حكم ما لو قال للعبد أنت حر .
مسألة : قال : وإذا قال لعبده أنت حر في وقت سماه لم يعتق حتى يأتي ذلك الوقت .
وجملة ذلك أن السيد إذا علق عتق عبده أو أمته على مجيء وقت مثل قوله أنت حر في رأس الحول لم يعتق حتى يأتي رأس الحول وله بيعه وهبته وإجارته ووطء الأمة وبهذا قال الأوزاعي و الشافعي و ابن المنذر قال احمد : إذا قال لغلامه أنت حر إلى أن يقدم فلان ومجيء فلان واحد وإلى رأس السنة وإلى رأس الشهر إنما يريد إذا جاء رأس السنة أو جاء رأس الهلال منه وإذا قال أنت طالق إذا جاء الهلال إنما تطلق إذا جاء رأس الهلال وقال إسحاق كما قال أحمد وحكي عن مالك أنه إذا قال لعبده أنت حر في رأس الحول عتق في الحال والذي حكاه ابن المنذر عنه أنها إذا كانت جارية لم يطأها لأنه لا يملكها ملكا تاما ولا يهبها ولا يلحقها بسببه رق وإن مات السيد قبل الوقت كانت حره عند الوقت من رأس السنة وقد روي عن احمد أنه لا يطؤها لأن ملكه غير تام عليها والأول أصح لما روى عن أبي ذر قال لعبده : أنت عتيق إلى رأس الحول فلولا أن العتق يتعلق بالحول لم يعلقه عليه لعدم فائدته ولأنه علق العتق بصفة فوجب أن يتعلق بها كما لو قال : إذا أديت إلي ألفا فأنت حر واستحقاقها للعتق لا يمنع الوطء كالاستيلاد ولا يلزم المكاتبة لأنها اشترت نفسها من سيدها بعوض وزال ملكه عن إكسابها بخلاف مسألتنا .
فصل : وإذا جاء الوقت وهو في ملكه عتق بغير خلاف نعلمه وإن خرج عن ملكه ببيع أو ميراث أو هبة لم يعتق وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي وقال النخعي و ابن أبي ليلى : إذا قال لعبده : إن فعلت كذا فأنت حر فباعه بيعا صحيحا ثم فعل ذلك الفعل عتق وانتفض البيع قال ابن أبي ليلى : إذا حلف بالطلاق لا كلمت فلانا ثم طلاقها طلاقا بائنا ثم كلمه حنث وعامة أهل العلم على خلاف هذا القول لأن النبي A قال [ لا طلاق ولا عتاق ولا بيع فيما لا يملك ابن آدم ] ولأنه لا ملك له فلم يقع طلاقه ولا عتاقه كما لو لم يكن له مال متقدم .
فصل وإذا قال لعبده : إن لم أضربك عشرة أسواط فأنت حر ولم ينو وقتا بعينه لم يعتق حتى يموت ولم يوجد الضرب وإن باعه قبل ذلك صح بيعه ولم ينفسخ في قوله أكثر أهل العلم وقال مالك ليس بيعه فإن باعه فسخ البيع .
ولنا أنه باعه قبل وجود الشرط فصح ولم ينفسخ كما لو قال : إن دخلت فأنت حر وباعه قبل دخولها .
فصل : وإذا قال لعبده : إن دخلت الدار فأنت حر فباعه ثم اشتراه ودخل الدار عتق وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي : فيها قولان : .
أحدهما لا يعتق لأن ملكه فيه متأخر عن عقد الصفة فلم يقع العتق فيه كما لو عقد الصفة في حال زوال ملكه عنه .
ولنا أنه علق الصفة في ملكه وتحقق الشرط في ملكه فوجب أن يحنث كما لو لم يزل ملكه عنه وفارق ما إذا علقها في حال زوال ملكه وتحقق الشرط في ملكه لأنه لو نجز العتق لم يقع فإذا علقه كان أولى بعدم الوقوع بخلاف مسألتنا فأما إن دخل الدار بعد بيعه ثم اشتراه ودخل الدار فالمنصوص عن أحمد أنه لا يعتق .
وذكر عنه رواية أخرى أن يعتق وروي عنه في الطلاق أنه يقع لأن التعليق والشرط وجدا في ملكه فأشبه ما لو لم يتخللهما دخول و وجه الأول أن العتق معلق على شرط لا يقتضي التكرار فإذا وجد مرة انحلت اليمين وقد وجد الدخول في ملك غيره فانحلت اليمين فلم يقع العتق به بعد ذلك ويفارق العتاق الطلاق من حيث أن النكاح الثاني ينبني على النكاح الأول بدليل أن طلاقه في النكاح الأول يحسب عليه في النكاح الثاني وينقص به عدد طلاقه والملك باليمين بخلافه .
فصل : وإذا قال لعبد له مقيد هو حر إن حل قيده ثم قال هو حر إن لم يكن في قيده عشرة أرطال فشهد شاهدان عند الحاكم أن وزن قيده خمسة أرطال فحكم بعتقه وأمر بحل قيده فوزن فوجد وزنه عشرة أرطال عتق العبد بحل قيده وتبينا أنه عتق بشرط الذي حكم الحاكم بعتقه به وهو يلزم الشاهدان ضمان قيمته ؟ فيه وجهان : أحدهما : أنه يلزمهما ضمانها لأن شهادتهما الكاذبة سبب عتقه وإتلافه فضمناه كالشهادة المرجوع عنها ولأن عتقه حصل بحكم المبني على الشهادة الكاذبة فأشبه الحكم بالشهادة التي يرجعان عنها وهذا قول أبي حنيفة .
والثاني : لا ضمان عليهما وهو قول أبي يوسف و محمد لأنه عتقه لم يحصل بالحكم المبني على شهادتهما وإنما حصل بحل قيده ولم يشهدا به فوجب أن لا يضمنا كما لو لم يحكم الحاكم .
فصل : وإن قال لعبده أنت حر متى شئت لم يعتق حتى يشاء بالقول فمتى شاء عتق سواء كان على الفور أو التراخي وإن قال أنت حر إن شئت فكذلك ويحتمل أن يقف ذلك على المجلس لأن ذلك بمنزلة التخيير ولو قال لامرأته اختاري نفسك لم يكن لها الاختيار إلا على الفور فإن تراخى ذلك بطل خيارها كذا تعليقه بالمشيئة من غير أن يقرنه بزمن يدل على التراخي وإن قال : أنت حر كيف شئت احتمل أن يعتق في الحال وهو قول أبي حنيفة لأن كيف لا تقتضي شرطا ولا وقتا ولا مكانا فلا تقتضي توقيف العتق وإنما هي صفة للحال فتقتضي وقوع الحرية على أي حال شاء ويحتمل أن لا يعتق حتى يشاء وهو قول أبي يوسف و محمد لأن المشيئة تقتضي الخيار أن لا يعتق قبل اختياره كما لو قال أنت حر متى شئت لأن كيف تعطي ما تعطي وأي فحكمها حكمهما .
وقد ذكر أبو الخطاب في أنه إذا قال لزوجته : أنت طالق متى شئت وحيث شئت لم تطلق حتى تشاء فيجيء ههنا مثله