مسألة حكم ما لو سأل شريكه القسمة فامتنع وأمور مختلفة .
مسألة : قال : ولو سأل احدهما شريكه مقاسمته فامتنع أجبره الحاكم على ذلك اذا اثبت عنده ملكها وكان مثله ينقسم وينتفعان به مقسوما .
أما إذا طلب أحدهما القسمة فامتنع الآخر لم يخل من حالين أحدهما يجبر الممتنع على القسمة وذلك إذا اجتمع ثلاثة شروط : .
أحدها : ان يثبت عند الحاكم ملكهما ببينة لأن في الاجبار على القسمة حكما على الممتنع منهما فلا يثبت إلا بما يثبت إلا بما يثبت به الملك لخصمه بخلاف حالة الرضا فانه لا يحكم على أحدهما انما يقسم بقولهما ورضاهما .
الشرط الثاني : أن لا يكون فيها ضرر فان كان فيها ضرر لم يجبر الممتنع ل [ قول النبي A : لا ضرر ولا ضرار ] رواه ابن ماجة ورواه مالك في موطئه مرسلا [ وفي لفظ أن رسول الله A قضى أن لا ضرر ولا ضرار ] .
لشرط الثالث : ان يمكن تعديل السهام من غير شيء يجعل معها فان لم يمكن ذلك لم يجبر الممتنع لأنها تصير بيعا والبيع لا يجبر عليه أحد المتبايعين ومثال ذلك أرض قيمتها مائة فيها شجرة أو بئر تساوي مائتين فاذا جعلت الآرض سهما كانت الثلث فيحتاج أن يجعل معها خمسين يردها عليه من لم يخرج له البئر أو الشجرة ليكونا نصفين متساويين فهذه فيها بيع ألا ترى أن آخذ الأرض قد باع نصيبه من الشجرة أو البئر بالثمن الذي أخذه والبيع لا يجبر عليه لقول الله تعالى : { إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } ؟ فإذا اجتمعت الشروط الثلاثة أجبر الممتنع منعما على القسمة لأنها تتضمن إزالة ضرر الشركة عنهما وحصول النفع لهما لأن نصيب كل واحد منهما إذا تميز كان له أن يتصرف فيه بحسب اختياره ويتمكن من احداث الغراس والبناء والزرع والساقية والاجارة والعارية ولا يمكنه ذلك مع الاشتراك فوجب أن يجبر الآخر عليه لقوله عليه السلام : [ لا ضرر ولا ضرار ] .
إذا ثبت هذا فقد اختلفوا في الضرر المانع من القسمة ففي قول الخرقي وهو ما لا يمكن معه انتفاع أحدهما بنصيبه مفردا فيما كان ينتفع به مع الشركة مثل أن تكون بينهما دار صغيرة إذا قسمت أصاب كل واحد منهما موضعا لا ينتفع به ولو أمكن أن ينتفع به في شيئ غير الدار ولا يمكن أن ينتفع به دارا لم يجبر على القسمة أيضا لأنه ضرر يجري مجرى الاتلاف .
وعن أحمد رواية أخرى أن المانع هو أن ننقص قيمة نصيب أحدهما بالقسمة عن حال الشركة سواء انتفعوا به مقسوما أو لم ينتفعوا .
وقال القاضي هذا ظاهر كلام أحمد لأنه قال في رواية الميموني إذا قال بعضهم يقسم وبعضهم لا يقسم فان كان فيه نقصان من ثمنه بيع وأعطوا الثمن فاعتبر نقصان الثمن وهذا ظاهر كلام الشافعي لأن نقص قيمته ضرر والضرر منفي شرعا وقال مالك يجبر الممتنع وإن استضر قياسا على مالا ضرر فيه ولا يصح لقوله عليه السلام : [ لا ضرر ولا ضرار ] ولأن في قسمته ضررا فلم يجبر عليه كقسمة الجوهرة بكسرها ولأن في قسمته اضاعة للمال وقد نهى النبي A عن اضاعته ولا يصح القياس على مالا ضرر فيه لما بينهما من الفرق فان كان أحد الشريكين يستضر بالقسمة دون الآخر كرجلين بينهما دار لأحدهما ثلثها وللآخر ثلثا ها فاذا قسماها يستضر صاحب الثلث لكونه لا تحصل له ما يكون دارا ولا يستضر الآخر لأنه يبقى له ما يصير دارا مفردة فطلب صاحب الثلثين القسمة لم يجبر الآخر عليها ذكره ابو الخطاب وهو ظاهر كلام أحمد في رواية حنبل قال : كل قسمة فيها ضرر لا أرى قسمتها وهذا قول ابن أبي ليلى و أبي ثور .
وقال القاضي يجبر الآخر عليها وهو قول الشافعي وأهل العراق لأنه طلب إفراد نصيبه الذي لا يستضر بتمييزه فوجبت إجابته إليه كما لو كانا لا يستضران بالقسمة .
ولنا قول النبي A : [ لا ضرر ولا ضرار ] ولأنها قسمة يستضر بها صاحبه فلم يجبر عليها كما لو استضرا معا ولأن فيه إضاعة المال وقد نهى النبي A عن إضاعته وإذا حرم عليه إضاعته ماله فإضاعتة مال غيره أولى .
وقد روى عمرو بن جميع عن النبي A أنه قال : [ لا تعصبة على أهل الميراث إلا ما حصل القسم ] قال أبو عبيدة هو أن يخلف شيئا إذا قسم كان فيه ضرر على بعضهم أو عليهم جميعا ولأننا اتفقنا على أن الضرر مانع من القسمة وإن الضرر في حق أحدهما مانع ولا يجوز أن يكون المانع هو ضرر الطالب لأنه مرضي به من جهته فلا يجوز كونه مانعا كما لو تراضيا عليها مع ضررهما أو ضرر أحدهما فتعين الضرر المانع من جهة المطلوب ولأنه ضرر غير مرضي به من جهة صاحبه فمنع القسمة كما لو استضرا معا وإن طلب القسمة المستضر بها كصاحب الثلث في المسألة المفروضة أجبر الآخر عليها هذا مذهب أبي حنيفة و مالك لأنه طلب دفع ضرر الشركة عنه بأمر لا ضرر على صاحبه فيه فأجبر عليه كما لا ضرر فيه .
يحققه أن ضرر الطالب مرضي به من جهته فسقط حكمه والآخر لا ضرر عليه فصار كما لا ضرر فيه وذكر أصحابنا أن المذهب أنه لا يجبر الممتنع على القسم لنهي النبي A عن إضاعة المال ولأن طلب القسمة من المستضر سفه فلا تجب إجابته إلى السفه قال الشريف متى كان أحدهما يستضر لم تجب القسمة وقال أبو حنيفة متى كان أحدهما ينتفع بها وجبت .
وقال الشافعي ان انتفع بها الطالب وجبت وإن استضربها الطالب فعلى وجهين وقال مالك تجب على كل حال ولو كانت دار بين ثلاثة لأحدهم نصفها وللآخرين نصفها لكل واحد منهما ربعها فإذا قسمت استضر كل واحد منهما ولا يستضر صاحب النصف فطلب النصف القسمة وجبت إجابته لأنه يمكن قسمتها نصفين فيصير حقهما لهما دارا وله النصف فلا يستضر أحد منهما ويحتمل أن لا تجب عليهما الإجابة لأن كل واحد منهما يستضر بإفراز نصيبه وإن طلبا المقاسمة فامتنع صاحب النصف أجبر لأنه لا ضرر على واحد منهم وإن طلبا إفراز نصيب كل واحد منهما أو طلب أحدهما إفراز نصيبه لم تجب القسمة على قياس المذهب لأنه إضرار بالمطالب وسفه وعلى الوجه الذي ذكرناه تجب القسمة لأن المطلوب منه لا ضرر عليه .
الحال الثاني : الذي لا يجبر أحدهما على القسمة وهي ما إذا عدم أحد الشروط الثلاثة فلا تجوز القسمة إلا برضاهما وتسمى قسمة التراضي وهي جائزة مع اختلال الشروط كلها لأنها بمنزلة البيع والمناقلة وبيع ذلك جائز