فيما لو غير العدل شهادته .
مسألة : قال : وإذا غير العدل شهادته بحضرة الحاكم فزاد فيها ونقص قبلت منه ما لم يحكم بشهادته .
وهذا مثل أن يشهد بمائة ثم يقول : هي مائة وخمسين أو يقول بل هي تسعون فإنه يقبل منه رجوعه ويحكم بما شهد به أخيرا وبهذا قال أبو حنيفة و الثوري و سليمان بن حبيب المحاربي و إسحاق وقال الزهري : لا تقبل شهادته الأولى ولا الآخرة لأن كل واحدة منهما ترد الأخرى وتعارضها ولأن الأولى مرجوع عنها والثانية غير موثوق بها لأنها من مقر بغلطه وخطأه في شهادته فلا يؤمن أن يكون في الغلط كالأولى وقال مالك : يؤخذ بأقل قوليه لأنه أدى الشهادة وهو غير متهم فلم يقبل رجوعه عنها كما لو اتصل بها الحكم .
ولنا أن شهادته الآخرة من عدل غير متهم لم يرجع عنها فوجب الحكم بها كما لو لم يتقدمها ما يخالفها ولا تعارضها الأولى لأنها قد بطلت برجوعه عنها ولا يجوز الحكم بها لأنها شرط الحكم فيعتبر استمرارها إلى انقضائه ويفارق رجوعه بعد الحكم لأن الحكم قد تم باستمرار شرطه فلا ينقض بعد تمامه .
فصل : وإن شهد بألف ثم قال قبل الحكم قضاه منه خمسمائة فسدت شهادته ذكره أبو الخطاب فقال : إذا شهد أن عليه ألفا ثم قال أحدهم قضاه منه خمسمائة بطلت شهادته وذلك أنه شهد بأن الألف جميعه عليه وإذا قضاه خمسمائة لم تكن الألف كله عليه فيكون كلامه متناقضا فتفسد شهادته وفارق هذا ما لو شهد بألف ثم قال بل بخمسمائة لأن ذلك رجوع عن الشهادة بخمسمائة وإقرار بغلط نفسه وهذا لا يقول هذا على سبيل الرجوع والمنصوص عن أحمد أن شهادته تقبل بخمسمائة فإنه قال : إذا شهد بألف ثم قال أحدهما قبل الحكم : قضاه منه خمسمائة أفسد شهادته والمشهود له ما اجتمعا عليه وهو خمسمائة فصحح شهادته في نصف الألف الباقي وأبطلها في النصف الذي ذكر أنه قضاه لأن ذلك بمنزلة الرجوع عن الشهادة به فأشبه ما لو قال : أشهد بألف بل خمسمائة .
قال أحمد ولو جاء بعد هذا المجلس فقال : أشهد أنه قضاه منه خمسمائة لم يقبل منه لأنه قد أمضى الشهادة فهذا يحتمل أنه أراد إذا جاء بعد الحكم فشهد بالقضاء لم يقبل منه لأن الألف قد وجب بشهادتهما وحكم الحاكم ولا تقبل شهادته بالقضاء لأنه لا يثبت بشاهد واحد فأما إن شهد أنه أقرضه ألفا ثم قال : قضاه منه خمسمائة قبلت شهادته في باقي الألف وجها واحدا لأنه لا تناقض في كلامه ولا اختلاف