مسألة وفصول حكم من نذر عتق رقبة أو نذر هديا .
مسألة : قال : وإذا نذر عتق رقبة فهي التي تجزىء عن الواجب إلا أن يكون نوى رقبة بعينها .
يعني لا تجزئه إلا رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المضرة بالعمل وهي اتلي تجزىء في الكفارة لأن النذر المطلق يحمل على المعهود في الشرع والواجب بأصل الشرع كذلك وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الآخر : يجزئه أي رقبة كانت صحيحة أو معيبة مسلمة أو كافرة لأن الإسم يتناول جميع ذلك .
ولنا أن المطلق يحمل على معهود الشرع وهو الواجب في الكفارة وما ذكروه يبطل بنذر المشي إلى بيت الله الحرام فإنه لا يحمل على تناوله الإسم فأما إن نوى رقبة بعينها أجزأه عتقها أي رقبة كانت لأنه نوى بلفظه ما يحتمله وإن نوى ما يقع عليه إسم الرقبة أجزأه ما نواه لما ذكرناه فإن المطلق يتقيد بالنية كما يتقيد بالقرينة اللفظية قال أحمد فيمن نذر عتق عبد بعينه فمات قبل أن يعتقه : تلزمه كفارة يمين ولا يلزمه عتق عبد لأن هذا شيء فاته على حديث عقبة بن عامر وإليه أذهب في الفائت وما عجز عنه .
فصل : وإذا نذر هديا مطلقا لم يجزئه إلا ما يجزىء في الأضحية وبه قال ابو حنيفة و الشافعي في أحد قوليه لأن المطلق يحمل على معهود الشرع وإن عين الهدي بلفظه أو نيته أجزأه ما عينه صغيرا كان أو كبيرا جليلا كان أو حقيرا لأن ذلك يسمى هديأ قال النبي A : [ من راح في الساعة الخامسة فكأنما أهدى بيضة ] وإنما صرفنا المطلق إلى معهود الشرع لأن غلب على الإسم كما لو نذر أن يصلي لزمته صلاة شرعية دون اللغوية وإن قال لله علي أن أهدي بدنة أو بقرة أو قال شاة لزمه أقل ما يجزىء من ذلك الجنس الذي عينه فإن نذر بدنة أجزأه ثنية من الإبل أو ثني فإن لم يجد من الإبل فبقرة فإن لم يجد فسبع من الغنم لأن النذر محمول على معهود الشرع وقد تقرر في الشرع إن البقرة تقوم مقام البدنة وكذلم سبع من الغنم فإن أراد إخراج البقرة أو الغنم مع القدرة على البدنة فقال القاضي لا يجزئه وهو المنصوص عن الشافعي والذي يقتضيه مذهب الخرقي جواز ذلك لقوله ومن وجب عليه بدنة فذبح سبعا من الغنم أجزأه فإن نوى بنذره بدنة من الإبل لم يجزئه غيرها مع وجودها وجها واحدا لأنها وجبت بإيجابه بخلاف ما إذا أطلق فإنها انصرفت إلى الإبل بمعهود الشرع ومعهود الشرع فيها أن تقوم البقرة مقامها فأما إن نواها من الإبل أو غيره فمقتضى المذهب أنه لا يقوم غيرها مقامها كسائر المنذورات وكذلك أن صرح بها في نذره مثل أن يقول لله علي أن أهدي ناقة ويحتمل أن تقوم البقرة مقامها عند لأنها تعينت هديا شرعيا والهدي الشرعي له بدل .
فصل : ومن نذر هديا لزمه إيصاله إلى مساكين الحرم لأن إطلاق الهدي يقتضي ذلك قال الله تعالى : { هديا بالغ الكعبة } فإن عين شيئا بنذره مثل أن يقول أهدي شاة أو ثوبا أو برا أو ذهبا فكان مما ينقل حمل إلى الحرم ففرق في مساكينه وإن كان مما لا ينقل نحو أن يقول لله علي أن أهدي داري هذه أو أرضي أو شجرتي هذه يبعث وبعث بثمنها إلى الحرم لأنه لا يمكن اهداؤه بعينه فانصرف بذلك إلى بدله وقد روي عن ابن عمران رجلا سأله في امرأة نذرت أن تهدي دارا فقال تبيعها وتتصدق بثمنها على مساكين الحرم وكذلك لو كان المنذور مما ينقل لكن يشق نقله كخشبة ثقيلة فإنه يبعها لأنه أحظ للمساكين من نقلها وإن كان مما لا كلفه في نقله إلا أنه لا يمكن تفريقه بنفسه ويحتاج إلى البيع نظر إلى الحظ للمساكين في يبيعها في بلده أو نقله ليباع ثم وإن استوى الأمر أن بيع في أي موضع شاء .
فصل : وإن نذر أن يهدي إلى غير مكة كالمدينة أو الثغور أو يذبح لها لزمه الذبح وإيصال ما أهداه إلى ذلك المكان وتفرقة الهدي ولحم الذبيحة على أهله إلا أن يكون بذلك المكان ما لا يجوز النذر له ككنيسة أو صنم أو نحوه مما يعظمه الكفارة أو غيرهم مما لا يجوز تعظيمه كشجرة أو قبر أو حجر أو عين ماء ونحو ذلك لما روى أبو داود وقال : [ نذر رجل على عهد رسول الله A أن ينحر ابلا ببوانة فأتى النبي A فقال النبي A : هل كان بها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ ـ قالوا لا قال ـ هل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ ـ قالوا لا قال رسول الله صلى الله عليه ـ أوف بنذرك ] ولأنه ضمن نذره نفع فقراء ذلك البلد بإيصال اللحم اليهم وهذه قربة فتلزمه كما لو نذر التصدق عليهم فإن كان بها شيء مما ذكرنا لم يجز النذر لقول النبي A : [ هل كان بها وثن أو عيد من أعياد الجاهلية ؟ ] وهذا يدل على أنه لو كان بها ذلك لمنعه من الوفاء بنذره ولأن في هذا تعظيما لغير ما عظم الله يشبه تعظيم الكفار للأصنام فحرم كتعظيم الأصنام [ ولذلك لعن النبي A المتخذات على القبور المساجد والسرج وقال : لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ] يحذر مثلما صنعوا وعلى هذا نذر الشمع والزيت وأشباهه للأماكن التي فيها القبور لا يصح .
فصل : وإن نذر الذبح بمكة فهو كنذر الهدي إليها لأن مطلق النذر محمول على معهود الشرع ومعهود الشرع في الذبح الواجب بها إن يفرق اللحم بها