مسألتان وفصل : فإذا استووا فأفقههم وأسنهم وأورعهم .
مسألة : قال : فإن استووا فأفقههم .
وذلك [ لقول رسول الله A : فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ] ولأن الفقه يحتاج إليه في الصلاة للإتيان بواجباتها وسننها وجبرها أن عرض ما يحوج إليه فيها فإن اجتمع فقيهان قارئان وأحدهما أقرأ والآخر أفقه قدم الأقرأ نص عليه للخبر وقال ابن عقيل الأفقه : أولى لتميزه بما لا يستغنى عنه في الصلاة وهذا يخالف عموم الخبر فلا يعول عليه وإن اجتمع فقيهان أحدهما أعلم بأحكام الصلاة والآخر أعرف بما سواها فالأعلم بأحكام الصلاة أولى لأنه علمه يؤثر في تكميل الصلاة بخلاف الآخر .
مسألة : قال : فإن استووا فأسنهم .
يعني أكبرهم سنا يقدم عند استوائهم في القراءة والفقه وظاهر قول أحمد أنه يقدم أقدمهما هجرة ثم أسنهما لأنه ذهب إلى حديث أبي مسعود وهو مرتب هكذا قال الخطابي : وعلى هذا الترتيب توجد أكثر أقاويل العلماء ومعنى تقدم الهجرة أن يكون أحدهما أسبق هجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام لأن الهجرة قربة وطاعة فيقدم السابق إليها لسبقه إلى الطاعة فإذا استويا فيها إما لهجرتهما معا أو عدمها منهما فأسنهم [ لقول النبي A لمالك بن الحويرث وصاحبه : ليؤمكما أكبركما ] متفق عليه ولأن الأسن أحق بالتوقير والتقديم [ قال النبي A لعبد الرحمن بن سهل لما تكلم في أخيه : كبر كبر ] أي دع الأكبر يتكلم وقال أبو عبد الله بن حامد : أحقهم بعد القراءة والفقه أشرفهم ثم أقدمهم هجرة ثم أسنهم والصحيح الأخذ بما دل عليه حديث النبي A في تقديم السابق بالهجرة ثم الأسن لتصريحه بالدلالة ولا دلالة في حديث مالك بن حويرث على تقديم الأسن لأنه لم يثبت في حقهما هجرة ولا تفاضلهما في شرف ويرجع بتقديم الإسلام كالترجيح بتقديم الهجرة فإن [ في بعض ألفاظ حديث أبي مسعود : فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما ] ولأن الإسلام أشرف من الهجرة فإذا قدم بتقدمها فتقدمه أولى فإذا استووا في هذا كله قدم أشرفهم أي أعلاهم نسبا وأفضلهم في نفسه وأعلاهم قدرا لقول رسول الله A : [ قدموا قريشا ولا تقدموها ] .
فصل : فإن استووا في هذه الخصال قدم أتقاهم وأورعهم لأنه أشرف في الدين وأفضل وأقرب إلى الإجابة وقد جاء : [ إذا أم الرجل القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال ] ذكره الإمام أحمد في رسالته ويحمل تقديم هذا على الأشرف لأن شرف الدين خير من شرف الدنيا وقد قال الله تعالى : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } فإذا استووا في هذا كله أقرع بينهم نص عليه أحمد C وذلك لأنه سعد بن أبي وقاص أقرع بينهم في الآذان فالإمامة أولى ولأنهم تساووا في الاستحقاق وتعذر الجمع فأقرع بينهم كسائر الحقوق وإن كان أحدهما يقوم بعمارة المسجد وتعاهده فوه أحق به وكذلك إن رضي الجيران أحدهما دون الآخر قدم بذلك ولا يقدم بحسن الوجه لأنه لا مدخل له في الإمامة ولا أثر له فيها وهذا كله تقديم استحباب لا تقديم اشتراط ولا إيجاب لا نعلم فيه خلافا فلوا قدم المفضول كان ذلك جائزا لأن الأمر بعد هذا أمر أدب واستحباب