فصلان لو كانت بينهما أرض .
فصل : فإن كانت بينهما أرض واحدة يمكن قسمتها ويتحقق فيها الشروط التي ذكرناها أجبر الممتنع على قسمها سواء كانت فارغة أو ذات شجر وبناء فإن كان فيها نخل وكرم وشجر مختلف وبناء فطلب أحدهما قسمة كل عين على حدتها وطلب الآخر قسمة الجميع بالتعديل بالقيمة فقال أبو الخطاب تقسم كل عين على حدتها وكذلك كل مقسوم إذا أمكنت التسوية بين الشريكين في جيده ورديئه كان أولى ونحو هذا قال أصحاب الشافعي فإنهم قالوا إذا أمكنت التسوية بين الشريكين في جيده ورديئه بأن يكون الجيد في مقدمها والرديء في مؤخرها فإذا قسمناها صار لكل واحد من الجيد والرديء مثل ما للآخر وجبت القسمة وأجبر الممتنع عليها وإن لم تمكن القسمة هكذا بأن تكون العمارة أو الشجر والجيد لا تمكن قسمته وحده وأمكن التعديل بالقيمة عدلت بالقيمة وأجبر الممتنع من القسمة عليها .
وقال الشافعي في أحد القولين : لا يجبر الممتنع من القسمة عليها وقالوا إذا كانت الأرض ثلاثين جريبا قيمة عشرة أجربة منها كقيمة عشرين لم يجبر الممتنع من القسمة عليها لتعذر التساوي في الذراع ولأنه لو كان حقلان متجاوران لم يجبر الممتنع من القسمة إذا لم تمكن إلا بأن يجعل كل واحد منهما سهما كذا ههنا .
ولنا أنه مكان واحد أمكنت قسمته وتعديله من غير رد عوض ولا ضرر فوجبت قسمته كالدور ولأن ما ذكروه يفضي إلى منع وجوب القسمة في البساتين كلها والدور فإنه لا يمكن تساوي الشجر وبناء الدور ومساكنها إلا بالقيمة ولأنه لو بيع بعضه وجبت فيه الشفعة لشريك البائع فوجبت قسمته كما لو أمكنت التسوية بالزرع .
وأما إذا كان بستانان لكل واحد منهما طريق أو حقلان أو داران أو دكانان متجاوران أو متباعدان فطلب أحد الشريكين قسمته بجعل كل واحد بينهما لم يجبر الآخر على هذا سواء كانا متساويين أو مختلفين وهذا ظاهر مذهب الشافعي لأنهما شيئان متميزان لو بيع أحدهما لم تجب الشفعة فيه لمالك الآخر بخلاف البستان الواحد والأرض الواحدة وإن عظمت فإنه إذا بيع بعضها وجبت الشفعة لمالك البعض الباقي والشفعة كالقسمة لأن كل واحد منهما يراد لإزالة ضرر الشركة ونقصان التصرف فما لا تجب قسمته لا تجب الشفعة فيه فكذلك ما لا شفعة فيه لا تجب قسمته وعكس هذا ما تجب قسمته تجب فيه الشفعة وما تجب الشفعة فيه تجب قسمته ولأنه لو بد الصلاح في بعض البستان كان صلاحا لباقيه وإن كان كبيرا ولم يكن صلاحا لما جاوزه وإن كان صغيرا .
فصل : وإذا كان في الأرض رزع فطلب أحدهما قسمتها دون الزرع أجبر الممتنع لأن الزرع في الأرض كالقماش في الدار فلم يمنع القسمة كالقماش وسواء خرج الزرع أو كان بذرا لم يخرج فإذا قسماها بقي الزرع بينهما مشتركا كما لو باعا الأرض لغيرهما وإن طلب أحدهما قسمة الزرع منفردا لم يجبر الآخر عليه لأن القسمة لا بد فيها من تعديل المقسوم وتعديل الزرع بالسهام لا يمكن لأنه يشترط بقاؤه في الأرض المشتركة وإن طلب قسمتها مع الزرع وكان قد خرج جاز وأجبر الممتنع عليه سواء كان قصيلا أو اشتد الحب فيه لأن الزرع كالشجر في الأرض والقسمة إفراز حق وليست بيعا وإن قلنا هي بيع لم يجبر إذا اشتد الحب لأنه يتضمن بيع السنبل بعضه ببعض ويحتمل الجواز لأن السنابل ههنا دخلت تبعا للأرض فليست المقصود فأشبه بيع النخلة المثمرة بمثلها وقال الشافعي لا يجبر الممتنع من قسمتها مع الزرع لأن الزرع مودع في الأرض للنقل عنها فلم تجب قسمته معه كالقماش فيها .
ولنا أنه نابت فيها للنماء والنفع فأشبه الغراس وفارق القماش فإنه غير متصل بالدار ولا ضرر عليه في نقله وإن كان الزرع بذرا في الأرض فقال أصحابنا لا تجوز قسمته لجهالته وكونه لا يمكن إفرازه وهذا مذهب الشافعي ويحتمل الجواز لأنه يدخل تبعا للأرض فلا تصر جهالته كأساسات الحيطان وكذلك لو اشترى أرضا فيها رزع فاشترطوا ملكه بالشرط وإن كان بذرا مجهولا .
فصل : إذا كانت بينهما أرض قيمتها مائة في أحد جانبيها بئر قيمتها مائة وفي الآخر شجرة قيمتها مائة عدلت بالقيمة وجعلت البئر مع نصف الأرض نصيبا والشجرة مع النصف الآخر نصيبا فإن كانت بين ثلاثة أو أكثر نظرت في الأرض فإن كانت قيمتها مائة أو أقل لم تجب القسمة لأنها إذا كانت أقل لم يمكن التعديل إلا بقسمة البئر والشجرة وذلك مما لا تجب قسمته وإن كانت قيمتها مائة فجعلناها سهما والبئر سهما والشجرة سهما لم يحصل مع البئر والشجرة وشيء من الأرض فيصير هذا كقسمة الشجر وحده وقسمة ذلك وحده ليست قسمة إجبار وإن كانت الأرض كبيرة القيمة بحيث يأخذ بعض الشركاء سهامهم منها ويبقى منها شيء مع البئر والشجرة وجبت القسمة ومثاله أن تكون قيمة الأرض مائتين وخمسين فيجعلها مائة وخمسين سهما ويضم إلى البئر ما قيمته خمسون وإلى الشجرة مثل ذلك فتصير ثلاثة سهام متساوية وفي كل سهم جزء من أجزاء الأرض فتجب القسمة حينئذ وكذلك لو كانوا أربعة وقيمة الأرض أربعمائة وجبت القسمة لأننا تجعل ثلاثمائة منها سهمين ومائة مع البئر والشجرة سهمين فتعدلت السهام ولو كانت الأرض لاثنين فأراد قسمة البئر والشجرة دون الأرض لم تكن قسمة إجبار وهكذا الأرض ذات الشجر إذا اقتسما الشجر دون الأرض لم تكن قسمة إجبار ولو اقتسماها بشجرها كانت قسمة إجبار لأن الشجر يدخل تبعا للأرض فيصير الجميع كالشيء الواحد ولهذا تجب فيه الشفعة إذا بيع شيء من الأرض بشجرة وإذا قسم ذلك دون الأرض صار أصلا في القسمة ليس بتابع لشيء واحد فيصير كأعيان مفردة من الدور والدكاكين المتفرقة ولهذا لا تجب فيه الشفعة إذا بيع مفردا وكل قسمة غير واجبة إذا تراضيا بها فهي بيع حكمها حكم البيع