مسألة وفصلان : صلاة فاقد الثياب .
مسألة : قال : ومن لم يقدر على ستر العورة صلى جالسا يومئ إيماء .
وجملة ذلك أن العادم للسترة الأولى له أن يصلى قاعدا روي ذلك عن ابن عمر وقال به عطاء و عكرمة و قتادة و الأوزاعي وأصحاب الرأي ويومئ بالركوع وهذا مذهب أبي حنيفة وقال مجاهد و مالك و الشافعي و ابن المنذر يصلي قائما بركوع وسجود لقوله عليه السلام : [ صل قائما فإن لم تستطع فجالسا ] رواه البخاري ولأنه مستطيع للقيام من غير ضرر فلم يجز تركه له كالقادر على الستر .
ولنا : ما روى الخلال بإسناده عن ابن عمر في قوم انكسرت مراكبهم فخرجوا عراة قال : يصلون جلوسا يومئون إيماء برؤوسهم ولم ينقل خلافه ولأن الستر آكد من القيام بدليل أمرين أحدهما أنه لا يسقط مع القدرة بحال والقيام يسقط في النافلة والثاني أن القيام يختص الصلاة والستر يجب فيها وفي غيرها فإذا لم يكن بد من ترك أحدهما فترك أخفهما أولى من ترك آكدهما ولأنه إذا استتر فإن قيل فالستر لا يحصل إنما يحصل بعضه فلا يفي بترك القيام قلنا : إذا قلنا العورة الفرجان فقد حصل الستر وإن قلنا العورة ما بين السرة والركبة فقد حصل ستر آكدهما وجوبا في الستر وأفحشها في النظر فكان ستره أولى وإذا ثبت هذا فليس على من صلى في هذه الحال إعادة لأنه شرط من شرائط الصلاة عجز عنه فسقط كما لو عجز عن استقبال القبلة فصلى إلى غيرها وأن صلى العريان قائما صحت صلاته في ظاهر كلام أحمد C وهو قول أصحاب الرأي وقال ابن جريج يتخيرون بين الصلاة قياما وقعودا وقد روي عن أبي عبد الله C ما يدل على أنهم يصلون قياما وقعودا فإنه قد قال في العراة يقوم إمامهم في وسطهم وروى عنه الأثرم أن توراى بعضهم ببعض فصلوا قياما فهذا لا بأس به قيل له فيومئون أو يسجدون ؟ قال سبحان الله السجود لا بد منه فهذا يدل على أنه لا يومئ بالسجود في حال وإن الأفضل في الخلوة القيام إلا أن الخلال قال هذا توهم من الأثرم قال ومعنى قول أحمد يقوم وسطهم أي يكون وسطهم لم يرد به حقيقة القيام وعلى كل حال فينبغي لمن صلى عريانا أن يضم بعضه إلى بعض ويستر ما أمكن ستره قيل ل أبي عبد الله : يتربعون أو يتضامون ؟ قال : لا بل يتضامون وإذا قلنا يسجدون بالأرض فإنهم يتضامون أيضا وعن أحمد أنه يتربع موضع القيام والأول أولى .
فصل : إذا وجد العريان جلدا طاهرا خصفه عليه أو حشيشا يمكنه أن يربطه عليه فيستر به لزمه ذلك لأنه قادر على ستر عورته بطاهر فلزمه كما لو قدر على سترها بثوب وقد ستر النبي A رجلي مصعب بن عمير بالأذخر لما لم يجد سترة فإن وجد طيبا يطلي به جسده فظاهر كلام أحمد أنه لا يلزمه ذلك وذلك لأنه يجف ويتناثر عند الركوع والسجود ولأن فيه مشقة شديدة ولم تجر به العادة واختار ابن عقيل أنه يلزمه ذلك فما تناثر سقط حكمه ويستتر بما بقي وهو قول بعض الشافعية والأولى أنه لا يلزمه ذلك لأن عليه فيه مشقة ويلحقه به ضرر ولا يحصل له كمال الستر فإن وجد ماء لم يلزمه النزول فيه وإن كان كدرا لأن للماء سكانا ولا يتمكن فيه من السجود وكذلك لو وجد حفرة لم يلزمه النزول فيها لأنها لا تلصق بجلده فهي كالجدار وإن وجد سترة تضر بجسمه كبارية القصب ونحوها مما يدخل في جسمه لم يلزمه الاستتار بها لما فيها من الضرر والمنع من إكمال الركوع والسجود .
فصل : وإذا بذل له سترة لزمه قبلوها إذا كانت عارية لأنه قدر على ستر العورة بما لا منة فيه وإن وهب له لم يلزمه قبوله لأن عليه فيه منة وإن وجد من يبيعه ثوبا بثمن مثله أو يؤجره بأجرة مثلة أو زيادة يتغابن الناس بمثلها وقدر على ذلك العوض لزمه قبوله وإن كانت كثيرة لا يتغابن الناس بمثلها لم يلزمه كما قلنا في شراء الماء للوضوء