فصول : حكم صلاة الوتر ووقتها .
فصل : الوتر غير واجب وبهذا قال مالك و الشافعي وقال أبو بكر هو واجب وبه قال أبو حنيفة لأن النبي A قال : [ إذا خفت الصبح فأوتر بواحد ] وأمر به في أحاديث كثيرة والأمر يقتضي الوجوب وروى أبو أيوب قال : قال رسول الله A : [ الوتر حق فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل ] رواه أبو داود و ابن ماجة وعن بريدة قال : سمعت رسول الله A يقول : [ الوتر حف من لم يوتر فليس منا الوتر حق فمن لو يوتر فليس منا الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا ] رواه أحمد في المسند من غير تكرار وعن أبي هريرة Bه عن النبي A مثله من المسند أيضا و [ عن خارجة بن حذافة قال : خرج علينا رسول الله A ذات غداة فقال : إن الله قد أمركم بصلاة فهي خير لكم من حمر النعم وهي الوتر فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر ] رواه أحمد و أبو داود و [ عن أبي بصرة قال : سمعت رسول الله A يقول : إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح الوتر الوتر ] رواه الأثرم واحتج به أحمد .
ولنا : ما روى عبد الله بن محيريز أن رجلا من بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلا بالشام يدعى أبا محمد يقول أن الوتر واجب قال فرحت إلى عبادة بن الصامت فأخبرته فقال عبادة كذب أبو محمد سمعت رسول الله A يقول : [ خمس صلوات كتبهن الله تعالى على العباد فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله النار ] رواه أبو داود و أحمد و [ عن علي Bه : إن الوتر ليس بحتم ولا كصلواتكم الكتوبة ولكن رسول الله A أوتر ثم قال : يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر ] رواه أحمد في المسند وقد ثبت [ أن الأعرابي لما سأل النبي A ما فرض الله علي في اليوم والليلة ؟ قال : خمس صلوت قال : هل علي غيرهن ؟ قال لا إلا أن تتطوع فقال الأعرابي والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن فقال : أفلح الرجل إن صدق ] ولأنه يجوز فعله على الراحلةمن غير ضرورة فلم يكن واجبا كالسنن وقد روى ابن عمر أن النبي A كان يوتر على بعيره متفق عليه وقال كان رسول الله A يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة رواه مسلم وغيره وأحاديثهم قد تكلم فيها ثم أن المراد بها تأكيده وفضيلته وأن سنة مؤكدة وذلك حق وزيادة الصلاة يجوز أن تكون سنة والتوعد على تركه للمبالغة في تأكيده كقوله : [ من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مسجدنا ] .
فصل : وهو سنة مؤكدة قال أحمد : من ترك الوتر عمدا فهو رجل سوء ولا ينبغي أن تقبل له شهادة وأراد المبالغة في تأكيده لما قد ورد فيه من الأحاديث في الأمر به والحث عليه فخرج كلامه مخرج كلام النبي A وإلا فقد صرح في رواية حنبل فقال الوتر ليس بمنزلة الفرض فلو أن رجلا صلى الفريضة وحدها جاز له وهما سنة مؤكدة الركعتان قبل الفجر والوتر فإن شاء قضى الوتر وإن شاء لم يقضه وليس هما بمنزلة المكتوبة واختلف أصحابنا في الوتر وركعتي الفجر فقال القاضي : ركعتا الفجر آكد من الوتر لاختصاصهما بعدد لا يزيد ولا ينقص فأشبها المكتوبة وقال غيره الوتر آكد وهو أصح لأنه مختلف في وجوبه وفيه من الأخبار ما لم يأت مثله في ركعتي الفجر لكن ركعتا الفجر تليه في التأكيد والله أعلم .
فصل : ووقته ما بين العشاء وطلوع الفجر الثاني فلو أوتر قبل العشاء لم يصح وتره وقال الثوري و أبو حنيفة إن صلاة قبل العشاء ناسيا لم يعده وخالفه صاحباه فقالا يعيد وكذلك قال مالك و الشافعي فإن النبي A قال : [ الوتر جعله الله لكم ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر ] وفيه حديث أبي بصرة : [ إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح ] وفي المسند [ عن معاذ قال : سمعت رسول الله A يقول : زادني ربي صلاة وهي الوتر ووقتها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر ] ولأنه صلاة قبل وقته فأشبه ما لو صلى نهارا وإن أخر الوتر حتى يطلع الصبح فات وقته وصلاة قضاء وروي عن ابن مسعود أنه قال : الوتر ما بين الصلاتين وعن علي Bه نحوه لحديث أبي بصرة والصحيح أن وقته إلى طلوع الفجر لحديث معاذ والحديث الآخر وقول النبي A : [ إذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة فأوترت له ما قد صلى ] وقال : [ أجعلوا أخر صلاتكم بالليل وترا ] متفق عليه وقال : [ أوتروا قبل أن تصبحوا ] وقال : [ الوتر ركعة من آخر الليل ] وقال : [ من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر من أوله ] اخرجهن مسلم .
فصل : والأفضل فعله في آخر الليل لقول النبي A : [ من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر من أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فإن صلاة الليل مشهودة ] وذلك أفضل وهذا صريح وقال عليه السلام : [ الوتر ركعة من آخر الليل ] وكان النبي A يوتر آخر الليل وقالت عائشة من كل الليل قد أوتر رسول الله A فانتهى وتره إلى السحر ومن كان له تهجد جعل الوتر بعد تهجده لأن النبي A كان يفعل ذلك وقال : [ أجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا ] مع ما ذكرنا من الأخبار فإن خاف أن لا يقوم من آخر الليل استحب أن يوتر أوله لأن النبي A أوصى أبا هريرة وأبا ذر وأبا الدرداء بالوتر قبل النوم وقال : [ من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر من أوله ] وهذه الأحاديث كلها صحاح رواها مسلم وغيره و [ روى أبو داود أن النبي A قال لأبي بكر : أخذ هذا بالحزم وأخذ هذا بالقوة ] وأي وقت أوتر من الليل بعد العشاء أجزأه ولا نعلم فيه خلافا وقد دلت الأخبار عليه