أقسام تعليق العتق .
فصل : وتعليق العتق على أداء شيء ينقسم ثلاثة أقسام : .
أحدها : تعليقه عل صفة محضة كقوله إن أديت إلى ألفا فأنت حر فهذه صفة لازمة لا سبيل إلى أبطالها لأنه ألزمها نفسه طوعا فلم يملك إبطالها كما لو قال : إن دخلت الدار فأنت حر ولو اتفق السيد والعبد على إبطالها لم تبطل بذلك ولو أبرأه السيد من الألف لم يعتق بذلك ولم يبطل الشرط لأنه لا حق له في ذمته يبرئه منه وإنما هو تعليق على شرط محض وإن مات السيد انفسخت الصفة لأن ملكه زال عنه فلا ينفذ عتقه في ملك غيره وإن زال ملكه ببيع أو هبة زالت الصفة فإن عاد إلى ملكه عاد كما ذكرنا من قبل ومتى وجدت الصفة عتق ولم يحتج إلى تجديد إعتاق من جهة السيد لأنه إزالة ملك معلق على صفة وهو قابل للتعليق فيوجد الصفة كالطلاق وما كسبه العبد وجود الشرط فهو لسيده لأنه لم يوجد عقد يمنع كونه كسبه لسيده وإن كان معلق عتقه أمة فولدت لم يتبعها ولدها في أحد الوجهين لأنها أمة فأشبه ما لو قال : إن دخلت الدار فأنت حرة ولا تجب عليها قيمة نفسها لأنه عتق من السيد بصفة فأشبه ما لو باشر عتقها ولا يعتق حتى يؤدي الألف بكاملها وذكر القاضي أن من أصلنا أن العتق المعلق بصفة يوجد بعضها كما لو قال : أنت حر إن أكلت رغيفا فأكل بعضه وهذا لا يصح لوجوه أحدها أن الألف شرط العتق وشروط الأحكام يعتبر وجودها بكمالها لثبوت الأحكام وتنفي بانتفائها بدليل سائر شروط الأحكام .
الثاني : أنه إذا علقه على وصف ذي عدد فالعدد وصف في الشرط ومتى علق الحكم على شرط ذي وصف لا يثبت ما لم توجد الصفة كما لو قال لعبده : إن خرجت عاريا فأنت حر فخرج لابسا لا يعتق فكذلك العدد .
الثالث : أنه متى كان اللفظ ما يدل على الكل لم يحنث بفعل البعض وكذلك لو حلف لا صليت صلاة لم يحنث حتى يفرغ مما يسمى صلاة ولو حلف لا صمت صياما لم يحنث حتى يصوم يوما ولو قال لامرأته إن حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر من الحيضة وقد ذكر القاضي هذه المسائل ونظائرها وذكر الألف ههنا يدل على إرادته أداء الألف كاملة .
الرابع : أننا لا نسلم هذا الأصل الذي ادعاه وأنه إذا قال له أنت حر إن أكلت رغيفا لم يعتق بأكل بعضه وإنما إذا حلف لا يفعل شيئا ففعل بعضه حنث في رواية في موضع يحتمل إرادة البعض ويتناوله اللفظ كمن حلف لا يصلي فشرع في الصلاة أو لا يصوم فشرع في الصوم أو لا يشرب ماء هذا الإناء فشرب بعضه ونحو هذا لأن الشارع في الصلاة والصيام قد صلى وصام ذلك الجزء الذي شرع فيه والقدر الذي شربه من الإناء هو ماء الإناء وقرينة حالة تقتضي الامتناع من الكل ومتى فعل البعض فما امتنع من الكل فحنث لذلك ولو حلف على فعل شيء لم يبرأ إلا بفعل الجميع وفي مسألتنا تعليق الحرية على أداء الألف يقتضي وجوه أدائها فلا يثبت الحكم المعلق عليها دون أدائها كمن حلف ليؤدين ألفا لك يبرأ حتى يؤديها .
الخامس : أن موضع الشرط في الكتاب والسنة وأحكام الشريعة على أنه لا يثبت المشروط بدون شرطه فإن النبي A قال [ من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ] فلو قال بعضهامقتصرا عليه لم يستحق العقوبة وقال [ من أحيى أرض ميتة فهي له ] فلو شرع في الاحياء لم تكن له ولوقال في المسابقة : من سبق إلى خمس إصابات فهو سابق فسبق إلى أربع لم يكن سابقا ولو قال : من رد ضالتي فله دينار فشرع في ردها لم يستحق شيئا فكيف يخالف موضوعات الشرع واللغة بغير دليل وإنما الذي جاء عن احمد في الأيمان فيمن حلف لا يفعل شيئا ففعل بعضه يحنث لأن اليمين على الترك يقصد بها المنع فنزلت منزلة النهي والنهي عن الفعل شيء يقتضي المنع من بعضه بخلاف تعليق المشروط على الشرط والله أعلم .
القسم الثاني : صفة جمعت معاوضة وصفة المغلب فيها حكم المعاوضة وهي الكتابة الصحيحة فهي متساوية للصفة المحضة في العتق بوجودها وأنه لا يجب عليه قيمة نفسه وأن الولاء لسيده وتخالفها في أنه لو أبرأه السيد مع المال منه وعتق لأن ذمته مشغولة به فبرئ منه بإبرائه كثمن المبيع أولا ينفسخ بموت السيد ولا بيع المكاتب ولا هبته لأنه عقد معاوضة لازم أشبه البيع وما كسبه قبل الأداء فهو له وما فضل في يده بعد الأداء فهو له وولد المكاتبة الذين ولدتهم في الكتابة يعتقون بعتقها .
القسم الثالث : صفة فيها معاوضة والمغلب فيها حكم الصفة وهي الكتابة الفاسدة نحو الكتابة على مجهول أو نجم واحد مع إخلال شرط من شروط الكتابة فتساوي الصفة المحضة في أنه لا يعتق بالأداء لأنه عتق معلق على شرط ولا تلزمه قيمة نفسه ولا يبطل بجنون المكاتب ولا الحجر عليه لأن الحجر للرق لا يمنع صحته كتابته فلا يقضي حدوثه إبطالها وإن أدى حال جنونه عتق لأن الصفة وجدت .
وقال أبو بكر : لا يعتق بذلك ويفارقهما في أن السيد فسخها ورفعها لأنها فاسدة والفاسد يشرع رفعه وإزالته ويفارق الكتابة الصحيحة في أنها تبطل بموت السيد وجنونه والحجر عليه لسفه لأنه عقد جائز من جهته فبطل بهذه الأمور كالوكالة والمضاربة وقد قال أحمد : إذا وسوس فهو بمنزلة الموت وهذا قول القاضي وقال أبو بكر : لا تبطل بشيء من ذلك لأنه عقد كتابة فلم يبطل بذلك كالصحيحة وتفارق الصفة المحضة في أن كسب العبد قبل الأداء له وما فضل في يده بعد الأداء فهو له دون سيده ويتبع المكاتبة ولدها حملا لها على الكتابة الصحيحة في أحد الوجهين فيهما وفي الآخر لا يستحق كسبه ولا يتبع المكاتبة ولدها لأن العتق حصل بالصفة لا بالكتابة بمحرم كالخمر والخنزير فقال القاضي : هي كتابة فاسدة حكمها حكم ما ذكرنا ويعتق فيها الأداء وقال أبو بكر لا يعتق فيها بالأداء وهو ظاهر كلام أحمد في رواية الميموني إذا كاتبه كتابة فاسدة فأدى ما كوتب عليه عتق ما لم تكن الكتابة محرمة وينبغي أن يقال أن علق العتق على أداء المحرم عتق به كما لو علق العتق على السرقة وشرب الخمر وإن قال : كاتبتك على خمر لم يعتق بأدائه كقول أبي بكر والله أعلم