مسألة وفصل : الأحق بالإمامة : أقرأ القوم لكتاب الله وأجودهم قراءة .
مسألة : قال : ويؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى .
لا خلاف في التقديم بالقراءة والفقه على غيرهما واختلف في أيهما يقدم على صاحبه فمذهب أحمد C تقديم القارئ وبهذا قال ابن سيرين و الثوري وأصحاب الرأي : وقال عطاء و مالك و الأوزاعي و الشافعي و أبو ثور : يؤمهم إذا كان يقرأ ما يكفي في الصلاة لأنه قد ينوبه في الصلاة ما لا يدري ما يفعل فيه إلا بالفقه فيكون أولى كالإمامة الكبرى والحكم .
ولنا ما روى أوس بن ضمعج عن أبي مسعود أن النبي A قال : [ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا ] أو قال سلما وروى أبو سعيد أن النبي A قال : [ إذا اجتمع ثلاثة فيؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم ] رواهما مسلم [ وعن ابن عمر قال : لما قدم المهاجرون الأولون العصبة - موضع بقباء - كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنا ] رواه البخاري و أبو داود وكان فيهم عمر بن الخطاب وأبو سلمة بن عبد الأسد وفي حديث عمر بن سلمة أن النبي A قال : [ ليؤمكم أكثركم قرآنا ] ولأن القراءة ركن في الصلاة فكان القادر عليها أولى كالقادر على القيام مع العاجز عنه فإن قيل إنما أمر النبي A بتقديم القارئ لأن أصحابه كان أقرؤهم فأفقههم فإنهم كانوا إذا تعلموا القرآن تعلموا معه أحكامه قال ابن مسعود : كنا لا نجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها ونهيها وأحكامها قلنا اللفظ عام فيجب الأخذ بعمومه دون خصوص السبب ولا يخص ما لم يقم دليل على تخصيصه على أن في الحديث ما يبطل .
هذا التأويل فإن النبي A قال : [ فإن استووا فأعلمهم بالسنة ] ففاضل بينهم في العلم بالسنة مع تساويهم في القراءة ولو قدم القارئ لزيادة علم لما نقلهم عند التساوي فيه إلا الأعلم بالسنة ولو كان العلم بالفقه على قدر القراءة للزم من التساوي في القراءة التساوي فيه وقد قال النبي A : [ أقرؤكم أبي وأقضاكم علي وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وأفرضكم زيد بن ثابت ] فقد فضل بالفقه من هو مفضول بالقراءة وفضل بالقراءة من هو مفضول بالقضاء والفرائض وعلم الحلال والحرام .
قيل لـ أبي عبد الله حديث النبي A [ مروا أبا بكر يصلي بالناس ] أهو خلاف حديث أبي مسعود ؟ قال : لا إنما قوله لأبي بكر عند يصلي بالناس للخلافة يعني أن الخليفة أحق بالإمامة وإن كان غيره أقرأ منه فأمر النبي A أبا بكر بالصلاة يدل على أنه أراد استخلافه .
فصل : ويرجح أحد القارئين على الآخر بكثرة القرآن لقول النبي A : [ ليؤمكم أكثركم قرآنا ] وإن تساويا في قدر ما يحفظ كل واحد منهما وكان أحدهما أجود قراءة وإعرابا فهو أولى لأنه أقرأ فيدخل في عموم قوله : [ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ] وإن كان أحدهما أكثر حفظا والآخر أقل لحنا وأجود قراءة فهو أولى لأنه أعظم أجرا في قراءته لقوله عليه السلام [ من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة ] رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح