حكم ما لو كاتب عبيدا وما يلحق ذلك .
فصل : وإذا كاتب عبيدا له صفقة واحدة بعوض واحد مثل أن يكاتب ثلاثة أعبد له بألف صح في قول أكثر أهل العلم منهم عطاء و سليمان بن موسى و أبو حنيفة و مالك و الحسن بن صالح و إسحاق وهو المنصوص عن الشافعي Bه وقال بعض أصحابه : فيه قول آخر لا يصح لأن العقد مع ثلاثة كعقود ثلاثة وعوض كل منهما مجهول فلم يصح كما لو باع كل واحد منهما لواحد صفقة واحدة بعوض واحد .
ولنا أن جملة العوض معلومة وإنما جهل تفصيلها فلم تمنع صحة العقد كما لو باعهم لواحد وعلى قول من قال : إن العوض يكون بينهم على السواء فقد علم أيضا تفصيل العوض وعلى كل واحد منهما ثلث وكذا يقول فيما لو باعهم لثلاثة إذا ثبت هذا فإن كل واحد منهم مكاتب بحصته من الألف ويقسم بينهم على قدر قيمتهم حين العقد لأنه حين المعاوضة وزوال سلطان السيد عنهم فإذا أداه عتق هذا قول عطاء و سليمان بن موسى و الحسن بن صالح و الشافعي و إسحاق وقال أبو بكر عبد العزيز : يتوجه لأبي عبد الله قول آخر أن العوض بينهم على عدد رؤوسهم فيتساوون فيه لأنه أضيف إليهم إضافة واحدة فكان بينهم بالسوية كما لو أقر لهم بشيء .
ولنا أن هذا عوض فتسقط على العوض كما لو اشترى شقصا وسيفا وكما لو اشترى عبيدا فرد واحدا منهم بعيب أو تلف أحدهم ورد الآخر ويخالف الإقرار فإنه ليس بعوض إذا ثبت هذا فأيهم أدى حصته عتق .
وهذا قول الشافعي وقال ابن أبي موسى : لا يعتق واحد منهم حتى يؤدي جميع كتابته وحكي ذلك عن أبي بكر وهو قول مالك وحكي عنه أنه إذا امتنع أحدهم عن الكسب مع القدرة عليه أجبر عليه الباقون واحتجوا بأن الكتابة واحدة بدليل أنه لا يصح من كل واحد منهم الكتابة بقدر حصته دون الباقين ولا يحصل العتق إلا بأداء جميع الكتابة كما لو كان المكاتب واحدا وقال أبو حنيفة : إن لم يقل لهم السيد إن أديتم عتقتم فأيهم أدى حصته عتق وإن أدى جميعها عتقوا كلهم ولم يرجع على صاحبيه بشيء وإن قال لهم إن أديتم عتقتم لم يعتق واحد منهم حتى تؤدى الكتابة كلها ويكون بعضهم حميلا عن بعض ويأخذ أيهم شاء بالمال وأيهم أداها عتقوا كلهم ورجعوا على صاحبيه بحصتهما ولنا أنه عقد معاوضة مع ثلاثة فاعتبر كل واحد منهم بأداء حصته كما لو اشتروا عبدا وكما لم يقل لهم إن أديتم عتقتم على قول أبي حنيفة فإن قوله ذلك لا يؤثر لأن استحقاق العتق بأداء العوض لا بهذا القول بدليل أنه يعتق بالأداء بدون هذا القول ولم يثبت كون هذا القول مانعا من العتق ولا نسلم أن هذا العقد كتابة واحدة فإن العقد مع جماعة عقود بدليل البيع ولا يصح القياس على كتابته الواحد لأن ما قدره في مقابله عتقه وهاهنا في مقابلة عتقه ما يخصه فافترقا إذا ثبت هذا فإنه شرط عليهم في العقد أن كل واحد منهم ضامن عن الباقين فالشرط فاسد والعقد صحيح وقال أبو الخطاب في الشرط رواية أخرى أنه صحيح وخرجه ابن حامد وجها بناء على الروايتين في ضمان الحر لمال الكتابة وقال الشافعي Bه : العقد والشرط فاسدان لأن الشرط فاسد ولا يمكن تصحيح العقد بدونه لأن السيد إنما رضي بالعقد بهذا الشرط فإذا لم يثبت لم يكن راضيا بالعقد وقال مالك و أبو حنيفة : العقد والشرط صحيحان لأنه مقتضى العقد عندهما .
ولنا أن مال الكتابة ليس بلازم ولا ماله إلى اللزوم فلم يصح ضمانه كما لو جعل المال صفة مجردة في العتق فقال : إن أديت إلي ألفا فأنت حر ولأن الضامن لا يلزمه أكثر مما يلزم المضمون عنه ومال الكتابة لا يلزم المكاتب فلا يلزم الضامن ولأن الضمان تبرع وليس للمكاتب التبرع ولأنه لا يملك الضمان عن حر ولا عمن ليس معه في الكتابة فكذلك من معه وأما العقد فصحيح لأن الكتابة لا تفسد بفساد الشرط بدليل خبر بريرة وسنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى .
فصل : إذا مات بعض المكاتبين سقط قدر حصته نص عليه أحمد Bه في رواية حنبل وكذلك إن أعتق بعضهم وعن مالك إن أعتق السيد أحدهم وكان مكتسبا لم ينفذ عتقه لأنه يضر بالباقين وإن لم يكن مكتسبا نفذ عتقه لعدم الضرر فيه وهذا مبني على أنه لا يعتق واحد منهم حتى يؤدي جميع مال الكتابة وقد مضى الكلام فيه .
فصل : فإن أدى أحد المكاتبين عن صاحبه أو عن مكاتب آخر قبل أداء ما عليه بغير علم سيده لم يصح لأن هذا تبرع وليس له التبرع بغير إذن سيده وإن كان قد حل عليه نجم صرف ذلك فيه وإن لم يكن حل عليه نجم فله الرجوع فيه وإن علم السيد بذلك ورضي بقبضه عن الآخر صح لأن قبضه له راضيا به مع العلم دليل على الإذن فيه فجاز كما لو أذن فيه تصريحا وإن كان الأداء بعد أن عتق صح وسواء علم السيد أو لم يعلم فإذا أراد الرجوع على صاحبه بما أدى عنه نظرنا فإن كان قد قصد التبرع عليه لم يرجع به وإن أداه محتسبا بالرجوع عليه وكان الأداء بإذن المؤدي عنه فهو فرض يلزمه أداؤه كما لو اقترضه منه وإن كان بغير إذنه لم يرجع عليه لأنه تبرع عليه بأداء ما لا يلزمه كما لو تصدق عنه صدقة وتطوع وبهذا فارق سائر الديون وإن كان بإذنه وطلب استيفاء قدم على أداء مال الكتابة كسائر الديون وإذا عجز عن أدائه فحكمه حكم سائر الديون وهذا كله مذهب الشافعي .
فصل : ولا يصح ضمان الحر لمال الكتابة وذكر القاضي فيه روايتين : أحدهما : يصح ضمانه لأنه عوض في معاوضة فصح ضمانه كثمن المبيع .
ولنا ما ذكرناه من قبل ولا يصح قياسه على الثمن لأنه لازم وهذا غير لازم .
فصل : وإذا أدوا ما عليهم أو بعضه ثم اختلفوا فقال من كثرت قيمته أدى كل واحد منا بقدر ما عليه فلا فضل لأحدنا على صاحبه وقال من قلت قيمته أدينا على السواء فلي الفضل عليك أو يكون وديعة لي عند سيدنا فالقول قول الأول لأن الظاهر أن من عليه دين لا يؤدي أكثر منه فرجحت دعواه بذلك فإن كان المؤدى أكثر مما عليهم واختلفوا في الزيادة فالقول قول من يدعي التساوي لأنهم اشتركوا في أدائه فكانت أيديهم عليهم فاستووا فيه كما لو كان في أيديهم مال فاختلفوا فيه .
فصل : وإن جنى بعضهم فجنايته عليه دون صاحبه وبهذا قال الشافعي Bه وقال مالك Bه : يؤدون كلهم أرشة فإن عجزوا رقوا .
ولنا قول الله تعالى { ولا تزر وازرة وزر أخرى } وقول النبي A [ لا يجني جان إلا على نفسه ] ولأنه لو اشترك رجلان وتعاقدا لم يحمل أحدهما جناية صاحبه فكذا هاهنا لأن ما لا يصح لا يتضمنه عقد الكتابة ولا يجب على أحدهما بفعل الآخر كالقصاص وقد بينا أن كل واحد منهما مكاتب بحصته فهو كالمنفرد بعقده