إذا شهد الشهود واختلفت شهادتهم .
مسألة : قال : إذا شهد شاهد بألف وآخر بخمسمائة حكم لمدعي الألف بخمسمائة وحلف مع شاهده على الخمسمائة الأخرى إن أحب .
وجملة ذلك أنه إذا شهد أحد الشاهدين بشيء وشهد الآخر ببعضه صحت الشهادة وثبت ما اتفقا عليه وحكم به وهذا قول شريح و مالك و الشافعي و ابن أبي ليلى و أبي يوسف و محمد و إسحاق و أبي عبيد وحكي عن الشعبي أنه شهد عنده رجلان وشهد أحدهما أنه طلقها تطليقه وشهد الآخر أنه طلقها تطليقتين فقال قد اختلفتما قوما وحكي عن أبي حنيفة أنه شهد شاهد أنه أقر بألف وشهد آخر أنه أقر بألفين لم تصح الشهادة لأن الإقرار بالألف غير الإقرار بالألفين فلم يشهد بكل إقرار إلا واحد .
ولنا أن الشهادة قد كملت فيما اتفقا عليه فحكم به كما لو لم يزد أحدهم على صاحبه وما ذكره من أن كل إقرار إنما يشهد به واحد يبطل بما إذا شهد أحدهما أنه اقر بألف غدوة وشهد الآخر أنه أقر بألف عشيا فإن الشهادة تكمل مع أن كل إقرار إنما يشهد به واحد فأما ما انفرد به أحدهما فإن للمدعي أن يحلف معه ويستحق وهذا قول من يرى الحكم بشاهد ويمين وهذا فيما إذا أطلق الشهادة أو لم تختلف الأسباب والصفات فأما إن اختلفت مثل أن يشهد شاهد بألف من قرض وشاهد بخمسمائة من ثمن مبيع ويشهد شاهد بألف بيض وآخر بخمسمائة سود أو يشهد شاهد بألف دينار والآخر بخمسمائة درهم لم تكمل البينة وكان له أن يحلف مع كل واحد منهما ويستحقها ويحلف مع أحدهما ويستحق ما شهد به .
فصل : فإن شهد له الشاهدان ويحلف وشاهدان بخمسمائة ولم تختلف الأسباب والصفات دخلت الخمسمائة في الألف ووجب له بالشهادتين مائة وإن اختلفت الأسباب والصفات وجب له الألف والخمسمائة ولم يدخل أحدهما في الآخر لأنهما مختلفان .
فصل : وإن شهد له شاهد أنه باعه هذا العبد بألف وشهد آخر أنه باعه إياه بخمسمائة لم تكمل البينة لاختلافهما في صفة البيع وله أن يحلف مع أحدهما ويثبت له ما حلف عليه وإن شهد له بكل عقد شاهدان ثبت البيعان وإن أضاف البيع إلى وقت واحد مثل أن يشهد أنه باعه هذا العبد مع الزوال بألف وشهد آخر أنه باعه إياه مع الزوال بخمسمائة تعارضت البينتان وسقطتا لأنه لا يمكن اجتماعهما وكل بينة تكذب الأخرى وإن شهد بكل واحد من هذين شاهد واحد كان له أن يحلف مع أحدهما ولا يتعارضان لأن التعارض إنما يكون بين البينتين الكاملتين .
فصل : وإن شهد أحدهما أنه غصبه ثوبا قيمته درهمان وشهد آخر أن قيمته ثلاث ثبت له ما اتفقا عليه وهو درهمان وله أن يحلف مع الآخر على درهم لأنهما اتفقا على درهمين وانفرد أحدهما بدرهم فأشبه ما لو شهد أحدهما بألف وآخر بخمسمائة وإن شهد شاهدان أن قيمته درهمان وشاهدان أن قيمته ثلاثة ثبت له درهمان وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : له ثلاثة لأنه قد شهد بها شاهدان وهما حجة فيجب الأخذ بهما كما يؤخذ بالزيادة في الأخبار وكما لو شهد له شاهدان بألف وشاهدان بألفين فإنه يجب له ألفان قال القاضي : ويتوجه لنا مثل هذا بناء على مسألة الألف وخمسمائة .
ولنا أن من شهد أن قيمته درهمان ينفي أن تكون قيمته ثلاثة فقد تعارضت البينتان في الدرهم وتخالف الزيادة في الأخبار فإن من يروي الناقص لا ينفي الزيادة وكذلك من شهد بألف لا ينفي أن عليه ألفا آخر فإن قيل فلم قلتم إنه إذا شهد بكل واحد من القيمتين شاهدان تعارضتا وإن شهد واحد لم تتعارضا وكان له أن يحلف مع الشاهد بالزيادة عليها ؟ قلنا : لأن الشاهدين حجة وبينة فإذا كملت من الجانبين تعارضت الحجتان لتعذر الجمع بينهما وأما الشاهد الواحد فليس بحجة وحده إنما يصير حجة مع يمين فإذا حلف مع أحدهما كملت الحجة بيمينه ولم يعارضهما ما ليس بحجة كما لو شهد بأحدهما شاهدان وبالآخر شاهد واحد