حكم لو كانت الدابة في يد لهما وقدم كل واحد بينة .
مسألة قال ولو كانت الدابة في أيديهما فأقام أحدهما البينة أنها له وأقام الآخر البينة أنها له نتجت في ملكه سقطت البينتان وكانا كمن لا بينة لهما وكانت اليمين لكل واحد منهما على صاحبه في النصف المحكوم له به .
وجملته أنه إذا تنازع رجلان في عين في أيدهما فادعى كل واحد منهما أنها ملكه دون صاحبه ولم تكن لهما بينة حلف كل واحد منهما لصاحبه وجعلت بينهما نصفين لا نعلم في هذا خلافا لأن يد كل واحد منهما على نصفها والقول قول صاحب اليد مع يمينه وإن نكلا جميعا عن اليمين فهي بينهما أيضا لأن كل واحد منهما يستحق ما في يد الآخر بنكوله وإن نكل أحدهما وحلف الآخر قضي له بجميعها لأنه يستحق ما في يده بيمينه وما في يد صاحبه إما بنكوله وإما بيمينه التي ردت عليه عند نكول صاحبه وإن كانت لأحدهما بينة دون الآخر حكم له بها لا نعلم في هذا خلافا وإن أقام كل واحد منهما بينة وتساوتا تعارضت البينتان وقسمت العين بينهما نصفين وبهذا قال الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي لما روى أبو موسى Bه [ أن رجلين اختصما إلى رسول الله A في بعير فأقام كل واحد منهما شاهدين فقضى رسول الله A بالبعير بينهما نصفين ] رواه أبو داود ولأن كل واحد منهما داخل في نصف العين خارج عن نصفها فتقدم بينة كل واحد منهما فيما في يده عند من يقدم بينة الداخل وفيما في يد صاحبه عند من يقدم بينة الخارج فيستويان على كل واحد من القولين .
وذكر أبو الخطاب فيها رواية أخرى أنه يقرع بينهما فمن خرجت قرعته حلف أنه لا حق للآخر فيها وكانت العين له كما لو كانت في يد غيرهما والأول أصح للخبر والمعنى واختلفت الرواية هل يحلف كل واحد منهما على النصف المحكوم له به أو يكون له من غير يمين فروي أنه يحلف وهذا ذكره الخرقي لأن البينتين لما تعارضتا من غير ترجيح وجب إسقاطهما كالخبرين إذا تعارضا وتساويا وإذا سقطا صار المختلفان كمن لا بينة لهما ويحلف كل واحد منهما على النصف المحكوم له به وهذا أحد قولي الشافعي بناء على أن اليمين تجب على الداخل مع بينته وكل واحد منهما داخل في نصفها فيحكم له به ببينته ويحلف معها في أحد القولين والرواية الأخرى أن العين تقسم بينهما من غير يمين وهو قول مالك و أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وهو أصح للخبر والمعنى الذي ذكرناه ولا يصح قياس هاتين البينتين على الخبرين المتساويين لأن كل بينة راجحة في نصف العين على كل واحد من القولين وقد ذكرنا أن البينة الراجحة يحكم بها من غير حاجة إلى يمين فأما إن شهدت إحدى البينتين بأن العين لهذا وشهدت الأخرى أنها لهذا الآخر نتجت في ملكه فقد ذكرنا الترجيح بهذا روايتين : إحداهما : لا يرجح به وهو اختيار الخرقي لأنهما تساويا في ما يرجع إلى المختلف فيه وهو ملك العين الآن فوجب تساويهما في الحكم والثانية : تقدم بينة النتاج وما في معناه وهو مذهب أبي حنيفة لأنها تتضمن زيادة علم وهو معرفة السبب والأخرى خفي عليها ذلك فيحتمل أن تكون شهادتهما مستندة إلى مجرد اليد والتصرف فتقدم الأولى عليها كتقدم بينة الجرح على التعديل وهذا قول القاضي فيما إذا كانت العين في يد غيرهما .
فصل : فإن شهدت إحداهما أنها له منذ سنة وشهدت الأخرى أنها له منذ سنتين فظاهر كلام الخرقي التسوية بينهما وهو أحد قولي الشافعي وقال القاضي : قياس المذهب تقديم أقدمهما تاريخا وهو قول أبي حنيفة والقول الثاني للشافعي لأن المتقدمة التاريخ أثبت الملك له في وقت لم تعارضه فيه البينة الأخرى فيثبت الملك فيه ولهذا له المطالبة بالنماء في ذلك الزمان وتعارضت البينتان في الملك في الحال فسقطتا وبقي ملك السابق تجب استدامته وأن لا يثبت لغيره ملك إلا من جهته ووجه قول الخرقي أن الشاهد بالملك الحادث أحق بالترجيح لجواز أن يعلم به دون الأول ولهذا لو ذكر أنه اشتراه من الآخر أو وهبه له لقدمت بينته اتفاقا فإذا لم يرجح بهذا فلا أقل من التساوي وقولهم أنه يثبت الملك في الزمن الماضي من غير معارضة قلنا إنما يثبت تبعا لثبوته في الحال ولو انفرد بأن يدعي الملك في الماضي لم تسمع دعواه ولا بينته إن وقتت إحداهما وأطلقت الأخرى فهما سواء ذكره القاضي : وقال أبو الخطاب : يحتمل أن يحكم به لمن لم يوقت وهو قول أبي يوسف و محمد .
ولنا أنه ليس في إحداهما ما يقتضي الترجيح من تقديم الملك ولا غيره فوجب استواؤهما كما لو أطلقتا أو استوى تاريخهما .
فصل : ولا ترجح إحدى البينتين بكثرة العدد ولا اشتهار العدالة وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي ويتخرج أن ترجح بذلك مأخوذا من قول الخرقي ويتبع الأعمى أوثقهما في نفسه وهذا قول أبي حنيفة و مالك لأن أحد الخبرين يرجح بذلك فكذلك الشهادة لأنها خبر ولأن الشهادة إنما اعتبرت لغلبة الظن بالمشهود به وإذا كثر العدد أو قويت العدالة كان الظن به أقوى وقال الاوزاعي : يقسم على عدد الشهود فإذا شهد لأحدهما شاهدان وللآخر أربعة قسمت العين بينهما أثلاثا لأن الشهادة سبب الاستحقاق فيوزع الحق عليها .
ولنا أن الشهادة مقدرة بالشرع فلا تختلف بالزيادة كالدية وتخالف الخبر فأنه مجتهد في قبول خبر الواحد دون العدد فرجح بالزيادة والشهادة يتفق فيها على خبر الاثنين فصار الحكم متعلقا بهما دون اعتبار الظن ألا ترى أنه لو شهد النساء منفردات لا تقبل شهادتهن وإن كثرن حتى صار الظن بشهادتهن أغلب من شهادتين من شهادة الذكرين ؟ وعلى هذا لا ترجح شهادة الرجلين على شهادة الرجل والمرأتين في المال لأن كل واحدة من البينتين حجة في المال فإذا اجتمعتا تعارضتا فإما إن كان لأحدهما شاهدان وللآخر شاهد فبذل يمينه معه ففيه وجهان .
أحدهما : يتعرضان لأن كل واحد منهما حجة بمفرده فأشبها الرجلين مع الرجل والمرأتين .
والثاني : يقدم الشاهدان لأنهما حجة متفق عليها والشاهد واليمين مختلف فيهما ولأن اليمين قوله لنفسه والبينة الكاملة شهادة الأجنبيين فيجب تقديمها كتقديمها على اليمين المنكر وهذا الوجه أصح إن شاء الله و للشافعي قولان كالوجهين