مسألة وفصول هل الكفارة قبل الحنث أو بعده .
مسألة : قال : ومن حلف فهو مخير في الكفارة قبل الحنث وبعده وسواء كانت الكفارة صوما أو غيره إلا في الظهار والحرام فعليه الكفارة قبل الحنث .
الظهار والحرام شيء واحد وإنما عطف أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظين ولا خلاف بين العلماء فيما علمنا في وجوب تقديم كفارته على الوطء والأصل فيه قول الله تعالى : { فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا } فأما كفارة سائر الأيمان فإنها تجوز قبل الحنث وبعده صوما كانت أو غيره في قول أكثر أهل العلم وبه قال مالك وممن روي عنه جواز تقديم التكفير عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس وسلمان الفارسي ومسلمة بن مخلد Bهم وبه قال الحسن و ابن سيرين و ربيعة و الأوزاعي و الثوري و ابن المبارك و إسحاق و أبو عبيد و أبو خثيمة و سليمان بن داود وقال أصحاب الرأي لا تجزىء الكفارة قبل الحنث لأنه تكفير قبل وجود سببه فأشبه ما لو كفر قبل اليمين ودليل ذلك أن سبب التكفير الحنث إذ هو هتك الإسم المعظم المحترم ولم يوجد وقال الشافعي كقولنا في الإعتاق والإطعام والكسوة وكقولهم في الصيام من أجل أنه عبادة بدنية فلم يجز فعله قبل وجوبه لغير مشقة كالصلاة .
ولنا روى عبد الرحمن بن سمرة قال : قال رسول الله A : [ إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير ] رواه أبو داود وفي لفظ : [ وائت الذي هو خير ] راوه البخاري و الأثرم وروى أبو هريرة وأبو الدرداء وعدي بن حاتم عن النبي A نحو ذلك ورواه الأثرم وعن أبي موسى عن النبي A أنه قال : [ إني إن شاء لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير ـ أو أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني ] رواه البخاري ولأنه كفر بعد وجود السبب فأجزأ كما لو كفر بعد الجرح وقبل الزهوق والسبب بدليل قوله تعالى : { ذلك كفارة أيمانكم } وقوله سبحانه : { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } وقول النبي A : [ وكفرت عن يميني ـ وكفر يمينك ] وتسمية الكفارة كفارة اليمين وبهذا ينفصل عما ذكروه فإن الحنث شرط وليس بسبب وتعجيل حق المال بعد وجود سببه وقبل وجود شرطه جائز بدليل تعجيل الزكاة بعد وجود النصاب قبل الحلول وكفارة القتل بعد الجرح وقبل الزهوق قال ابن عبد البر العجب من أصحاب أبي حنيفة أجازوا تقديم الزكاة من غير أن يرووا فيها مثل هذه الآثار الواردة في تقديم الكفارة ويأبون تقديم الكفارة مع كثرة الرواية الواردة فيها والحجة في السنة ومن خالفها محجوج بها فأما أصحاب الشافعي فهم محجوبون بالأحاديث مع أنهم قد احتجوا بها في البعض وخالفوها في البعض وفرقوا بين ما جمع بينه النص ولأن الصيام نوع تكفير فجاز قبل الحنث كالتكفير بالمال وقياس الكفارة على الكفارة أولى من قياسها على الصلاة المفروضة بأصل الوضع .
فصل : فأما التكفير قبل اليمين فلا يجوز عند أحد من العلماء لأنه تقديم للحكم قبل سببه فلم يجز كتقديم الزكاة قبل ملك النصاب وكفارة القتل قبل الجرح .
فصل : والتكفير قبل الحنث وبعده سواء في الفضيلة وقال ابن أبي موسى : بعده أفضل عند أحمد وهو قول الشافعي و مالك و الثوري لما فيه من الخروج من الخلاف وحصول اليقين ببراءة الذمة .
ولنا أن الأحاديث الواردة فيه فيها التقديم مرة والتأخير أخرى وهذا دليل التسوية ولأنه تعجيل مال يجوز تعجيله قبل وجوبه فلم يكن التأخير أفضل كتعجيل الزكاة وكفارة القتل وما ذكروه معارض بتعجيل النفع للفقراء والتبرع بما لم يجب عليه وعلى أن الخلاف المخالف للنصوص لا يوجب تفضيل المجمع عليه كترك الجمع بين الصلاتين .
فصل : وإن كان الحنث في اليمين محظورا فعجل الكفارة قبله ففيه وجهان : .
أحدهما : تجزئه لأنه عجل الكفارة بعد سببها فأجزأته كما لو كان الحنث مباحا .
والثاني : لا تجزئه لأن التعجيل رخصة فلا يستباح بالمعصية كالقصر في سفر المعصية والحديث لم يتناول المعصية فإنه قال : إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر وهذا لم ير غيرها خيرا منها ولأصحاب الشافعي في هذا وجهان كما ذكرنا