مسألة وفصلان حكم ما لو اطعم مسكينا واحدا .
مسألة : قال : ومن لم يصب إلا مسكينا واحدا ردد عليه في كل يوم تتمة عشرة أيام .
وجملته أن المكفر لا يخلو من أن يجد المساكين بكمال عددهم أو لا يجدهم فإن وجدهم لم يجزئه إطعام أقل من عشرة في كفارة اليمين ولا أقل من ستين في كفارة الظهار وكفارة الجماع في رمضان وبهذا قال الشافعي و أبو ثور وأجاز الأوزاعي دفعها إلى واحد وقال أبو عبيد أن خص بها أهل شديدي الحاجة جاز بدليل [ أن النبي A قال للمجامع في رمضان حين أخبره بشدة حاجته وحاجة أهله : أطعمه عيالك ] ولأنه دفع حق الله تعالى إلى من هو من أهل الاستحقاق فأجزأه كما لو دفع زكاته إلى واحد وقال أصحاب الرأي يجوز أن يرددها على مسكين واحد في عشرة أيام إن كانت كفارة يمين أو في ستين إن كان الواجب إطعام ستين مسكينا ولا يجوز دفعها إليه في يوم واحد وحكاه أبو الخطاب رواية عن أحمد لأنه في كل يوم قد أطعم مسكينا ما يجب للمسكين فأجزأ كما لو أعطى غيره ولأنه لو أطعم هذا المسكين من كفارة أخرى أجزأه فكذلك إذا أطعمه من هذه الكفارة .
ولنا قول الله تعالى : { فكفارته إطعام عشرة مساكين } ومن أطعم واحدا فما أطعم عشرة فما امتثل الأمر فلا يجزئه ولأن الله تعالى جعل كفارته إطعام عشرة مساكين فإذا لم يطعم عشرة فما اتى بالكفارة ولأن من لم يجز الدفع إليه في اليوم الأول لم يجز في اليوم الثاني مع اتفاق الحال كالولد فأما الواقع على أهله فإنما اسقط الله تعالى الكفارة عنه لعجزه عنها فإنه لا خلاف في أن الإنسان لا يأكل كفارة نفسه ولا يطعمها عائلته وقد أمر بذلك .
الحال الثاني : العاجز عن عدد المساكين كلهم فإنه يردد على الموجودين منهم في كل يوم حتى تتم عشرة فإن لم يجد إلا واحدا ردد عليه تتمة عشرة أيام وإن وجد اثنين ردد عليهما خمسة أيام وعلى هذا ونحو هذا قال الثوري وهو اختيار أكثر الأصحاب وعن أحمد رواية أخرى لا يجزئه إلا كمال العدد وهو مذهب مالك و الشافعي لما ذكرنا في حال القدرة .
ولنا أن ترديد الإطعام في عشرة أيام في معنى إطعام عشرة لأنه يدفع الحاجة في عشرة أيام فأشبه ما لو أطعم في كل يوم واحدا والشيء بمعناه يقوم مقامه بصورته عند تعذرها ولهذا شرعت الإبدال لقيامها مقام المبدلات في المعنى ولا يجتزأ بها مع القدرة على المبدلات كذا ههنا .
فصل : وإن أطعم كل يوم مسكينا حتى أكمل العشرة أجزأه بلا خلاف نعلمه لأن الواجب إطعام عشرة مساكين وقد أطعمهم وإن دفعها إلى من يظنه مسكينا فبان غنيا ففي ذلك وجهان بناء على الروايتين في دفع الزكاة إليه .
أحدهما : لا يجزئه وهو قول الشافعي و أبي يوسف و أبي ثور و ابن المنذر لأنه لم يطعم المساكين فلم يجزئه كما لو علم .
والثاني : يجزئه وهو قول أبي حنيفة و محمد لأنه دفعها إلى من يظنه مسكينا وظاهره المسنة فأجزأه كما لو لم يعلم حاله وهذا لأن الفقر يخفى وتشق معرفة حقيقته قال الله تعالى : { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف } فوجب أن يكتفى بظهوره وظنه [ وكذلك لما سأل الرجلان النبي A من الصدقة قال : إن شئتما أعطيتكما منها ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ] وإن بان كافر أو عبدا لم يجزئه وجها واحدا كقولنا في الزكاة لأن ذلك لا يكاد يخفى وليس هو في مظنة الخفاء فإن كان الدافع الإمام فأخطأ في الفقر لم يضمن وإن أخطأ في الحرية والإسلام فهل يضمن ؟ على الوجهين بناء على خطئه في الحد .
فصل : إذا أطعم مسكينا في يوم واحد من كفارتين ففيه وجهان .
أحدهما : يجزئه لأنه أطعم عن كل كفارة عشرة مساكين فأجزأه كما لو أطعمه في يومين ولأن من جاز له أن يأخذ من اثنين جاز أن يأخذ من واحد كالقدر الذي يجوز له أخذه من الزكاة .
والثاني : لا يجزئه إلا عن واحد وهو قول أبي حنيفة و أبي يوسف لأنه أعطى مسكينا في يوم طعام اثنين فلم يجزئه إلا عن واحد كما لو كان في كفارة واحدة وإن أطعم اثنين من كفارتين في يوم واحد جاز ولا نعلم في جوازه خلافا وكذلك ان أطعم واحدا من كفارتين في يومين جاز أيضا بغير خلاف نعلمه فلو كان على واحد عشر كفارات وعنده عشرة مساكين يطعمهم كل يوم كفارة يفرقها عليهم جاز لأنه أتى بما أمر به فخرج عن عهدته وبيان أنه أتى بما أمر أنه أطعم عن كل كفارة عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله والحكم في الكسوة كالحكم في الطعام على ما فصلناه