فصول : حكم سجود التلاوة .
مسألة : قال : ومن سجد فحسن ومن ترك فلا شيء عليه .
وجملة ذلك أن سجود التلاوة سنة مؤكدة وليس بواجب عند إمامنا و مالك و الأوزاعي و الليث و الشافعي وهو مذهب عمر وابنه عبد الله وأوجبه أبو حنيفة وأصحابه لقول الله D : { فما لهم لا يؤمنون * وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون } ولا يذم إلا على ترك واجب ولأنه سجود يفعل في الصلاة فكان واجبا كسجود الصلاة .
ولنا : ما روى زيد بن ثابت قال : قرأت على النبي A النجم فلم يسجد منا أحد متفق عليه ولأنه إجماع الصحابة وروى البخاري و الأثرم عن عمر أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاءت السجدة قال : يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه ولم يسجد عمر وفي لفظ : إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء وفي رواية الأثرم فقال : على رسلكم أن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء فقرأها ولم يسجد ومنعهم أن يسجدوا وهذا بحضرة الجمع الكثير فلم ينكره أحد ولا نقل خلافه فأما الآية فإنه ذمهم لترك السجود غير معتقدين فضله ولا مشروعيته وقياسهم ينتقض بسجود السهو فإنه عندهم غير واجب .
فصل : ويسن السجود التالي والمستمع لا نعلم في هذا خلافا وقد دلت عليه الأحاديث التي رويناها وقد روى البخاري و مسلم و أبو داود وعن ابن عمر قال : كان رسول الله A يقرأ علينا السورة في غير الصلاة فيسجد ونسجد معه حتى لا يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته فأما الساع غير القاصد للسماع فلا يستحب له روي ذلك عن عثمان وابن عباس وعمران وبه قال مالك وقال أصحاب الرأي : عليه السجود وروي نحو ذلك عن ابن عمر و النخعي و سعيد بن جبير و نافع و إسحاق لأنه سامع للسجدة فكان عليه السجود كالمستمع وقال الشافعي لا أوكد عليه السجود وإن سجد فحسن .
ولنا : ما روي عن عثمان Bه أنه مر بقاص فقرأ القاص سجدة ليسجد عثمان معه فلم يسجد وقال : إنما السجدة على من استمع وقال ابن مسعود وعمران : ما جلسنا لها وقال سلمان : ما عدونا لها ونحوه عن ابنعباس ولا مخالف لهم في عصرهم نعلمه إلا قول ابن عمر : إنما السجدة على من سمعها فيحتمل أنه أراد من سمع عن قصد فيحمل عليه كلامه جمعا بين أقوالهم ولا يصح قياس السامع على المستمع لافترقهما في الأجر .
فصل : ويشترط لسجود المستمع أن يكون التالي ممن يصلح أن يكون له إماما فإن كان صبيا أو امرأة فلا يسجد السامع رواية واحدة إلا أن يكون ممن يصح له أن يأثم به وممن قال لا يسجد إذا سمع المرأة قتادة و مالك و الشافعي و إسحاق وقال النخعي : هي أمامك وقد روي [ أن رسول الله A أتى إلى نفر من أصحابه فقرأ رجل منهم سجدة ثم نظر إلى رسول الله A فقال رسول الله A : إنك كنت إمامنا ولو سجدت سجدنا ] رواه الشافعي وفي مسنده و الجوزجاني في المترجم عن عطاء عن النبي A وإذا لم يسجد التالي لم يسجد المستمع وقال الشافعي يسجد .
ولنا : الحديث الذي رويناه ولأنه إمام له فلم يسجد بدون إمامه كما لو كانا في صلاة وإن قرأ الأمي سجدة فعلى القارئ المستمع السجود معه لأن القراءة ليست بركن في السجود فإن كان التالي في صلاة والمستمع في غير صلاة سجد معه وإن كان المستمع في صلاة أخرى لم يسجد معه إن كانت فرضا رواية واحدة وإن كانت نفلا فعلى روايتين الصحيح أنه لا يسجد ولا ينبغي له أن يستمع بل يشتغل بصلاته كما قال النبي A : [ إن في الصلاة لشغلا ] متفق عليه ولا يسجد إذا فرغ من الصلاة وقال أبو حنيفة يسجد عند فراغه وليس بصحيح فإنه لو ترك السجود لتلاوته في الصلاة لم يسجد إذا فرغ فلأن لا يسجد بحكم سماعه أولى وهكذا الحكم إن كان التالي في غير صلاته والمستمع في الصلاة