مسألة وفصول حكم من حلف لا يلبس ثوبا وهو لابس أو لا يدخل دارا وهو فيها .
مسألة : قال : ومن حلف ألا يلبس ثوبا وهو لابسه نزعه من وقته فإن لم يفعل حنث .
وجملة ذلك أن من حلف لا يلبس ثوبا هو لابسه فإن نزعه في الحال وإلا حنث وكذلك إن حلف لا يركب دابة هو راكبها فإن نزل في أول حالة الإمكان وإلا حنث وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال أبو ثور لا يحنث باستدامته اللبس والركوب حتى يبتدئه لأنه لو حلف لا يتزوج ولا يتطهر فاستدام ذلك لم يحنث كذا ههنا .
ولنا أن استدامة اللبس والركوب تسمى لبسا وركوبا ويسمى به لابسا وراكبا ولذلك يقال لبست هذا الثوب شهرا وركبت دابتي يوما فحنث باستدامته كما لو حلف لا يسكن فاستدام السكنى وقد اعتبر الشرع هذا في الإحرام حيث حرم لبس المخيط فأوجب الكفارة في استدامته كما أوجبها في ابتدائه وفارق التزويج فإنه لا يطلق على الإستدامة فلا يقال زوجت شهرا وإنما يقال منذ شهر ولهذا لم تحرم استدامته في الإحرام كابتدائه .
فصل : فإن حلف لا يتزوج ولا يتطيب ولا يتطهر فاستدام ذلك لم يحنث في قولهم جميعا لأنه لا يطلق على مستديم هذه الأفعال اسم الفعل فلا يقال تزوجت شهرا ولا تطهرت شهرا ولا تطيبت شهرا وإنا يقال منذ شهر ولم ينزل الشارع استدامة التزويج والطيب منزلة ابتدائها في تحريمه في الإحرام وإيجاب الكفارة فيه .
فصل : وإن حلف لا يدخل دارا هو فيها فأقام فيها ففيه وجهان أحدهما : يحنث لأن استدامة المقام في ملك الغير كابتدائه في التحريم قال أحمد في رجل حلف على امرأته لادخلت أنا وأنت هذه الدار وهما جميعا فيها قال أخاف أن يكون قد حنث .
والثاني : لا يحنث ذكره القاضي واختاره أبو الخطاب وهو قول أصحاب الرأي لأن الدخول لا يستعمل في الإستدامة ولهذا يقال دخلتها منذ شهرفجرى مجرى التزويج ولأن الدخول الانفصال من خارج إلى داخل فلا يوجد في الإقامة ولـ لشافعي قولان كالوجهين ويحتمل أن من أحنثه إنما كان لأن ظاهر حال الحالف أنه يقصد هجران الدار ومباينتها والإقامة فيها تخالف ذلك فجرى مجرى الحالف على ترك السكنى به .
فصل : فإن حلف لا يضاجع امرأته على فراش وهما متضاجعان فاستدام ذلك حنث لأن المضاجعة تقع على الإستدامة ولهذا يقال اضطجع على الفراش ليلة وإن كان هو مضطجعا على الفراس وحده فاضطجعت عنده عليه نظرت فإن قام لوقته لم يحنث وإن استدام حنث لما ذكرنا وإن حلف لا يصوم وهو صائم فأتم يومه فقال القاضي لا يحنث ويحتمل أن يحنث لأن الصوم يقع على الاستدامة يقال صام يوما ولو شرع في صوم يوم العيد فظن انه من رمضان فبان أنه يوم العيد حرمت عليه استدامته وإن حلف لا يسافر وهو مسافر فأخذ في العود أو أقام لم يحنث وإن مضى في سفره حنث لأن الاستدامة سفر ولهذا يقال سافرت شهرا .
فصل : وإن حلف لا يلبس هذا وكان رداء في حال حلفه فارتدى به أو ائتزر أو اعتم به أو جلعه قميصا أو سراويل أو قباء ولبسه حنث وكذلك إن كان قميصا فارتدى به أو سراويل فائترز به حنث هذا هو الصحيح من مذهب الشافعي لأنه قد لبسه وإن قال في يمينه لا ألبسه وهو رداء فغيره عن كونه رداء ولبسه لم يحنث لأن اليمين وقعت على ترك لبسه رداء وإن قال والله لا لبست شيئا فلبس قميصا أو عمامة أو قلنسوة أو درعا أو جوشنا أو خفا أو نعلا حنث وقال أصحاب الشافعي في الخف والنعل وجهان أحدهما : لا يحنث .
ولنا أنه ملبوس حقيقة وعرفا فحنث به كالثياب وفي الحديث [ أن النجاشي أهدى إلى النبي A خفين فلبسهما وقيل لابن عمر أنك تلبس هذا النعال قال : إني رأيت رسول الله A يلبسهما وإن ترك القلنسوة في رجله أو ادخل يده في الخف أو النعل لم يحنث لأن ذلك ليس بلبس لهما ] .
فصل : وإن حلف ليلبسن امرأته حليا فلبسها خاتما من فضة أو مخنقة من لؤلؤ أو جوهر وحده بر في يمينه وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يبر لأنه ليس بحلي وحده .
ولنا قول الله تعالى : { وتستخرجوا منه حلية تلبسونها } وقال تعالى : { يحلون فيها من أساور من ذهب } وجاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو أنه قال الله تعالى للبحر الشرقي إني جاعل فيك الحلية والصيد والطيب ولأن الفضة حلي إذا كانت سوارا أو خلخالا فكانت حليا إذا كانت خاتما كالذهب ولاجوهر واللؤلؤ حلي مع غيره فكان حليا وحده كالذهب وإن ألبسها عقيقا أو سبجا لم يبر وقال الشافعي إن كان من أهل السواد بر وفي غيرهم وجهان لأن هذا حلي في عرفهم .
ولنا أن هذا ليس بحلي فلا يبر به كالودع وخرز الزجاج وما ذكروه يبطل بالودع وإن حلف لا يلبس حليا فلبس دراهم أو دنانير في مرسلة ففيه وجهان أحدهما : لا يحنث لأنه ليس بحلي إذا لم يلبسه فكذلك إذا لبسه .
والثاني : يحنث لأنه ذهب وفضة لبسه فكان حليا كالسوار والخاتم وإن لبس سيفا محلى لم يحنث لأن السيف ليس بحلي وإن لبس منطقة محلاة ففيه وجهان أحدهما : لا يحنث لأن الحلية لها دونه فأشبه السيف المحلى .
والثاني : يحنث لأنها من حلي الرجال ولا يقصد بلبسها محلاة في الغالب إلا التجمل بها وإن حلف لا يلبس خاتما فلبسه في غير الخنصر من أصابعه حنث وقال الشافعي لا يحنث لأن اليمين تقتضي لبسا معينا معتادا وليس هذا معتادا فأشبه ما لو أدخل القلنسوة في رجله .
ولنا أنه لابس لما حلف على ترك لبسه فأشبه ما لو ائتزر بالسروايل وإما ادخال القلنسوة في رجله فهو عبث وسفه بخلاف هذا فإنه لا فرق بين الخنصر وغيره إلا من حيث الإصطلاح على تخصيصه بالخنصر