فصول أحكام مختلفة في القسمة والمتقاسمين .
فصل : وعلى الامام أن يرزق القاسم من بيت المال لأن هذا من المصالح وقد روي أن عليا Bه اتخذ قاسما وجعل له رزقا من بيت المال فان لم يرزقه الامام قال الحاكم للمتقاسمين ادفعا الى القاسم أجرة ليقسم بينكما فان استأجره كل واحد منهما بأجر معلوم ليقسم نصيبه جاز وإن استأجروه جميعا اجارة ليقسم بينهم الدار بإجر واحد معلوم لزم كل واحد منهم من الأخر بقدر نصيبه من المقسوم وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يكون عليهم على عدد روؤسهم لأن عمله في نصيب أحدهما كعملة في نصيب الآخر سواء تساوت سهامهم أو اختلف فكان الأجر بينهم سواء .
ولنا أن أجر القسمة يتعلق بالملك فكان بينهم على قدر الاملاك كنفقة العبد وما ذكروه لا يصح لأن العمل في أبر النصيبين أكثر ألا ترى أن المقسوم لو كان مكيلا أو موزونا كان كيل الكثير أكثر عملا من كيل القليل ؟ وكذل الوزن والزرع وعلى أنه يبطل بالحافظ فان حفظ القليل والكثير سواء ويختلف أجره باختلاف المال .
فصل : وأجرة القسمة بينهما وإن كان أحدهما الطالب لها وبهذا قال أبو يوسف ومحمد و الشافعي وقال أبو حنيفة هي على الطالب للقمسة لأنها حق له .
ولنا أن الأجرة تجب بإفراز الأنصباء وهم فيها سواء فكانت الأجرة عليها كما لو تراضوا عليها .
فصل : وإذا ادعى أحد المتقاسمين غلظا في القسمة وأنه أعطي دون حقه نظرت فإن كانت قسمته تلزم بالقرعة ولا تقف على تراضيهما فالقول قول عليه مع يمينه ولا تقبل دعوى المدعى إلا ببينة عادلة فإن أقام شاهدين عدلين نقصت القسمة وأعيدت وإن لم تكن بينة وطلب يمين شريكه أنه لا فضل معه احلف له وإنما قدمنا قول المدعى عليه لأن الظاهر صحة القسمة وأداء الأمانة فيها وإن كانت مما لا تلزم إلا بالتراضي كالذي قسماه بأنفسهما ونحوه لم تسمع دعوى من ادعى الغلط هكذا قال أصحابنا وهو مذهب الشافعي لأنه قد رضي بذلك ورضاه بالزيادة في نصيب شريكه تلزمه والصحيح عندي أن هذه كالتي قبلها وأنه متى أقام البينة بالغلط نقضت القسمة لأن ما ادعاه محتمل ثبت ببينة عادلة فأشبه ما لو شهد على نفسه بقبض الثمن أو المسلم فيه ثم ادعى غلطا في كيله أو وزنه .
وقولهم أن حقه من الزيادة سقط برضاه لا يصح فإنه إنما يسقط مع علمه أما إذا ظن أنه أعطي حقه فرضي بناء على هذا ثم بان له الغلط فلا يسقط به حقه كالثمن والمسلم فيه فإنه لو قبض المسلم فيه بناء على أنه عشرة مكاييل راضيا بذلك ثم ثبت أنه ثمانية أو ادعى المسلم إليه أنه غلط فأعطاه اثني عشر وثبت ذلك ببينة لم يسقط حق واحد منهما بالرضا ولا يمنع سماع دعواه وبينته ولأن المدعى عليه في مسألتنا لو أقر بالغلط لنقضت القسمة ولو سقط حق المدعي بالرضا لما نقضت القسمة بإقراره كما لو وهبه الزائد وقد ذكر أصحابنا وغيرهم فيمن باع دارا على أنها عشرة أذرع فبانت تسعة أو أحد عشر أن البيع باطل في أحد الوجهين وفي الآخر تكون الزيادة للبائع والنقص عليه والبيع إنما يلزم بالتراضي فلو كان التراضي يسقط حقه من الزيادة لسقط حق البائع من الزيادة وحق المشتري من النقص والله أعلم .
ولأن من رضي بشيء بناء على ظن تبين خلافه لم يسقط به حقه كما لو اقتسما شيئا وتراضيا به ثم بان نصيب أحدهما مستحقا فإن قيل : فلم لا تعطي المظلوم حقه في هاتين المسألتين ولا تنقض القسمة كما لو تبين الغلط في الثمن أو المسلم فيه قلنا لأن الغلط ههنا في نفس القسمة بتفويت شرط من شروطها وهو تعديل السهام فتبطل لفوات شرطها وفي المسلم والثمن الغلط في القبض دون العقد فإن العقد قد تم بشروطه فلا يؤثر الغلط في قبض عوضه في صحته بخلاف مسألتنا .
فصل : إذا اقتسم الشريكان شيئا فبان بعضه مستحقا نظرت فإن كان معينا في نصيب أحدهما بطلت القسمة وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا تبطل بل يخير من ظهر المستحق في نصيبه بين الفسخ والرجوع بما بقي من حقه كما لو وجد عيبا فيما أخذه .
ولنا أنها قسمة لم تعدل فيها السهام فكانت باطلة كما لو فعلا ذلك علمهما بالحال وأما إذا بان نصيب أحدهما معيبا فيحتمل أن تمنع المسألة ونقول ببطلان القسمة لعدم التعديل بالقيمة ويحتمل أن يفرق بينهما فإن العيب لا يمكن التحرز منه فلم يؤثر في البطلان كالبيع وإن كان المستحق في نصيبهما على السواء لم تبطل القسمة لأن ما يبقى لكل واحد منهما بعد المستحق قدر حقه ولأن القسمة إفراز حق أحدهما من الآخر وقد أفرز كل واحد منهما حقه إلا أن يكون ضرر المستحق في نصيب أحدهما أكثر مثل أن يسد طريقه أو مجرى مائة أو ضوئه أو نحو هذا فتبطل القسمة لأن هذا يمنع التعديل وإن كان المستحق في نصيب أحدهما أكثر من الآخر بطلت لما ذكرناه وإن كان المستحق مشاعا في نصيبهما بطلت القسمة لأن الثالث شريكهما وقد اقتسما من غير حضوره ولا إذنه فأشبه ما لو كان لهما شريك يعلمانه فاقتسما دونه وإن كانا يعلمان المستحق حال القسمة أو أحدهما فالحكم فيها كما لو لم يعلما على ما ذكرنا من التفصيل فيه والله أعلم .
فصل : وإذا ظهر في نصيب أحدهما عيب لم يعلمه قبل القسمة فله فسخ القسمة أو الرجوع بأرش العيب لأنه نقص في نصيبه فملك ذلك كالمشتري ويحتمل أن تبطل القسمة لأن التعديل فيها شرط ولم يوجد بخلاف البيع .
فصل : وإذا اقتسما دارين فأخذ كل واحد منهما دارا وبنى فيها أو اقتسما أرضين فبنى أحدهما في نصيبه أو غرش ثم استحق نصيبه ونقض بناؤه وقلع غرسه فإنه يرجع على شريكه بنصف البناء والغرس ذكره الشريف أبو جعفر وحكاه أبو الخطاب عن القاضي وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن ليس له الرجوع عليه بشيء لأنه بنى وغرس بإختيار نفسه فلم يرجع بنقص ذلك على غيره كما لو بنى في ملك نفسه .
ولنا أن هذه القسمة بمنزلة البيع فإن الدارين لا يقسمان قسمة إجبار على أن تكون كل واحدة منهما نصيبا وإنما يقسمان كذللك بالتراضي فتكون جارية مجرى البيع ولو باعه الدار جميعها ثم بانت مستحقة رجع عليه بالبناء كله فإذا باعه نصفها رجع عليه بنصفه وكذلك يخرج في كل قسمة جارية مجرى البيع وهي قسمة التراضي الذي فيه رد عوض وما لا يجبر على قسمته لضرر فيه ونحو ذلك فأما قسمة الإجبار إذا ظهر نصيب أحدهما مستحقا بعد البناء والغرس فيه فنقض البناء وقلع الغرس فإن قلنا القسمة بيع فالحكم فيها كذلك وإن قلنا ليست بيعا لم يرجع لأن شريكه لم يغره ولم ينقل إليه من جهته بيع وإنما أفرز حقه من حقه فلم يضمن له ما غرم فيه هذا الذي يقتضيه قول اصحابنا .
فصل : وإذا اقتسم الورثة تركة الميت ثم بان عليه دين لا وفاء له إلا مما اقتسموه لم تبطل القسمة لأن تعلق الدين بالتركة لا يمنع صحة التصرف فيها لأنه تعلق بها بغير رضاهم فأشبه تعلق دين الجناية برقبة الجاني ويفارق الرهن لأن الحق يتعلق به برضا مالكه واختياره فعلى هذا يقال للورثة إن شئتم وفيتم الدين والقسمة بحالها وإن شئتم نقضت القسمة وبيعت التركة في الدين فإن أجاب أحدهم وامتنع الآخر بيع نصيب الممتنع وحده وبقي نصيب المجيب بحاله وإن كان ثم وصية يجزء من المقسوم فالحكم فيه كما لو ظهر مستحقا على مر من التفصيل فيه لأنه يستحق أخذه وإن كانت الوصية بمال غير معين مثل أن يوصي بمائة دينار فحكمها حكم الدين على ما بينا .
فصل : وإذا طلب أحد الشريكين من الآخر المهايأة من غير قسمة ما في الأجزاء بأن يجعل لأحدهما بعض الدار يسكنها أو بعض الحقل يزرعه ويسكن الآخر ويزرع في الباقي أو يسكن أحدهما ويزرع سنة ويسكن الآخر ويزرع سنة أخرى لم يجبر الممتنع منهما وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة و مالك يجبر لأن في الامتناع ضررا فينتفي بقوله عليه السلام : [ لا ضرر ولا ضرار ] ووافقنا أبو حنيفة في العبيد خاصة على أنه لا يجبر على المهايأه .
ولنا أن النهايأة فلا يجبر عليها كالبيع ولأن حق كل واحد في المنفعة عاجل فلا يجوز تأخيره بغير رضاه كالدين وكما في العبيد عند أبي حنيفة ويخالف قسمة الأصل فإنه إفراز النصيبين وتمييز أحد الحقين .
إذا ثبت هذا فإنهما إذا اتفقا على المهايأة جاز لأن الحق لهما فجاز فيه ما تراضيا عليه كقسمة التراضي ولا يلزم بل متى رجع أحدهما عنها انتقضت المهايأة ولو طلب أحدهما القسمة كان له ذلك وانتقضت المهايأة ووافق أبو حنيفة وأصحابه في انتقاضها بطلب القسمة وقال مالك تلزم المهايأة لأنه يجبر لأنه يجبر عليها عنده فلزمت كقسمة الأصل .
ولنا أنه بذل منافع ليأخذ من غير إجارة فلم يلزم كما لو أعاره شيئا ليعيره شيئا آخر إذا احتاج إليه وفارق القسمة فإنها إفراز حق على ما ذكرناه .
فصل : قال أحمد في قوم اقتسموا دارا وحصل لبعضهم فيها زيادة أذرع ولبعضهم نقصان ثم باعوا الدار جملة واحدة قسمت الدارب بينهم على قدر الأذرع يعني أن الثمن يقسم بينهم على قدر ملكهم فيها وهذا محمول على أن زيادة أحدهما في الأذرع كزيادة ملكه فيها مثل أن يكون لأحدهما الخمسان فيحصل له أربعون ذراعا وللآخر ثلاثة أخماس فيحصل له ستون فإن الثمن يقسم بينهما أخماسا على قدر ملكهما في الدار فإن كانت زيادة الأذرع لرداءة ما أخذه صاحبها مثل دار بينهما نصفين فأخذ أحدهما بنصيبه من جيدها أربعين ذراعا وأخذ الآخر من رديئها ستين ذراعا فلا ينبغي أن يقسم الثمن على قدر الأذرع بل يقسم بينهما نصفين لأن الستين ههنا معدولة بالأربعين فكذلك يعدل بها في الثمن والله أعلم وقال أحمد في قوم اقتسموا دارا كانت أربعة سطوح يجري عليها الماء فلما اقتسموا أراد أحدهم منع جريان ماء الآخر عليه وقال هذا شيء قد صار لي قال إن كان بينهما شرط أنه يرد الماء فله ذلك فإن لم يشترط فليس له منعه ووجهه أنهم اقتسموا الدار واطلقوا فاقتضى ذلك أن يملك كا واحد حصته بحقوقها وكما لو اشتراها بحقوقها ومن حقها جريان مائها في ماء كان يجري إليه معتادا له وهو على سطح المانع فلهذا استحقه حالة الإطلاق فإن تشارطا على رده فالشرط أملك والمؤمنون على شروطهم وقال أبو الخطاب إذا اقتسما دارا فحصل الطريق في نصيب أحدهما وكان لنصيب الآخر منفذ يتطرق منه وإلا بطلت القسمة وذلك لأن القسمة تقتضي التعديل والنصيب الذي لا طريق له لا قيمة له إلا قيمة قليلة فلا يحصل التعديل ولأن من شرط الإجبار على القسمة أن يكون ما يأخذه كل واحد منهما يمكن الانتفاع به وهذا لا ينتفع به وهذا لا ينتفع به آخذه فإن كان قد أخذه راضيا به عالما بأنه لا طريق له جاز لأن قسمة التراضي بيع وشراؤه على هذا الوجه جائز وقياس المسألة التي قبل هذه أن الطريق تبقى بحالها في نصيب الآخر ما لم يشترط صرفها عنه كمجرى الماء والله أعلم .
فصل : قال وللأب والوصي قسمة مال الصغير مع شريكه لأن القسمة أما إفراز حق أو بيع وكلاهما جائز لهما ولأن في القسمة مصلحة للصبي فجازت كالشراء له ويجوز لهما قسمة التراضي من غير زيادة في العوض لأن فيه دفعا لضرر الشركة فأشبه ما لو باعه لضرر الحاجة إلى قضاء الدين أو الحاجة إلى النفقة .
فصل : ولا تصح ولاية القضاء إلا بتولية الإمام أو من فوض الإمام إليه ذلك فإن كان من ولاه ليس بعدل فهل تصح ولايته ؟ على وجهين ويلزم الإمام أن يختار للقضاء بين المسلمين أفضل من يقدر عليه لهم والألفاظ التي تنعقد بها الولاية تنقسم إلى صريح وكناية فالصريحة سبعة ألفاظ وهي قد وليتك الحكم وقلدتك واستنبتك واستخلفتك ورددت إليك الحكم وفوضت إليك وجعلت إليك فإذا وجد أحد هذه الألفاظ من المولي وجوابها من المولى بالقبول انعقدت الولاية وأما الكناية فهي أربعة ألفاظ قد اعتمدت عليك وعولت عليك ووكلت إليك واستندت إليك فلا تنعقد الولاية بها حتى تقترن بها قرينة نحو قوله فاحكم فيما وكلت إليك وانظر فيما أسندت إليك وتول ما عولت فيه عليك وإذا صحت الولاية وكانت عامة استفاد بها النظر في عشرة أشياء فصل الخصومات بين المتنازعين واستيفاء الحق ممن ثبت عليه ودفعه إلى مستحقه والنظر في أموال اليتامى والمجانين والحجر على من يرى الحجر عليه لسفه أو فلس والنظر في الوقوف في عمله في حفظ أصولها وإجراء أصولها فروعها على ما شرطه الواقف وتزويج الأيامى اللاتي لا أولياء لهن وإقامة الحدود والنظر في مصالح المسلمين في عمله بكف الأذى عن طرقات المسلمين وأفنيتهم وتصفح حال شهوده وأمنائه والاستبدال بمن ثبت جرحه منهم والإمامة في صلاة الجمعة والعيد وفي جباية الخراج وأخذ الصدقة وجهان .
فصل : قال ويوصي الوكلاء والأعيان على بابه بتقوى الله تعالى والرفق بالخصوم وقلة الطمع ويجتهد أن لا يكونوا شيوخا أو كهولا من أهل الدين والصيانة والعفة .
فصل : قال ابن المنذر يكره للقاضي أن يفتي في الأحكام كان شريح يقول أنا أقضي ولا أفتي وأما الفتيا في الطهارة وسائر ما لا يحكم في مثله فلا بأس بالفتيا فيه