مسألة وفصل في طرح السهام إذا قسم وشروط القاسم .
مسألة : قال : وإذا قسم طرحت السهام فيصير لكل واحد ما وقع سهمه عليه إلا ان يتراضيا فيكون لكل واحد ما رضي به .
وجملته أن القسمة على ضربين قسمة إجبار وقسمة تراضي وقد ذكرنا أن قسمة الإجبار ما أمكن التعديل فيها من غير رد ولا تخلو من أربعة أقسام أحدها : أن تكون السهام متساوية وقيمة أجزاء المقسوم متساوية الثاني : أن تكون السهام متساوية وقيمة الأجزاء مختلفة الثالث : أن تكون السهام مختلفة وقيمة الأجزاء متساوية الرابع : أن تكون السهام مختلفة والقيمة مختلفة فأما الأول فمثل أرض بين ستة لكل واحد منهم سدسها وقيمة أجزاء الأرض متساوية فهذه تعدلها بالمساحة ستة أجزاء متساوية لأنه يلزم من تعديلها بالمساحة تعديلها بالقيمة لتساوي أجزائها في القيمة ثم يقرع بينهم وكيفما أقرع بينهم جاز في ظاهر كلام أحمد فإنه قال في رواية أبي داود إن شاء الله رقاعا وإن شاء خواتيم يطرح ذلك في حجر من لم يحضر ويكون لكل واحد خاتم معين ثم يقال اخرج خاتما على هذا السهم فمن خرج خاتمه فهو له وعلى هذا لو أقرع بالحصا أو غيره جاز واختار أصحابنا في القرعة أن يكتب رقاعا متساوية بعددالسهام وهو ههنا مخير بين أن يخرج الأسماء على السهام وبين اخراج السهام على الأسماء فإن أخرج الأسماء على السهام كتب في كل رقعة اسم واحد من الشركاء وتترك في بنادق طين أو شمع متساوية القدر والوزن ويترك في حجر من لم يحضر القسمة ويقال له أخرج بندقة على هذا السهم فإذا أخرجها كان ذلك السهم لمن خرج اسمه في البندقة ثم يخرج أخرى على سهم آخر كذلك حتى يبقى الأخير فيتعين لمن بقي وإن اختار اخراج السهام على الأسماء كتب الرقاع أسماء السهام فيكتب في رقعة الأول مما يلي جهة كذا وفي أخرى الثاني حتى يكتب الستة ثم يخرج الرقعة واحد بعينه فيكون له السهم الذي في الرقعة ويفعل ذلك حتى يبقى الأخير لمن بقي وذكر أبو بكر أن البنادق تجعل طينا وتطرح في ماء ويعين واحد فأي البنادق انحل الطين عنها وخرجت رقعتها على الماء فهي له وكذلك الثاني والثالث وما بعده فإن خرج اثنان أعيد الإقراع والأول أولى وأسهل .
القسم الثاني : أن تكون السهام متفقة والقيمة مختلفة فإن الأرض تعدل بالقيمة وتجعل ستة أسهم متساوية القيمة ويفعل في إخراج السهام مثل الذي قبله سواء لا فرق بينهما إلا أن التعديل ثم بالسهام وههنا بالقيمة .
القسم الثالث : أن تكون القيمة متساوية والسهام مختلفة مثل أرض ثلاثة لأحدهم نصفها وللآخر ثلثها وللآخر سدسها وأجزاؤها متساوية القيمة فإنها تجعل سهاما بقدر أقلها وهو السدس فتجعل ستة أسهم وتعدل بالأجزاء ويكتب ثلاث رقاع باسمائهم ويخرج رقعة على السهم الأول فإن خرجت لصاحب السدس أخذه ثم يخرج أخرى على الثاني فإن خرجت لصاحب الثلث أخذ الثاني والثالث وكانت الثلاثة الباقية لصاحب النصق بغير قرعة وإن خرجت القرعة الثانية لصاحب النصف أخذ الثاني والثالث والرابع وكان الخامس والسادس لصاحب الثلث وإن خرجت القرعة الأولى لصاحب النصف أخذ الثلاثة الأول وتخرج الثانية على الرابع فإن خرجت لصاحب الثلث أخذه والذي يليه وكان السدس لصاحب السدس فان خرجت الثانية لصاحب السدس أخذه وأخذ الآخر الخامس والسادس وإن خرجت الأولى لصاحب الثلث أخذ الأول والثاني ثم يخرج الثانية على الثالث فان خرجت لصاحب النصف أخذ الثالث والرابع والخامس وأخذ الآخر السادس وإن خرجت الثانية لصاحب السدس أخذه وأخذ صاحب النصف ما بقي وقيل تكتب ستة رقاع باسم صاحب النصف ثلاث وباسم صاحب الثلث اثنان وباسم صاحب السدس واحدة وهذا لا فائدة فيه فان المقصود خروج اسم صاحب النصف وإذا كتب ثلاث رقاع حصل المقصود فاغنى ولا يصح أن يكتب رقاعا بأسماء السهام ويخرجها على أسماء الملاك لأنه إذا أخرج واحدة فيها السهم الثاني لصاحب السدس ثم أخرج أخرى لصاحب النصف أو الثلث فيهما السهم الأول احتاج أن يأخذ نصيبه متفرقا فيتضرر بذلك .
القسم الرابع : إذا اختلف السهام والقيمة فان القاسم يعدل السهام بالقيمة ويجعلها ستة أسهم متساوية القيم ثم يخرج الرقاع فيها الاسماء على السهام كما ذكرنا في القسم الثالث سواء لا فصل بينهما إلا أن التعديل ههنا بالقيم وفي التي قبلها بالمساحة وأما الضرب الثاني وهي قسمة التراضي التي فيها رد ولا يمكن تعديل السهام إلا أن يجعل مع بعضها عوض فهذه لا اجبار فيها لأنها معاوضة ولا يجبر على المعاوضة وكذلك سائر ما لا تجب قسمته الدارين تجعل كل واحدة منهما سهما وما يدخل الضرر عليهما بقسمته وأشباه هذا وقد ذكرنا منه صورا فيما تقدم .
إذا ثبت هذا فان قسمة الاجبار تلزم باخراج القرعة لأن قرعة قاسم الحاكم بمنزلة حكمه فيلزم باخراجها كلزوم حكم الحاكم وأما قسمة التراضي ففيها وجهان أحدهما : يلزمه أيضا كقسمة الاجبار لأن القاسم كالحاكم وقرعته كحكمة والثاني : لا تلزم لأنها بيع والبيع يلزم بالتراضي لا بالقرعة وإنما القرعة ههنا لتعريف البائع من المشتري فأما ان تراضيا على أن يأخذ كل واحد منهما واحدا من السهمين بغير قرعة فانه يجوز لأن الحق لهما ولا يخرج عنهما وكذلك لو خير أحدهما صاحبه فاختار ويلزم ههنا بالتراضي وتفرقهما كما يلزم البيع .
فصل : ويجوز للشريكين أن يقتسما بانفسهما وان يأتيا الحاكم لينصب بينهما قاسما يقسم لهما وان ينصبا قاسما يقسم لهما فان نصيب الحاكم قاسما لهما فمن شرطه العدالة ومعرفة الحساب والقيمة والقسمة ليوصل إلى كل ذي حق حقه وهذا قول الشافعي إلا أنه يشترط كونه حرا وان نصيبا قاسما بينهما فكان على صفة قاسم الحاكم في العدالة والمعرفة فهو كقاسم الحام في لزوم قسمته بالقرعة وان كان كافرا أو فاسقا أو غير عارف بالقسمة لم تلزم قسمته إلا بتراضيهما بها ويكون وجوده كعدمه فيما يرجع إلى لزوم القسمة ويجزئ قاسم واحد فيما الا يحتاج الى تقويم فان احتاج القسم الى التقويم احتاج الى قاسمين لأنه يحتاج الى أن يكون المقوم اثنين ولا يكفي في التقويم واحد فمتى نصبا قاسما أو نصبه الحاكم وكانت الشروط فيه متحققة لزمت القسمة بقرعته إن اختل فيه بعض الشروط لم تلزم القسمة الا بتراضيهما لأن وجوده وعدمه واحد وإن قسما بانفسهما وأقرعا لم تلزم القسمة الا بتراضيهما بعد القرعة لأنه لا حاكم بينهما ولا من يقوم مقامه