مسألتان وفصول حكم ما لو نذر صوم شهر من يوم من يوم يقدم فلان .
مسألة : قال : وإذا نذر صيام شهر من يوم يقدم فلان فقدم أول يوم من شهر رمضان أجزأه صيامه لرمضان ونذره .
ظاهر كلام الخرقي أن نذر هذا منعقد لكن صيامه يجزىء عن النذر ورمضان وهو قول أبي يوسف وهو قياس قول ابن عباس وعكرمة لأنه نذر صوما في وقت صام فيه وقال القاضي ظاهر كلام الخرقي أن النذر غير منعقد لأن نذره وافق زمنا يستحق صومه فلم ينعقد نذره كنذر صوم رمضان قال والصحيح عندي صحة النذر لأنه نذر طاعة يمكن الوفاء به غالبا فانعقد كما لو وافق شعبان فعلى هذا يصوم رمضان ثم يقضي ويكفر وهذا اختيار أبي بكر ونقل جعفر بن محمد عن أحمد أن عليه القضاء وقول الخرقي أجزأه صيامه لرمضان ونذره دليل على أن نذره انعقد عنده لولا ذلك لما كان صومه عن نذره وقد نقل أبو الخطاب عن أحمد فيمن نذر أن يحج وعليه حجة مفروضة فأحرم عن النذر وقعت عن المفروض ولا يجب عليه شيء آخر وهذا مثل قول الخرقي وروى عكرمة عن ابن عباس في رجل نذر أن يحج ولم يكن حج الفريضة قال يجزىء لهما جيمعا وعن عكرمة انه سئل عن ذلك فقال عكرمة يقضي حجته عن نذره وعن حجة الإسلام أرأيتم لو أن رجلا نذر أن يصلي أربع ركعات فصلى العصر أليس ذلك يجزئه من العصر والنذر ؟ قال فذكرت قولي لابن عباس فقال أصبت وأحسنت وقال ابن عمر وأنس وعروة : يبدأ بحجة الإسلام ثم يحج لنذره وفائدة انعقاد نذره لزوم الكفارة بتركه وأنه لو لم ينوه لنذره لزمه قضاؤه وعلى هذا لو وافق نذره بعض رمضان وبعض شهر آخر إما شعبان وإما شوال لزمه صوم ما خرج عن رمضان ويتمه من رمضان ولو قال لله علي صوم رمضان فعلى قياس قول الخرقي يصح نذره ويجزئه صيامه عن الأمرين وتلزمه الكفارة أن أخل به وعلى قول القاضي لا ينعقد نذره وهو مذهب الشافعي لأنه لا يصح صومه عن النذر فأشبه الليل ولنا أن النذر يمين فينعقد في الواجب موجبا للكفارة كاليمين بالله تعالى .
فصل : ونقل عن أحمد فيمن نذر أن يحج العام وعليه حجة الإسلام روايتان إحداهما : تجزئه حجة الإسلام عنها وعن نذره نقلها أبو طالب والثانية : ينعقد نذره موجبا لحجة غير حجة الإسلام يبدأ بحجة الإسلام ثم يقضي نذره نقلها ابن منصور لأنهما عبادتان تجبان بسببين مختلفين فلم يسقط إحداهما بالأخرى كما لو نذر حجتين ووجه الأولى أنه نذر عبادة في وقت معين وقد أتى بها فيه فأشبه ما لو قال لله علي أن أصوم رمضان .
فصل : فإن قال لله علي أن أصوم شهرا فنوى صيام شهر رمضان لنذره ورمضان لم يجزئه لأن شهر رمضان واجب بفرض الله تعالى ونذره يقتضي إيجاب شهر فيجب شهران بسببين ولا يجزىء إحدهما عن الآخر كما لو نذر صوم شهرين وكما لو نذر أن يصلي ركعتين لم تجزئه صلاة الفجر عن نذره وعن صلاة الفجر .
مسألة : قال : وإذا نذر أن يصوم يوم يقدم فلان فقدم يوم فطر أو أضحى لم يصمه وصام يوما مكانه وكفر كفارة يمين .
وجملته أن من نذر أن يصوم يوم يقدم فلان فإن نذره صحيح وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر لا يصح نذره لأنه لا يمكن صومه بعد وجود شرطه فلم يصح كما لو قال لله علي أن أصوم اليوم الذي قيل اليوم الذي يقدم فيه ولنا أنه زمن صح فيه صوم التطوع فانعقد نذره لصومه كما لو أصبح صائما تطوعا قال لله علي أن أصوم يومي وقولهم لا يمكن صومه لا يصح فإنه قد يعلم اليوم الذي يقدم فيه قبل قدومه فينوي صومه من الليل لأنه قد يجب عليه ما لا يمكنه كالصبي يبلغ في أثناء يوم من رمضان أو الحائض تطهر فيه ولا نسلم ما قاسوا عليه إذا ثبتت صحته ولا يخلو من أقسام خمسة .
أحدها : أن يعلم قدومه من الليل فينوي صومه ويكون يوما يجوز فيه صوم النذر فيصح ويجزئه لأنه وفى بنذره الثاني : أن يقدم يوم فطر أو أضحى فاختلفت الرواية عن أحمد في هذه المسألة فعنه لا يصومه ويقضي ويكفر نقله عن أحمد جماعة وهو قول أكثر اصحابنا ومذهب الحكم و حماد الرواية الثانية : يقضي ولا كفارة عليه وهو قول الحسن و الأوزاعي و أبي عبيد و قتادة و ابي ثور وأحد قولي الشافعي فإنه فاته الصوم الواجب بالنذر فلزمه قضاؤه كما لو تركه نسيانا ولم تلزمه كفارة لأن الشرع قنعه من صومه فهو كالمكره .
وعن أحمد رواية ثالثة أن صامه صح صومه وهو مذهب أبي حنيفة لأنه وفى بما نذر فأشبه ما لو نذر معصية ففعلها ويتخرج أن يكفر من غير قضاء لأنه وافق يوما صومه حرام فكان موجبه الكفارة كما لو نذرت المرأة صوم يوم حيضها ويتخرج أن لا يلزمه شيء من كفارة ولا قضاء بناء على من نذر المعصية وهذا قول مالك و الشافعي في أحد قوليه بناء على نذر المعصية .
ووجه قول الخرقي أن النذر ينعقد لأنه نذر نذرا يمكن الوفاء به غالبا فكان منعقدا كما لو وافق غير يوم العيد ولا يجوز أن يصوم يوم العيد لأن الشرع حرم صومه فأشبه زمن الحيض ولزمه القضاء لأنه نذر منعقد وقد فاته الصيام بالعذر ولزمته الكفارة لفواته كما لو فاته بمرض وإن وافق يوم حيض أو نفاس فهو كما لو وافق يوم فطر أو أضحى إلا أنه لا يصومه بغير خلاف في المذهب ولا بين أهل العلم .
الثالث : أن يقدم في يوم يصح صومه والناذر مفطر ففيه روايتان أحدهما : يلزمه القضاء والكفارة لأنه نذر صوما نذرا صحيحا ولم يف به فلزمه القضاء والكفارة كسائر المنذورات ويتخرج أن لا تلزمه كفارة وهو مذهب الشافعي لأنه ترك المنذور لعذر .
والثانية : لا يلزمه شيء من قضاء ولا غيره وهو قول أبي يوسف وأصحاب الرأي و ابن المنذر لأنه قدم في زمن لا يصح صومه فيه فلم يلزمه شيء كما لو قدم ليلا .
الرابع : قدم والناذر صائم فلا يخلو من أن يكون تطوعا أو فرضا فإن كان تطوعا فقال القاضي يصوم بقيته ويعقده عن نذره ويجزئه ولا قضاء ولا كفارة وهو قول أبي حنيفة لأنه يمكن صوم يوم بعضه تطوع وبعضه واجب كما لو نذر في أثناء التطوع إتمام صوم ذلك اليوم وإنما وجد سبب الوجوب في بعضه وذكر القاضي احتمالا آخر أنه يلزمه القضاء والكفارة لأنه صوم واجب فلم يصح بنية من النهار كقضاء رمضان وذكر أبو الخطاب هذين الاحتمالين روايتين وعند الشافعي عليه القضاء فقط كما لو قدم وهو مضطر ويتخرج لما مثله وإما أن كان الصوم واجبا فحكمه حكم المسألة التي قبل هذه وقد ذكرناه وإن قدم وهو ممسك لم ينو الصيام ولم يفعل ما يفطره فحكمه حكم الصائم تطوعا .
الخامس : أن يقدم ليلا فلا شيء عليه في قولهم جميعا لأنه لا يقدم في اليوم ولا في وقت يصح فيه الصيام .
فصل : وإن قال لله علي صوم يوم العيد فهذا نذر معصية على ناذره الكفارة لا غير نقله حنبل عن أحمد وفيه رواية أخرى أن عليه القضاء مع الكفارة كالمسألة المذكورة والأولى هي الصحيحة قاله القاضي لأن هذا نذر معصية فلم يوجب قضاء كسائر المعاصي وفارق المسألة التي قبلها لأنه لم يقصد بنذره المعضية وإنما وقع اتفاقا وههنا تعمدها بالنذر فلم ينعقد نذره ويدخل في قوله عليه السلام : [ لا نذر في معصية ] ويتخرج إلا يلزمه شيء بناء على نذر المعصية فيما تقدم وإن نذرت المرأة صوم يوم حيضها ونفاسها فعليها الكفارة لا غير ولم أعلم عن أصحابنا في هذا خلافا .
مسألة : قال : وإن وافق قدومه يوما من أيام التشريق صامه في إحدى الروايتين عن أبي عبد الله C وارواية الأخرى لا يصومه ويصوم يوما مكانه ويكفر كفارة يمين .
اختلفت الرواية عن أحمد C في صيام أيام التشريق عن الفرض وقد ذكرنا ذلك في الصيام فإن قلنا يصومها عن الفرض صامها ها هنا وأجزأته وإن قلنا لا يصومها فحكمه حكم من وافق يوم العيد وقد مضى .
فصل : وإن قال لله علي صوم يوم يقدم فلان أبدا أو قال لله علي صوم يوم كل خميس أبدا لزمه ذلك في المستقبل فأما اليوم الذي يقدم فيه فقد مضى بيان حكمه ولا يدخل في نذره ذلك اليوم من شهر رمضان لأن رمضان لا يتصور انفكاكه عن دخول ذلك اليوم فيه ولا يمكنه صومه عن غير رمضان لأنه لا يقبل ذلك ويجيء على قول الخرقي أن يدخل في نذره ويجزئه صومه لرمضان ونذره وإن وافق يوم عيد أو يوما من أيام التشريق أو يوم حيض ففيه من الاختلاف ما قد مضى وإن وجب عليه صوم شهرين عن كفارة الظهار أو نحوه صامهما عن الكفارة دون النذر لأنه متى نوى النذر في ابتدائهما انقطع التتابع فلا يقدر على التكفير فحينئذ يقضي نذره ويكفر لأنه ترك صوم النذر مع إمكانه لعذر ويفارق الأيام التي دخلت في رمضان فإنها لم تدخل في نذره لعدم انفكاكه عنها وههنا تنفك الأيام عن دخول الكفار فيها ولا فرق بين كون نذره قبل وجوب الكفارة أو بعدها لأن الأيام التي في رمضان لا يصح صومها عن نذره وأيام الكفارة يصح صومها عن نذره وإذا نواها عن نذره انقطع التتابع وأجزأت عن المنذور وإن فاتته أيام كثيرة لزمته كفارة واحدة عن الجميع فإذا كفر ثم فاته شيء بعد ذلك لزمته كفارة ثانية نص عليه أحمد فإنه قال فيمن نذر صيام أيام فمرض فإن كان قد كفر عن الأول ثم أفطر بعد ذلك كفر كفارة أخرى وإن لم يكن كفر عن الأول فكفارة واحدة ولا يكون مثل اليمين إذا حنث وكفر سقطت عنه ويتخرج أنه متى كفر مرة لم تلزمه كفارة أخرى لأن النذر كاليمين ويشبه اليمين وإيجاب الكفارة فيه لذلك واليمين لا يوجب أكثر من كفارة فمتى كفرها لم يجب بها أخرى كذلك النذر فعلى هذا متى فاته شيء فكفر عنه ثم فاته شيء آخر قضاه من غير كفارة لأن وجوب الكفارة الثانية لا نص فيه ولا إجماع ولا قياس ولا يمكن إيجابها بغير دليل