مسألة : حكم الصلاة خلف المبتدع .
مسألة : قال : ومن صلى خلف من يعلن ببدعة أو يسكر أعاد .
الإعلان الإظهار وهو ضد الإسرار وظاهر هذا أن من ائتم بمن يظهر بدعته ويتكلم بها ويدعوا إليها أو يناظر عليها فعليه الإعادة ومن لم يظهر بدعته فلا إعادة على المؤتم به وإن كان معتقدا لها قال الأثرم قلت لـ أبي عبد الله : الرافضة الذين يتكلمون بما تعرف ؟ فقال : نعم آمره أن يعيد قيل لـ أبي عبد الله وهكذا أهل البدع كلهم قال لا إن منهم من يسكت ومنهم من يقف ولا يتكلم وقال لا تصل خلف أحد من أهل الأهواء إذا كان داعية إلى هواه وقال : لا تصل خلف المرجئ إذا كان داعية وتخصيصه الداعية ومن يتكلم بالإعادة دون من يقف ولا يتكلم يدل على ما قلناه وقال القاضي : المعلن بالبدعة من يعتقدها بدليل وغير المعلن من يعتقدها تقليدا .
ولنا أن حقيقة الإعلان هو الإظهار وهو ضد الإخفاء والإسرار قال الله تعالى : { ويعلم ما تسرون وما تعلنون } وقال تعالى مخبرا عن إبراهيم : { ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن } ولأن المظهر لبدعته لا عذر للمصلي خلفه لظهور حاله والمخفي لها من يصلي خلفه معذور وهذا له أثر في صحة الصلاة ولهذا لم تجب الإعادة خلف المحدث والنجس إذا لم يعلم حالهما لخفاء ذلك منهما ووجبت على المصلي خلف الكافر والأمي لظهور حالهما غالبا وقد روي عن أحمد أنه لا يصلى خلف مبتدع بحال قال في رواية أبي الحارث لا يصلي خلف مرجئ ولا رافضي ولا فاسق إلا أن يخافهم فيصلي ثم يعيد وقال أبو داود قال أحمد : متى ما صليت خلف من يقول القرآن مخلوق فأعد قلت وتعرفه قال : نعم وعن مالك أنه لا يصلى خلف أهل البدع فحصل من هذا أن من صلى خلف مبتدع معلن ببدعته فعليه الإعادة ومن لم يعلنها ففي الإعادة خلفه روايتان وأباح الحسن و أبو جعفر و الشافعي الصلاة خلف أهل البدع لقول رسول الله A : [ صلوا خلف من قال لا إله إلا الله ] رواه الدرقطني ولأنه رجل صلاته صحيحة فصح الائتمام به كغيره وقال نافع كان ابن عمر يصلي مع الخشبية والخوارج زمن ابن الزبير وهم يقتتلون فقيل له أتصلي مع هؤلاء ومع هؤلاء وبعضهم يقتل بعضا ؟ فقال : من قال حي على الصلاة أجبته ومن قال حي على الفلاح أجبته ومن قال حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله قلت لا رواه سعيد وقال ابن المنذر وبعض الشافعية من نكفره ببدعته كالذي يكذب الله أو رسوله ببدعته لا يصلى خلفه ومن لا نكفره تصح الصلاة خلفه .
ولنا ما روى جابر قال : سمعت رسول الله A على منبره يقول : [ لا تؤمن امرأة رجلا ولا فاجر مؤمنا إلا أن يقهره بسلطان أو يخاف سوطه أو سيفه ] رواه ابن ماجة وهذا أخص من حديثهم فتعين تقديمه وحديثهم نقول به في الجمع والأعياد وتعاد وهو مطلق فالعمل به في موضع يحصل الوفاء بدلالتهم وقياسهم منقوض بالخنثى والأمي ويروى عن حبيب الأنصاري عن أبيه قال : سألت واثلة بن الاسقع قلت أصلي خلف القدري ؟ قال : لا تصل خلفه ثم قال : أما أنا لو صليت خلفه لأعدت صلاتي رواه الأثرم وأما قول الخرقي أو يسكر فإنه يعني من يشرب ما يسكره من أي شراب كان فإنه لا يصلى خلفه لفسقه وإنما خصه بالذكر في ما يرى من سائر الفساق لنص أحمد عليه قال أبو داود سألت أحمد وقيل له : إذا كان الإمام يسكر قال : لا تصل خلفه البتة وسأله رجل قال : صليت خلف رجل ثم علمت أنه يسكر أعيد ؟ قال نعم أعد قال أيتهما صلاتي ؟ قال : التي صليت وحدك ؟ وسأله رجل قال : رأيت رجلا سكران أصلي خلفه ؟ قال : لا قال : فأصلي وحدي ؟ قال أين أنت ؟ في البادية ؟ المساجد كثيرة قال : أنا في حانوتي قال : تخطاه قال : تخطاه إلى غيره من المساجد فأما من يشرب من النبيذ المختلف فيه ما لا يسكره معتقدا حله فلا بأس بالصلاة خلفه نص عليه أحمد فقال : يصلى خلف من يشرب المسكر على التأويل نحن نروي عنهم الحديث ولا نصلي خلف من يسكر وكلام الخرقي بمفهومه يدل على ذلك لتخصيصه من سكر بالإعادة خلفه وفي معنى شارب ما يسكر كل فاسق فلا يصلى خلفه نص عليه أحمد فقال : لا تصل خلف فاجر ولا فاسق وقال أبو داود : سمعت أحمد C سئل عن إمام قال : أصلي بكم رمضان بكذا وكذا درهما قال : أسأل الله العافية من يصلي خلف هذا ؟ وروي عنه أنه قال : لا تصلوا خلف من لا يؤدي الزكاة وقال : لا تصل خلف من يشارط ولا بأس أن يدفعوا إليه من غير شرط وهذه النصوص تدل على أنه لا يصلى خلف فاسق وعنه رواية أخرى أن الصلاة جائزة ذكرها أصحابنا وهذا مذهب الشافعي لقول النبي A : [ صلوا خلف من قال لا إله إلا الله ] وكان ابن عمر يصلي خلف الحجاج والحسين والحسن وغيرهما من الصحابة كانوا يصلون مع مروان والذين كانوا في ولاية زياد وابنه كانوا يصلون معهما وراء الوليد بن عقبة وقد شرب الخمر وصلى الصبح أربعا وقال أزيدكم فصار هذا إجماعا [ وروي عن أبي ذر قال : قال لي رسول الله A : كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها قال : قلت فما تأمرني قال : صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها نافلة ] رواه مسلم وفي لفظ [ فإن صليت لوقتها كانت نافلة وإلا كانت قد أحرزت صلاتك ] وفي لفظ [ فإن أدركت الصلاة معهم فصل ولا تقل إني قد صليت فلا أصلي ] وفي لفظ [ فإنها زيادة خير ] وهذا فعل يقتضي فسقهم وقد أمره بالصلاة معهم وقول النبي A : [ صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة ] عام فيتناول محل النزاع ولأنه رجل تصح صلاتهن لنفسه فسح الائتمام به كالعدل ووجه الأولى : قوله عليه السلام [ لا يؤمن فاجر إلا أن يقهره بسلطانه أو سيفه ] ولأن الإمامة تتضمن حمل القراءة ويؤمن تركه لها ولا يؤمن ترك بعض شرائطها كالطهارة وليس ثم أمارة ولا غلبة ظن يؤمنان ذلك والحديث أجبنا عنه وفعل الصحابة محمول على أنهم خافوا الضرر بترك الصلاة معهم فقد روينا عن عطاء و سعيد بن جبير أنهما كانا في المسجد والحجاج يخطب فصليا بالإيماء وإنما فعلا ذلك لخوفهما على أنفسهما إن صليا على وجه يعلم بهما وروينا عن قسامة بن زهير قال : لما كان من شأن فلان ما كان قال له أبو بكر تنح عن مصلانا فإنا لا نصلي خلفك وحديث أبي ذر يدل على صحتها نافلة والنزاع في الفرض