مسألة و فصلان ما يجزىء من كسوة الكفارة .
مسألة : قال : وإن شاء كسا عشرة مساكين للرجل ثوب يجزئه أن يصلي فيه وللمرأة درع وخمار .
لا خلاف في أن الكسوة أحد أصناف كفارة اليمين لنص الله تعالى عليها في كتابه بقوله تعالى : { أو كسوتهم } ولا تدخل في كفارة غير كفارة اليمين ولا يجزئه أقل من كسوة عشرة لقول الله تعالى : { فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم } وتتقدر الكسوة بما تجزىء الصلاة فيه فإن كان رجلا فثوب تجزئه الصلاة فيه وإن كانت امرأة فدرع وخمار وبهذا قال مالك و ممن قال لا تجزئه السراويل الأوزاعي و أبو يوسف وقال إبراهيم ثوب جامع وقال الحسن كل مسكين حلة ازار ورداء قال ابن عمر و عطاء و طاوس و مجاهد وعكرمة وأصحاب الرأي يجزئه ثوب ثوب ولم يفرقوا بين الرجل والمرأة وحكي عن الحسن قال تجزىء العمامة وقال سعيد بن المسيب عباءة وعمامة وقال الشافعي يجزىء أقل ما يقع الإسم من سراويل أو ازار أو رداء أو مقنعة أو عمامة وفي القلنسوة وجهان واحتجوا بأن ذلك يقع عليه اسم الكسوة فأجزأ كالذي تجوز الصلاة فيه .
ولنا أن الكسوة أحد أنواع الكفارة فلم يجز فيه ما يقع عليه الإسم كالإطعام والإعتاق ولأن التكفير عبادة تعتبر فيها الكسوة فلم يجز فيها أقل مما ذكرناه كالصلاة ولأنه مصروف إلى المساكين في الكفارة فيتقدر كالإطعام ولأن الابس ما لا يستر عورته إنما يسمى عريانا ولا مكتسبا وكذلك لابس السراويل وحده أو مئزرا يسمى عريانا فلا يجزئه لقول الله تعالى : { أو كسوتهم } .
إذا ثبت هذا فإنه إذا كسا امرأة أعطاها درعا وخمارا لأنه أقل ما يستر عورتها وتجزئها الصلاة فيه وإن أعطاها ثوبا واسعا يمكنها أن تستر به بدنها ورأسها أجزأه ذلك وإن كسا الرجل أجزأه قميص أو ثوب يمكنه أن يستر عورته ويجعل على عاتقه منه شيئا أو ثوبين يأتزر باحدهما ويرتدي بالآخر ولا يجزئه مئزر وحده ولا سروال وحده لقول رسول الله A : [ لا يصلي أحدكم في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء ] .
فصل : ويجوز أن يكسوهم من جميع أصناف الكسوة من القطن والكتان والصوف والشعر والوبر والخز والحرير لأن الله تعالى أمر بكسوتهم ولم يعين جنسا فأي جنس كساهم منه خرج به عن العهدة لوجود الكسوة المأمور بها ويجوز أن يكسوهم لبيسا أو جديدا إلا أن يكون مما قد بلي وذهبت منفعته لأنه معيب فلا يجزىء كالحب المعيب والرقبة إذا بطلت منفعتها وسواء كان ما أعطاهم مصبوغا أو غير مصبوغ أو خاما أو مقصورا لأنه تحصل الكسوة المأمور بها والحكمة المقصودة منها .
فصل : والذين تجزىء كسوتهم هم المساكين الذين يجزىء إطعامهم لأن الله تعالى قال { فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم } فينصرف الضمير إليهم وقد تقدم الكلام في المساكين وأصنافهم