في الشهادة .
مسألة : قال : وإن كان محكوما به عبدا أو أمة غرما قيمته .
أما إذا شهد بالعبد أو الأمة لغير مالكه فالحكم في ذلك كالحكم في الشهادة بالمال على ما ذكرنا من الخلاف فيه لأنها من جملة المال وإن شهدا بحريتهما ثم رجعا عن الشهادة لزمهما غرامة قيمتها لسيدهما بغير خلاف بينهم فيه فإن المخالف في التي قبلها هو الشافعي وقد وافق ههنا وهو حجة عليه فيما خالف فيه فإن إخراج العبد عن يد سيده بالشهادة بحريته كإخراجه عنها بالشهادة به لغير مالكه فإذا لزمه الضمان ثم لزمه ههنا وغرما القيمة لأن العبيد من المتقومات لا من ذوات الأمثال .
فصل : وإن شهدوا بطلاق امرأتين تبين به فحكم الحاكم بالفرقة ثم رجع عن الشهادة وكان قبل الدخول فالواجب عليهما نصف المسمى وبهذا قال أبو حنيفة .
وقال الشافعي في أحد قوليه : يجب مهر المثل لأنهما أتلفا عليه البضع فلزمهما عوضه وهو مهر المثل وفي القول الآخر لزمهما نصف مهر المثل لأنه إنما ملك نصف البضع بدليل إنما يجب عليه نصف المهر .
ولنا أن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم بدليل ما أخرجته من ملكه بردتها أو إسلامها أو قتلها نفسها فإنها لا تضمن شيئا ولو فسخت نكاحها قبل الدخول برضاع من ينفسخ به نكاحها لم يغرم شيئا وإنما وجب عليهما نصف المسمى لأنهما ألزماه للزوج بشهادتهما وقراره عليه فرجع عليهما كما يرجع به عل من فسخ نكاحه برضاع أو غيره .
وقوله أنه ملك نصف البضع غير صحيح فإن البضع لا يجوز تمليك نصفه ولأن العقد ورد على جميعه والصداق واجب جميعه ولهذا تملكه المرأة إذا قبضته ونماءه لها وتملك طلبه إذا لم تقبضه وإنما يسقط نصفه بالطلاق وأما إن كان الحكم بالفرقة بعد الدخول فلا ضمان عليهما وبه قال أبو حنيفة .
وعن أحمد رواية أخرى عليهما ضمان المسمى في الصداق لأنهما فوتا عليه نكاحا وجب عليه به عوض فكان عليهما ضمان ما وجب به كما لو شهدا بذلك قبل الدخول .
وقال الشافعي : يلزمهما له مهر المثل لأنهما أتلفا البضع عليه وقد سبق الكلام معه في هذا ولا يصح القياس على ما قبل الدخول لأنهما قررا عليه نصف المسمى وكان بعرض السقوط وههنا قد تقرر المهر كله بالدخول فلم يقررا عليه شيئا ولم يخرجا من ملكه متقوما فأشبه ما لو أخرجنا من ملكه بقتلها أو أخرجته هي بردتها .
فصل : وإن شهدا على المرأة بنكاح فحكم به الحاكم ثم رجعا نظرت فإن طلقها الزوج قبل دخوله بها لم يغرما شيئا لأنهما لم يفوتا عليهما شيئا وإن دخل بها وكان الصداق المسمى بقدر مهر المثل أو أكثر منه ووصل إليها فلا شيء عليهما لأنها أخذت عوض ما فوتاه عليها وإن كان دونه فعليهما ما بينهما وإن لم يصل إليهما فعليهما ضمان مهر مثلها لأنه عوض ما فوتاه عليها .
فصل : وإن شهدا بكتابة عبده ثم رجعا نظرت فإن عجز ورد في الرق فلا شيء عليهما فإن أدى وعتق فعليهما ضمان جميعه لأنهما فوتاه عليه بشهادتهما ويحتمل أن يلزمهما ما بين قيمته وما قبضه من كتابته والأول لأن ما قبضه من كسب عبده فلا يحسب عليه وإن أراد تغريمهما بشهادتهما ويحتمل أن يلزمهما قبل انكشاف الحال فينبغي أن يغرمهما ما بين قيمته سلميا و مكاتبا وإن شهدا باستيلاد أمته ثم رجعا فينبغي أن يرجع عليهما بما نقصتها الشهادة من قيمتها وإن عتقت بموته رجع الورثة بما بقي من قيمتها .
فصل : وكل موضع وجب الضمان على الشهود بالرجوع وجب أن يوزع بينهم على عددهم قلوا أو أكثروا قال أحمد : في رواية إسحاق بن منصور : إذا شهد بشهادة ثم رجع وقد أتلف مالا فإنه ضامن بقدر ما كانوا في الشهادة فإن كانوا اثنين فعليه النصف وإن كانوا ثلاثة فعليه الثلث وعلى هذا لو كانوا عشرة فعليه العشر وسواء رجع وحده أو رجعوا جميعا وسواء رجع الزائد عن القدر الكافي في الشهادة أو من ليس بزائد فلو شهد أربعة بالقصاص فرجع واحد منهم وقال : عمدنا قتله فعليه القصاص وإن قال : أخطأنا فعليه ربع الدية وإن رجع اثنان فعليهما القصاص أو نصف الدية وإن شهد ستة بالزنا على محصن فرجم بشهادتهم ثم رجع واحد فعليه القصاص أو سدس الدية وإن رجع اثنان فعليهما القصاص أو ثلث الدية وبهذا قال أبو عبيد وقال أبو حنيفة : إن رجع واحد أو اثنان فلا شيء عليهما لأن بينة الزنا قائمة فدمه غير محقون وإن رجع ثلاثة فعليهم ربع الدية وإن رجع أربعة فعليهم نصف الدية وإن رجع خمسة فعليهم ثلاثة أرباعها وإن رجع الستة فعلى كل واحد منهم سدسها ومنصوص الشافعي فيما إذا رجع اثنان كمذهب أبي حنيفة واختلف وأصحابه فيما إذا شهد بالقصاص ثلاثة فرجع أحدهم فقال أبو إسحاق لا قصاص عليه لأن بينة القصاص قائمة وهل يجب عليه ثلث الدية ؟ على وجهين قال ابن الحداد : عليه القصاص وفرق بينه وبين الراجع من شهود الزنا إذا كان زائدا فإن دم المشهود عليه بالزنا غير محقون وهذا دمه محقون وإنما أبيح دمه لولي القصاص وحده واختلفوا فيما إذا شهد بالمال ثلاثة فرجع أحدهم على وجهين : أحدهما : يضمن الثلث والثاني : لا شيء عليه .
ولنا أن الإتلاف حصل بشهادتهم فالراجع مقر بالمشاركة فيه عمدا عدوانا لمن هو مثله في دلك فلزمه القصاص كما لو أقر بمشاركتهم في مباشرة قتله ولأنه أحد من قتل المشهود عليه بشهادته فأشبه الثاني من شهود القصاص والرابع من شهود الزنا ولأنه أحد من حصل الإتلاف بشهادته فلزمه من الضمان بقسطه كما لو رجع الجميع ولأن ما تضمنه كل واحد مع اتفاقهم على الرجوع يضمنه إذا انفرد بالرجوع كما لو كانوا أربعة وقولهم : إن دمه غير محقون غير صحيح فإن الكلام فيما إذا قتل ولم يبق له دم بحقن ولا عدمه وقيام الشهادة لا يمنع وجوب القصاص كما لو شهدت لرجل باستحقاق القصاص فاستوفاه ثم أقر بأنه قتله ظلما وأن الشهود شهدوا بالزور والتفريق بين القصاص والرجم بكون دم القاتل غير محقون لا يصح لأنه غير محقون بالنسبة إلى من قتله ولأن كل واحد مؤاخذ بإقراره ولا يعتبر قول شريكه ولهذا لو أقر أحد الشريكين بعمدهما وقال الآخر : أخطأنا وجب القصاص على المقر بالعمد .
فصل : وإذا حكم الحاكم في المال بشهادة رجل وامرأتين ثم رجعوا عن الشهادة توزع الضمان عليهم على الرجل نصفه وعلى كل امرأة ربعه وإن رجع أحدهم وحده فعليه من الضمان حصته وإن كان الشهود رجلا وعشرة نسوة فرجعوا فعلى الرجل السدس وعلى امرأة نصف السدس وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي لأن كل امرأتين كرجل فالعشر كخمسة رجال ويحتمل أن يجب عليهن النصف وعلى الرجل النصف وبهذا قال أبو يوسف و محمد لأن الرجل نصف البينة بدليل أنه لو رجع وحده قبل الحكم كان كرجوعهن فيكون الرجل حزبا والنساء حزبا فإن رجع بعض النسوة وحده أو الرجل فعلى الراجع مثل ما عليه إذا رجع الجميع وعند أبي حنيفة وأصحابه متى رجع من النسوة ما زاد على اثنين فليس على الراجعات شيء وقد مضى الكلام معهم في هذا .
فصل : وإذا شهد أربعة بأربعمائة فحكم الحاكم بها ثم رجع واحد عن مائة وآخر عن مائتين والثالث عن ثلاثمائة والرابع عن أربعمائة فعلى كل واحد مما رجع عنه بقسطه فعلى الأول خمسة وعشرون وعلى الثاني خمسون وعلى الثالث خمسة وسبعون وعلى الرابع مائة لأن كل واحد منهم مقر بأنه فوت على المشهود عليه ربع ما رجع عنه ويقتضي مذهب أبي حنيفة أن لا يلزم الراجع عن الثلاثمائة لو الأربعمائةأكثر من خمسين خمسين لأن المائتين لاتلزم الراجع عن الثلاثمائة لأن المائتين التي رجعا عنهما قد بقي بها شاهدان .
فصل : وإذا شهد أربعة بالزنا واثنان بالإحصان فرجم ثم رجعوا عن الشهادة فالضمان على جميعهم وقال أبو حنيفة : لا ضمان على شهود الإحصان لأنهم شهدوا بشرط دون السبب الموجب للقتل وإنما يثبت ذلك بشهادة الزنا ولأصحاب الشافعي وجهان كالمذهبين .
ولنا أن قتله حصل بمجموع الشهادتين فتجب الغرامة على الجميع كما لو شهدوا جميعهم بالزنا وفي كيفية الضمان وجهان .
أحدهما : يوزع على عدد رؤوسهم كشهود الزنا لأن القتل حصل من جميعهم والثاني : على شهود الزنا النصف وعلى شهود الإحصان النصف لأنهم حزبان فلكل حزب نصف فإن شهد أربعة بالزنا واثنان منهم بالإحصان ثم رجعوا فعلى الوجه الأول على شاهدي الإحصان الثلثان وعلى الآخران الثلث لأن على شاهدي الإحصان الثلث لشهادتهما به والثلث لشهادتهما بالزنا وعلى الآخرين الثلث لشهادتهما بالزنا وحده .
وعلى الوجه الثاني على شهود الإحصان ثلاثة أرباع الدية لأن عليهما النصف لشهادتهما بالإحصان ونصف الباقي لشهادتهما بالزنا ويحتمل أن لا يجب على شاهدي الإحصان إلا النصف لأن كل واحد منهما جنى جنايتين وجنى كل واحد من الآخرين جناية واحدة فكانت الدية بينهم على عدد رؤوسهم لا على عدد جناياتهم كما لو قتل اثنان واحدا جرحه أحدهما جرحا والآخر جرحين .
فصل : وإذا شهد شاهدان أنه أعتق هذا العبد على ضمان مائة درهم وقيمة العبد مائتان فحكم الحاكم بشهادتهما ثم رجعا رجع السيد على الشاهدين بمائة لأنه تمام القيمة وكذلك لو شهدا على رجل أنه طلق زوجته قبل الدخول على مائة ونصف المسمى مائتان غرما للزوج مائة لأنهما فوتاها بشهادتهما المرجوع عنها .
فصل : وإذا شهد رجلان على رجل بنكاح امرأة بصداق ذكراه وشهد آخران بدخوله بها ثم رجعوا بعد الحكم عليه بصداقها فعلى شهداء النكاح الضمان لأنهم ألزموه المسمى ويحتمل أن يكون عليهم النصف وعلى الآخرين النصف لأنهما قرراه وشاهدا النكاح أوجباه فقسم بين الأربعة أرباعا وإن شهد مع هذا شاهدان بالطلاق لم يلزمهم شيء لأنهما لم يفوتا عليه شيئا يدعيه ولا أوجبا عليه ما لم يكن عليه واجبا .
فصل : وإن شهد شاهدا فرع على شاهدي أصل فحكم الحاكم بشهادتهما ثم رجع شاهدا الفرع فعليهما الضمان لا أعلم بينهم في ذلك خلافا وإن رجع شاهدا الأصل وحدهما لزمهما الضمان أيضا وبه قال الشافعي و محمد بن الحسن .
وحكى أبو الخطاب عن القاضي أنه لا ضمان عليهما وهو قول أبي حنيفة و أبي يوسف لأن الحكم تعلق بشهادة شاهدي الفرع بدليل أنهما شهادة جعلا شاهدي الأصل شهادة فلم يلزم شاهدي الأصل ضمان لعدم تعلق الحكم بشهادتهما ولنا أن الحق ثبت بشهادة شاهدي الأصل بدليل اعتبار عدالتهما فإذا رجعا ضمنا كشاهدي الفرع .
فصل : وإذا حكم الحاكم بشاهد ويمين فرجع الشاهد غرم جميع المال ونص عليه أحمد في رواية جماعة وقال مالك و الشافعي : يلزمه النصف لأنه أحد حجتي الدعوى فكان عليه النصف كما لو كانا شاهدين .
ولنا أن الشاهد حجة الدعوى فكان الضمان عليه كشاهدين يحققه أن اليمين قول الخصم وقول الخصم ليس بحجة وإنما هو شرط الحكم فجرى مجرى مطالبته الحاكم بالحكم وبهذا ينفصل عما ذكروه ولو سلمنا أنها حجة لكن إنما جعلها حجة شهادة الشاهد ولهذا لم يجز تقديمها على شهادته بخلاف شهادة الشاهد الآخر قال أبو الخطاب : ويتخرج أن لا يلزمه إلا النصف المحكوم به إذا قلنا ترد اليمين على المدعي .
فصل : وإذا رجعوا عن الشهادة بعد الحكم وقالوا عمدنا ووجب عليهم القصاص لم يعزروا لأن القصاص يغني عن تعزيزهم وإن كان في مال عزروا وغرموا لأنهم جنوا جناية كبيرة وارتكبوا جريمة عظيمة وهي شهادة الزور ويحتمل أن لا يعزروا لأن رجوعهم توبة منهم فيسقط عنهم التعزير ولأن شرعية تعزيرهم تمنعهم الرجوع خوفا منه فلا يشرع وإن قالوا أخطأنا لم يعزروا لأن الله تعالى قال { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } هذا إن كان قولهم يحتمل الصدق في الخطأ وإن لم يحتمله عزروا ولم يقبل قولهم .
مسألة : قال : وإذا قطع الحاكم يد السارق بشهادة اثنين ثم بان أنهما كافران أو فاسقان كانت دية اليد في بيت المال .
وجملته أن الحاكم إذا حكم بشهادة اثنين في قطع أو قتل وأنفذ ذلك ثم بان أنهما كافران أو فاسقان أو عبدان أو أحدهم فلا ضمان على الشاهدين لأنهما مقيمان على أنهما صادقان فيما شهدا به وإنما الشرع منع قبول شهادتهما بخلاف الراجعين عن الشهادة فإنهما اعترفا بكذبهما ويجب الضمان على الحاكم أو الإمام الذي تولى ذلك لأنه حكم بشهادة من لا يجوز له الحكم بشهادته ولا قصاص عليه لأنه مخطئ وتجب الدية وفي محلها روايتان : .
إحداهما : في بيت المال لأنه نائب المسلمين ووكيلهم وخطأ الوكيل في حق موكله عليه ولأن خطأ الحاكم يكثر لكثرة تصرفاته وحكوماته فإيجاب ضمان ما يخطئ فيه على عاقلته إجحاف بهم فاقتضى ذلك التخفيف عنه بجعله في بيت المال ولهذا المعنى حملت العاقلة دية الخطأ عن القاتل .
والرواية الثانية : هي على عاقلته مخففة مؤجلة لما روى أن امرأة ذكرت عند عمر بسوء فأرسل إليها فأجهضت ذا بطنها فبلغ ذلك عمر فشاور الصحابة فقال بعضهم : لا شيء عليك إنما أنت مؤدب وقال علي : عليك الدية فقال عمر عزمت عليك لا تبرح حتى تقسمها على قومك يعني قريشا لأنهم عاقلة عمر ولو كانت في بيت المال لم يقسمها على قومه ولأنه من خطئه فتحمله عاقلته كخطئه في غير الحكومة و للشافعي قولان كالروايتين : فإذا قلنا أن الدية على عاقلته لم تحمل إلا الثلث فصاعدا ولا تحمل الكفارة لأن العاقلة لا تحمل الكفارة في محل الوفاق كذا ههنا وتكون الكفارة في ماله وإذا قلنا أنه في بيت المال فينبغي أن يكون فيه القليل والكثير لأن جعله في بيت المال لعله أنه نائب عنهم وخطأ النائب على مستنيبه وهذا يدخل يكثر خطؤه فجعل الضمان في ماله يجحف به وإن قال لكثرة تكرره وسواء تولى الحاكم الاستيفاء بنفسه أو أمر من تولاه قال أصحابنا : وإن كان الولي استوفاه فهو كما لو استوفاه الحاكم لأن الحاكم سلطه على ذلك ومكنه منه وللولي يدعي أنه حقه فإذا قيل إذا كان الولي استوفى حقه فينبغي أن يكون الضمان عليه كما لو حكم له بمال فقبضه ثم بان فسق شهوده كان الضمان على المستوفي دون الحاكم كذا هاهنا قلنا : ثم حصل في يد المستوفي مال المحكوم عليه بغير حق فوجب عليه رده أو ضمانه إن تلف وهاهنا لم يحصل في يده شيء وإنما أتلف شيئا بخطأ الإمام وتسليطه عليه فافترقا .
فصل : وإن شهد بالزنا أربعة فزكاهم اثنان ورجم المشهود عليه ثم بان أن الشهود فسقة أو عبيد أو بعضهم فلا ضمان على الشهود لأنهم يزعمون أنهم محقون ولم يعلم كذبهم يقينا والضمان على المزكين وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي وقال القاضي : الضمان على الحاكم لأنه حكم بقتله من غير تحقيق شرطه ولا ضمان على المزكين لأن شهادتهما شرط وليست الموجبة وقال أبو الخطاب في رؤوس المسائل : الضمان على الشهود الذين شهدوا بالزنا .
ولنا أن المزكين شهدوا بالزور شهادة أفضت إلى قتله فلزمهما الضمان كشهود الزنا إذا رجعوا ولا ضمان على الحاكم لأنه أمكن إحالة الضمان على الشهود فأشبه ما إذا رجعوا عن الشهادة وقوله إن شهادتهم شرط لا يصح لأن من أصلنا أن شهود الإحصان يلزمهم الضمان وإن لم يشهدوا بالسبب وقد نص عليه أحمد وقول أبي الخطاب لا يصح لأن شهود الزنا لم يرجعوا ولا علم كذبهم بخلاف المزكين فإنه تبين كذبهم وأنهم شهدوا بالزور وأما إن تبين فسق المزكين فالضمان على الحاكم لأن التفريط منه حيث قبل شهادة فاسق من غير تزكية ولا بحث فيلزمه الضمان كما لو قبل الشهادة شهود الزنا من غير تزكية ثم تبين فسقهم .
فصل : ولو جلد الإمام إنسانا بشهادة شهود ثم بان أنهم فسقة أو كفرة أو عبيد فعلى الإمام ضمان ما حصل من أثر الضرب وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفه : لا ضمان عليه .
ولنا أنها جناية صدرت عن خطأ الإمام فكانت مضمونة عليه كما لو قطعه أو قتله .
فصل : ولو حكم الحاكم بمال بشهادة شاهدين ثم بان أنهما فاسقان أو كافران فإن الإمام ينقض حكمه ويرد المال إن كان قائما وعوضه إن كان تالفا فإن تعذر ذلك لإعساره أو غيره فعلى الحاكم ضمانه ثم يرجع على المشهود له وعن أحمد رواية أخرى لا ينقض حكمه إذا كانا فاسقين ويغرم الشهود المال وكذلك الحكم إذا شهد عنده عدلان أن الحاكم قبله بشهادة فاسقين ففيه روايتان ولا يغرم الشهود المال وكذلك الحاكم إذا شهد واختلف أصحاب الشافعي فيه أيضا ولا خلاف بين الجميع في أنه ينقض حكمه إذا كانا كافرين وينقض حكم غيره إذا ثبت عنده أنه حكم بشهادة كافرين فقيس على ذلك ما إذا حكم بشهادة فاسقين فإن شهادة الفاسقين مجمع على ردها وقد نص الله تعالى على التبين فيها فقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا } وأمر بإشهاد العدول وقال { وأشهدوا ذوي عدل منكم } واعتبر الرضا بالشهداء فقال تعالى { ممن ترضون من الشهداء } فيجب نقض الحكم لفوات العدالة كما يجب نقضه لفوات الإسلام ولأن الفسق معنى لو ثبت عند الحاكم قبل الحكم منعه فإذا شهد شاهدان أنه كان موجودا حالة الحكم وجب نقض الحكم كالكفر والرق في العقوبات إذا ثبت هذا فإن أبا حنيفة قال لا يسمع الحاكم الشهادة بفسق الشاهدين لا قبل الحكم ولا بعده ومتى جرح المشهود عليه البينة لم تسمع بينته بالفسق ولكن يسأله عن الشاهدين ولا تسمع على الفسق شهادة لأن الفسق لا يتعلق به حق أحد فلا تسمع في الدعوى والبينة .
ولنا أنه معنى يتعلق الحكم به فسمعت فيه الدعوى والبينة كالتزكية وقوله لا يتعلق به حق أحد ممنوع فإن المشهود عليه يتعلق حقه بفسقه في منع الحكم عليه قبل الحكم ونقضه بعده وتبرئته من أخذ ماله أو عقوبته بغير حق فوجب أن تسمع فيه الدعوى والبينة كما لو ادعى رق الشاهدين ولم يدعه لنفسه ولأنه إذا لم تسمع البينة الفسق أدى إلى ظلم المشهود عليه لأنه يمكن أن لا يعرف فسق الشاهدين إلا شهود المشهود عليه فإذا لم تسمع شهادتهم وحكم عليه بشهادة الفاسقين كان ظالما له فأما إن قامت البينة أنه حكم بشهادة والدين أو والدين أو ولدين أو عدوين نظر في الحاكم الذي حكم بشهادتهما فإن كان ممن يرى الحكم به لم ينقض حكمه لأنه حكم باجتهاده فيما يسوغ فيه الاجتهاد ولم يخالف نصا ولا إجماعا وإن كان ممن لا يرى الحكم بشهادتهم نقضه لأن الحاكم به يعتقد بطلاته والفرق بين المال والإتلاف أن المال إن كان باقيا وجب رده إلى صاحبه لأن كل واحد أحق بماله وإن كان تالفا وجب ضمانه على آخذه لأنه أخذه بغير إذن صاحبه ولا استحقاق لأخذه أما الإتلاف فإنه لم يحصل به في يد المتلف شيء برده ولم يمكن تضمينه لأنه إنما أتلف بحكم الحاكم وتسليطه عليه وهو لا يقر بعداوته بل يقول استوفيت حقي ولم يثبت خلاف دعواه ولم يمكن تضمين الشهود لأنهم يقولون شهدنا بما علمنا وأخبرنا بما رأينا وسمعنا ولم نكتم شهادة الله تعالى التي لزمنا أداؤها ولم يثبت كذبهم فوجب إحالة الضمان على الحاكم لأنه حكم من غير وجود شرط الحكم ومكن من إتلاف المعصوم من غير بحث عن عدالة الشهود وكان التفريط منه فوجب إحالة الضمان عليه