما في المشقة المرعية في الحكم .
فصل : فأما الريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة ففيها وجهان أحدهما يبيح الجمع قال الآمدي وهو أصح وهو قول عمر بن عبد العزيز لأن ذلك عذر في الجمعة والجماعة بدليل ما روى محمد بن الصباح حدثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : [ كان رسول الله A ينادي مناديه في الليلة المطيرة أو الليلة الباردة ذات الريح صلوا في رحالكم ] رواه ابن ماجة عن محمد بن الصباح والثاني لا يبيحه لأن المشقة فيه دون المشقة في المطر فلا يصح قياسه عليه ولأن مشقتها من غير جنس مشقة المطر ولا ضابط لذلك يجتمعان فيه فلم يصح إلحاقه به .
فصل : هل يجوز الجمع لمنفرد أو من كان طريقه إلى المسجد في ظلال يمنع وصول المطر إليه أو من كان مقامه في المسجد على وجهين أحدهما الجواز لأن العذر إذا وجد استوى فيه حال وجود المشقة وعدمها كالسفر ولأن الحاجة العامة إذا وجدت أثبتت الحكم في حق من ليست له حاجة كالسلم وإباحة اقتناء الكلب للصيد والماشية في حق من لا يحتاج إليهما ولأنه قد روي [ أن النبي A جمع في المطر وليس بين حجرته والمسجد شيء ] والثاني المنع لأن الجمع لأجل المشقة فيختص بمن تلحقه المشقة دون من لا تحلقه كالرخصة في التخلف عن الجمعة والجماعة يختص بمن تلحقه المشقة دون من لا تحلقه كمن في الجامع والقريب منه