أحكام أمهات الأولاد أحكام الإماء غير أنهن لا يبعن .
مسألة : قال وأحكام أمهات الأولاد أحكام الإماء في جميع أمورهن إلا أنهن لا يبعن .
وجملة ذلك أن الأمة إذا حملت من سيدها وولدت منه ثبت لها حكم الاستيلاد وحكمها حكم الإماء في حل وطئها لسيدها واستخدامها وملك كسبها وتزويجها وإجارتها وعتقها وتكليفها وحدها وعورتها وهذا قول أكثر أهل العلم وحكي عن مالك أنه لا يملك إجارتها وتزويجها لأنه لا يملك بيعها فلا يمكن تزويجها وإجارتها كالحرة .
ولنا أنها مملوكة ينتفع بها فيملك سيدها تزويجها وإجارتها كالمدبرة ولأنها مملوكة تعتق بموت سيدها فأشبهت المدبرة وإنما منع بيعها لأنها استحقت أن تعتق بموته وبيعها يمنع ذلك بخلاف التزويج والإجارة ويبطل دليلهم بالموقوفة والمدبرة عند من منع بيعها إذا ثبت هذا فإنها تخالف الأمة القن في أنها تعتق بموت سيدها من رأس المال ولا يجوز بيعها ولا التصرف فيها بما ينقل الملك من الهبة والوقف ولا ما يراد للبيع وهو الرهن ولا تورث لأنها تعتق بموت السيد ويزول الملك عنها وروى هذا عن عمر وعثمان وعائشة وعامة الفقهاء وروي عن علي وابن عباس وابن الزبير إباحة بيعهن وذهب إليه داود قال سعيد : حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس في أم الولد قال : بعها كما تبيع شاتك أو بعيرك قال قال سعيد : وحدثنا أبو عوانة عن مغيرة عن الشعبي عن عبيدة قال : خطب علي الناس فقال : شاورني عمر في أمهات الأولاد فرأيت أنا وعمر أن أعتقهن فقضى به عمر حياته وعثمان حياته فلما وليت رأيت أن أرقهن قال عبيدة فرأي عمر وعلي في الجماعة أحب إلينا من رأي علي وحده وقد روى صالح بن أحمد قال : قلت لأبي : إلى أي شيء تذهب في بيع أمهات الأولاد ؟ قال : أكرهه وقد باع علي بن أبي طالب Bه وقال في رواية إسحاق بن منصور : لا يعجبني بيعهن قال أبو الخطاب فظاهر هذا أنه يصح بيعهن مع الكراهية فجعل هذا رواية ثانية عن أحمد Bه والصحيح أن هذا ليس رواية مخالة لقوله إنهن لا يبعن لأن السلف رحمة الله عليهم كانوا يطلقون إلى الكراهية على التحريم كثيرا ومتى كان التحريم والمنع مصرحا به في سائر الروايات عنه وجب حمل هذا للفظ المحتمل على المصرح به ولا يجعل ذلك اختلافا ولمن أجاز بيعهن أن يحتج بما روى جابر قال : بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله A وأبي بكر فلما كان عمر Bه نهانا فانتهينا رواه أبو داود وما كان جائزا في عهد الرسول A وأبي بكر لم يجز نسخه بقول عمر ولا غيره ولأن نسخ الأحكام إنما يجوز في عصر الرسول A لأن النص إنما ينسخ بنص مثله وأما قول الصحابي فلا ينسخ ولا ينسخ به فإن أصحاب النبي صلى الله عليه السلام كانوا يتركون أقوالهم لقول الرسول الله A ولا يتركونها بأقوالهم وإنما تحمل مخالفة عمر لهذا النص على أنه لم يبلغه ولو بلغه لم يعده إلى غيره ولأنها مملوكة ولم يعتقها سيدها ولا شيئا منها ولاقرابة بينه وبينها فلم تعتق كما لو ولدت من أبيه في نكاح أو غيره ولأن الأصل الرق ولم يرد بزواله نص ولا ما في معنى ذلك فوجب البقاء عليه ولأن ولادتها لو كانت موجبة لعتقها لثبت العتق بها حين وجودها كسائر أسبابه وروي عن ابن عباس رواية أخرى أنها تجعل في سهم ولدها لتعتق عليه و قال سعيد : حدثنا سفيان الأعمش عن زيد بن هب قال : مات رجل منا وترك أم ولد فأراد الوليد بن عقبة أن يبيعها في دينه فأتينا عبد الله بن مسعود فذكرنا ذلك له فقال : إن كان ولا بد فاجعلوها في نصيب أولادها .
ولنا ما روى عكرمة عن ابن عباس قال : [ قال رسول الله A أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبر منه ] وقال ابن عباس : ذكرت أم إبراهيم عند رسول الله A فقال [ أعتقها ولدها ] رواهما ابن ماجة .
و ذكر الشريف أبو جعفر في مسائله عن ابن عمر عن النبي A أنه نهى عن بيع أمهات الأولاد ولا يبعن ولا يرهن ولا يرثن ويستمتع بها سيدها ما بدا له فإن مات فهي حرة وهذا فيما أظن عن عمر ولا يصح عن النبي A ولأنه إجماع الصحابة Bهم بدليل قول علي كرم الله وجه : كان رأيي ورأي عمر أن لا تباع أمهات الأولاد وقوله : فقضى به عمر حياته وعثمان حياته وقول عبيده رأي علي كرم الله وجه وعمر في الجماعة أحب إلينا من راية وحده .
وروي عكرمة عن ابن عباس قال : قال عمر Bه : ما من رجل كان يقر بأنه يطأ جاريته ثم يموت إلا أعتقها ولدها إذا ولدت وإن كان سقطا فإن قيل : فكيف تصح دعوى الإجماع مع مخالفة علي وابن عباس وابن الزبير Bهم ؟ قلنا قد روي عنهم الرجوع عن مخالفة فقد روى عبيدة قال بعث إلي علي كرم الله وجهه وإلى شريح أن اقضوا كما كنتم تقصون فإني أبغض الاختلاف وابن عباس قال : ولد أم ولد بمنزلتها وهو الراوي لحديث عتقهن عن النبي A وعن عمر فيدل علة موافقته لهم ثم قد ثبت الإجماع باتفاقهم قبل المخالفة واتفاقهم معصوم عن الخطأ فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة ولا يجوز أن يخلو زمن عن قائم لله بحجته ولو جاز ذلك في بعض العصر لجاز في جميعه ورأي الموافق في زمن الاتفاق خير من رأيه في الخلاف بعده فيكون الاتفاق حجة على المخالف له منهم كما هو حجة على غيره ؟ فإن قيل : فلو كان الاتفاق في بعض العصر إجماعا حرمت مخالفته فكيف خالفه هؤلاء الأئمة الذين لا تجوز نسبتهم إلى ارتكاب الحرام ؟ قلنا : الإجماع ينقسم إلى مقطوع به ومظنون وهذا من المظنون فيمكن وقوع المخالفة منهم له مع كونه حجة كما وقع منهم مخالفة النصوص الظنية ولا تخرج بمخالفتهم عن كونها حجة كذا ههنا .
فأما قول جابر بعنا أمهات الأولاد في عهد رسول الله A وأبي بكر فليس فيه تصريح بأنه كان بعلم رسول الله A ولا علم أبي بكر فيكون ذلك واقعا من فعلهم على انفرادهم فلا يكون فيه حجة ويتعين حمل الأمر على هذا لأنه لو كان هذا واقعا بعلم رسول الله A وأبي بكر وأقرا عليه لم تجز مخالفته ولم يجمع الصحابة بعدهما على مخالفتهما ولو فعلوا ذلك لم يخل من منكر ينكر عليهم ويقول : كيف يخالفون فعل رسول الله وفعل صاحب ؟ وكيف يتركون سنتهما ويحرمون ما أحلا من هذا ؟ ولأنه لو كان ذلك واقعا بعلمهما لاحتج به علي حين رأى بيعهن واحتج به كل من وافقه على بيعهن ولم يجر شيء من هذا فوجب أن يحمل الأمر على ما حملناه عليه فلا يكون فيه إذا حجة ويحتمل أنهم باعوا أمهات الأولاد في النكاح لا في الملك