في الشهادة على ما تظاهرت به الأخبار .
مسألة قال : وما تظاهرت به الأخبار واستقرت معرفته في قلبه شهد به كالشهادة على النسب والولادة .
هذا النوع الثاني من السماع وهو يعلمه بالاستفاضة وأجمع أهل العلم على صحة الشهادة بها في النسب والولادة قال ابن المنذر : أما النسب فلا أعلم أحدا من أهل العلم منع منه ولو منع ذلك لاستحالت معرفة الشهادة به إذ لا سبيل إلى معرفته قطعا بغيره ولا تمكن المشاهدة فيه ولو اعتبرت المشاهدة لما عرف أحد أباه ولا أمه ولا أحدا من أقاربه وقال : قال الله تعالى : { يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } واختلف أهل العلم فيما تجوز عليه الشهادة بالاستفاضة غير النسب والولادة فقال أصحابنا هو تسعة أشياء : النكاح والملك والمطلق والوقف ومصرفه والموت والعتق والولاء والولاية والعذل وبهذا قال أبو سعيد الاصطخري وبعض أصحاب الشافعي وقال بعضهم : لا تجوز في الوقف والولاء والعتق والزوجية لأن الشهادة ممكنة فيه بالقطع فإنها شهادة بعقد فأشبه سائرالعقود قال أبو حنيفة : لا تقبل إلا في النكاح والموت ولا تقبل في الملك المطلق لأنها شهادة بمال أشبه بالدين وقال صاحباه : يقبل في الولاء مثل عكرمة مولى ابن عباس .
ولنا أن هذه الأشياء تتعذر الشهادة عليها في الغالب بمشاهدتها أو مشاهدة أسبابها فجازت الشهادة عليها بالاستفاضة كالنسب قال مالك : ليس عندنا من يشهد على أحباس أصحاب رسول الله A إلا بالسماع وقال مالك : السماع في الأحباس والولاء جائز وقال أحمد في رواية المروذي : اشهد أن دار بختان لبختان وإن لم يشهدك وقيل له : تشهد أن فلانة امرأة فلان ولم تشهد النكاح ؟ فقال : نعم إذا كان مستفيضا فأشهد أقول إن فاطمة ابنة رسول الله A وإن خديخة وعائشة زوجاه وكل أحد يشهد بذلك من غير مشاهدة فإن قيل : يمكنه العلم في هذه الأشياء بمشاهدة السبب قلنا : وجود السبب لا يفيد العلم بكونه سببا يقينا فإنه يجوز أن يشتري ما ليس بملك البائع ويصطاد صيدا صاده غيره ثم انفلت منه وإن تصور ذلك فهو نادر وقول أصحاب الشافعي تمكن الشهادة في الوقف باللفظ لا يصح لأن الشهادة ليست بالعقود ههنا وإنما يشهد بالوقف الحاصل بالعقد فهو بمنزلة الملك وكذلك يشهد بالزوجية دون العقد وكذلك الحرية والولاء وهذه جميعها لا يمكن القطع بها كما لا يمكن القطع بالملك لأنها مترتبة على الملك فوجب أن تجوز الشهادة فيها بالاستفاضة كالملك سواء قال مالك : ليس عندنا من شهد على أحباس أصحاب رسول الله A إلا على السماع إذا ثبت هذا فكلام أحمد و الخرقي يقتضي أن لا يشهد بالاستفاضة حتى تكثر به الأخبار ويسمعه من عدد كثير يحصل به العلم لقول الخرقي فيما تظاهرت به الأخبار واستقرت معرفته في القلب يعني حاصل العلم به وذكر القاضي في المجرد أنه يكفي أن يسمع من أثنين عد لين ويسكن قلبه إلى خبرهما لأن الحقوق تثبت بقول اثنين وهذا قول المتأخرين من أصحاب الشافعي والقول الأول هو الذي يقتضيه لفظ الاستفاضة فأنها مأخوذة من فيض الماء لكثرته ولأنه لو اكتفي فيه بقول اثنين لا يشترط فيه ما يشترط في الشهادة على الشهادة وإنما اكتفي بمجرد السماع