مسائل وفصول أحكام الكفارة واليمين المكفرة والقسم بصفات الله والقسم بحذف حرف .
مسألة : قال : والكفارة إنما تلزم من حلف يريد عقد اليمين .
وجملته أن اليمين التي تمر على لسانه في عرض حديثه من غير قصد إليها لا كفارة فيها في قول أكثر أهل العلم لأنها من لغو اليمين نقل عبد الله عن أبيه أنه قال : اللغو عندي أن يحلف على اليمين يرى انها كذلك والرجل يحلف فلا يعقد قلبه على شيء وممن قال ان اللغو اليمين التي لا يعقد عليها قلبه عمر وعائشة Bهما وبه قال عطاء و القاسم وعكرمة و الشعبي و الشافعي لما روي عن عطاء قال : [ قالت عائشة أن رسول الله A قال يعني اللغو في اليمين هو كلام الرجل في بيته لا والله وبلى والله ] أخرجه أبو داود قال ورواه الزهري و عبد الملك بن أبي سليمان و مالك بن مغول عن عطاء عن عائشة موقوفا وروى الزهري أن عروة حدثه عن عائشة قالت : أيمان اللغو ما كان في المراء والهزل والمزاحة والحديث الذي لا يعقد عليه القلب وأيمان الكفارة كل يمين حلف عليها على وجه من الأمر في غضب أو غيره ليفعلن أو ليتركن فذلك عقد الإيمان التي فرض الله تعالى فيها الكفارة ولأن اللغو في كلام العرب الكلام غير المعقود عليه وهذا كذلك وممن قال لا كفارة في هذا ابن عباس وأبو هرية وأبو مالك وزرارة ابن أوفى و الحسن و النخعي و مالك وهو قول من قال إنه من لغو اليمين ولا نعلم في هذا خلافا ووجه ذلك قول الله تعالى ك { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين } فجعل الكفارة لليمين التي يؤاخذ بها ونفى المؤاخذة باللغو فيلزم انتفاء الكفارة ولأن المؤاخذة يحتمل أن يكون معناها إيجاب الكفارة بدليل أنها تجب في الأيمان التي لا مأثم فيها وإذا كانت المؤاخذة إيجاب الكفارة فقد نفاها في اللغو فلا تجب ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفا في عصرهم فكان إجماعا ولأن قول عائشة في تفسير اللغو وبيان الأيمان التي فيها الكفارة خرج منها تفسيرا لكلام الله تعالى وتفسير الصحابي مقبول .
مسألة : قال : ومن حلف على شيء يظنه كما حلف فلم يكن فلا كفارة عليه لأنه من لغو اليمين .
أكثر أهل العلم على أن هذه اليمين لا كفارة فيها قاله ابن المنذر يروى هذا ابن عباس وأبي هريرة وأبي مالك وزرارة بن أوفى و الحسن و النخعي و مالك و أبي حنيفة و الثوري وممن قال هذا لغو اليمين مجاهد و سليمان بن يسار و الأوزاعي و الثوري و أبو حنيفة وأصحابه وأكثر أهل العلم على أن لغو اليمين لا كفارة فيه وقال ابن عبد البر : أجمع المسلمون على هذا وقد حكي عن النخعي في اليمين على شيء يظنه حقا فتبين بخلافه أنه من لغو اليمين وفيه الكفارة وهو أحد قولي الشافعي وروي عن أحمد أن فيه الكفارة وليس من لغو اليمين لأن اليمين بالله تعالى وجدت مع المخالفة فأوجبت الكفارة كاليمين على مستقبل .
ولنا قول الله تعالى : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } وهذه منه ولأنها يمين غير منعقدة فلم تجب فيها كفارة كيمين الغموس ولأنه غير مقصود للمخالفة فأشبه ما لو حنث ناسيا وفي الجملة لا كفارة في يمين على ماض لأنها تنقسم ثلاثة أقسام ما هو صادق فيه فلا كفارة فيه إجماعا وما تعمد الكذب فيه فهو يمين الغموس لا كفارة فيها لأنها أعظم من أن تكون فيها كفارة وما يظنه حقا فيتبين بخلافه فلا كفارة فيه لأنه من لغو اليمين أما اليمين على المستقبل فما عقد عليه قلبه وقصد اليمين عليه ثم خالف فعليه الكفارة وما لم يعقد عليه قلبه ولم يقصد اليمين عليه وإنما جرت على لسانه فهو من لغو اليمين وكلام عائشة يدل على هذا فإنها قالت أيمان اللغو ما كان في المراء والمزاحة والهزل والحديث الذي لا يعقد عليه القلب وأيمان الكفارة كل يمين حلف عليها على وجه من الأمر في غضب أو غيره ليفعلن أو ليتركن فذلك عقد الأيمان التي فرض الله فيها الكفارة وقال الثوري : في جامعة الأيمان أربعة يمينان يكفران وهو أن يقول الرجل : والله لا افعل فيفعل أو يقول والله لأفعلن ثم لا يفعل ويمينان لا يكفران أن يقول والله ما فعلت وقد فعل أو يقول والله لقد فعلت وما فعل مسألة : قال : واليمين المكفرة فأن يحلف بالله D أو باسم من اسمائه .
أجمع أهل العلم على أن من حلف بالله D فقال والله أو بالله أو تالله فحنث أن عليه الكفارة قال ابن المنذر وكان مالك و الشافعي و أبو عبيد و أبو ثور وأصحاب الرأي يقولون من حلف باسم من أسماء الله تعالى فحنث أن عليه الكفارة ولا نعلم في هذا خلافا إذا كان من أسماء الله D التي لا يسمى بها سواه وأسماء الله تنقسم ثلاثة أقسام : .
احدها : ما لا يسمى بها غيره نحو قوله والله والرحمن والأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء ورب العالمين و مالك يوم الدين ورب السموات والأرض والحي الذي لا يموت ونحو هذا فالحلف بهذا يمين بكل حال .
والثاني : ما يسمى به غير الله تعالى مجازا وإطلاقه ينصرف إلى الله تعالى مثل الخالق والرازق والرب والرحيم والقادر والقاهر والملك والجبار ونحوه فهذا يسمى به غير الله مجازا بدليل قول الله تعالى : { وتخلقون إفكا } { وتذرون أحسن الخالقين } وقوله : { ارجع إلى ربك } { اذكرني عند ربك } { فأنساه الشيطان ذكر ربه } وقال : { فارزقوهم منه } وقال : { بالمؤمنين رؤوف رحيم } فهذا أن نوى به اسم الله تعالى أو أطلق كان يمينا لأنه بإطلاقه ينصرف إليه وإن نوى به غير الله تعالى لم يكن يمينا لأنه يستعمل في غيره فينصرف بالنية إلى ما نواه وهذا مذهب الشافعي وقال طلحة العاقولي إذا قال : والرب والخالق والرازق كان يمينا على كل حال كالأول لأنها لا تستعمل مع التعريف بلام التعريف إلا في إسمه تعالى فأشبهت القسم الأول .
الثالث : ما يسمى به الله تعالى وغيره ولا ينصرف إليه بإطلاقه كالحي والعالم والموجود والمؤمن والكريم والشاكر فهذا إن قصد به اليمن بإسم الله تعالى كان يمينا وإن أطلق أو قصد غير الله تعالى لم يكن يمينا فيختلف هذا القسم والذي قبله في حالة الإطلاق ففي الأول يكون يمينا وفي الثاني لا يكون يمينا وقال القاضي و الشافعي في هذا القسم لا يكون يمينا وإن قصد به إسم الله تعالى لأن اليمين إنما تنعقد لحرمة الإسم فمع الإشتراك لا تكون له حرمة والنية المجردة لا تنعقد بها اليمين .
ولنا أنه أقسم باسم الله تعالى قاصدا به الحلف به فكان يمينا مكفرة كالقسم الذي قبله وقولهم أن النية المجردة لا تنعقد بها اليمين نقول به وما انعقد بالنية المجردة إنما انعقد بالإسم المحتمل المراد به اسم الله تعالى فإن النية تصرف اللفظ المحتمل إلى أحد محتملاته فيصير كالمصرح به كالكنايات وغيرها ولهذا لو نوى بالقسم الذي قبله غير الله تعالى لم يكن يمينا لنيته .
فصل : والقسم بصفات الله تعالى كالقسم بأسمائه وصفاته تنقسم أيضا ثلاثة أقسام : .
أحدها : ما هو صفات لذات الله تعالى لا يحتمل غيرها كعزة الله تعالى وعظمته وجلاله وكبريائه وكلامه فهذه تنعقد بها اليمين في قولهم جميعا وبه يقول الشافعي وأصحاب الرأي لأن هذه من صفات ذاته لم يزل موصوفا بها وقد ورد الأثر بالقسم ببعضها فروي أن النار تقول : قط قط عزتك رواه البخاري والذي يخرج من النار يقول : وعزتك لا أسألك غيرها وفي كتاب الله تعالى : { فبعزتك لأغوينهم أجمعين } .
والثاني : ما هو صفة للذات ويعبر به عن غيرها مجازا كعلم الله وقدرته فهذه صفة للذات لم يزل موصوفا بها وقد تستعمل في المعلوم والمقدور اتساعا كقولهم اللهم اغفر لنا علمك فينا ويقال اللهم قد أريتنا قدرتك فأرنا عفوك ويقال انظر إلى قدرة الله أي مقدوره فمتى أقسم بهذا كان يمينا وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا قال وعلم الله لا يكون يمينا لأنه يحتمل المعلوم .
ولنا أن العلم من صفات الله تعالى فكانت اليمين به يمينا موجبة للكفارة كلاعظمة والعزة والقدرة وينتقض ما ذكروه بالقدرة فإنهم قد سلموها وهي قرينتها فأما أن نوى القسم بالمعلوم والمقدور احتمل أن لا يكون يمينا وهو قول أصحاب الشافعي لأنه نوى بالإسم غير صفة الله مع احتمال اللفظ ما نواه فأشبه ما لو نوى القسم بمحلوف في الأسماء التي يسمى بها غير الله تعالى وقد روي عن أحمد أن ذلك يكون بيمينا بكل حال ولا تقبل منه نية غير صفة الله تعالى وهو قول أبي حنيفة في القدرة لأن ذلك موضوع للصفة فلا يقبل منه نية غير الصفة كالعظمة وقد ذكر طلحة العاقولي في أسماء الله تعالى المعرفة بلام التعريف كالخالق والرازق أنها تكون يمينا بكل حال لأنها لا تنصرف إلا إلى اسم الله كذا هذا .
الثالث : ما لا ينصرف بإطلاقه إلى صفة الله تعالى لكن ينصرف بإضافته إلى الله سبحانه لفظا أو نية كالعهد والميثاق والأمانة ونحوه فهذا لا يكون يمينا مكفرة إلا بإضافته أو نيته وسنذكره ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى .
فصل : وإن قال وحق الله فهي يمين مكفرة وبهذا قال مالك و الشافعي وقال ابو حنيفة لا كفارة لها لأن حق الله طاعته ومفروضاته وليست صفة له .
ولنا أن لله حقوقا يستحقها لنفسه من البقاء والعظمة والجلال والعزة وقد اقترن عرف الإستعمال بالحلف بهذه الصفة فتنصرف إلى صفة الله تعالى كقوله وقدرة الله وإن نوى بذلك القسم بمخلوق فالقول فيه كالقول في الحلف بالعلم والقدرة إلا أن إحتمال المخلوق بهذا اللفظ أظهر .
فصل : وإن قال لعمر الله فهي يمين موجبة للكفارة وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي إن قصد اليمين فهي يمين وإلا فلا وهو اختيار أبي بكر لأنها إنما تكون يمينا بتقدير خبر محذوف فكأنه قال لعمر الله ما أقسم به فيكون مجازا والمجاز لا ينصرف إليه الإطلاق .
ولنا أنه أقسم بصفة من صفات ذات الله فكان يمينا موجبا للكفارة كالحلف ببقاء الله تعالى فإن معنى ذلك الحلف ببقاء الله تعالى وحياته ويقال العمر والعمر واحد وقيل معناه وحق الله وقد ثبت له عرف الشرع والإستعمال قال الله تعالى : { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون } .
وقال النابغة : ( فلا لعمر الذي قد زرته حججا ... وما أريق على الأنصاب من جسد ) .
وقال آخر : ( إذا رضيت كرام بني قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها ) .
وقال آخر : ( ولكن لعمر الله ما ظل مسلما ... كغر الثنايا واضحات الملاغم ) .
وهذا في الشعر والكلام كثير وأما احتياجه إلى التقدير فلا يصح فإن اللفظ إذا اشتهر في العرف صار من الأسماء العرفية يجب حمله عليه عند الإطلاق دون موضوعه الأصلي على ما عرف من سائر الأسماء العرفية ومتى احتاج اللفظ إلى التقدير وجب التقدير له ولم يجز اطراحه ولهذا يفهم مراد المتكلم به من غير اطلاع على نية قائله وقصده كما يفهم أن مراد المتكلم بهذا من المتقدمين القسم ويفهم بغير حرف القسم في أشعارهم القسم في مثل قوله .
( فقلت يمين الله أبرح قاعدا ) .
ويفهم من القسم الذي حذف في جوابه حرف لا أنه مقدر مراد كهذا البيت ويفهم من قول الله تعالى : { واسأل القرية } { وأشربوا في قلوبهم العجل } التقدير فكذا ههنا وإن قال عمرك الله كما في قوله : .
( أيها المنكح الثريا سهيلا ... عمرك الله كيف يلتقيان ؟ ) .
فقد قيل هو مثل قوله نشدتك الله ولهذا ينصب اسم الله تعالى فيه وإن قال لعمري أو لعمرك أو عمرك فليس بيمين في قول أكثرهم وقال الحسن في قوله لعمري عليه الكفارة .
ولنا أنه أقسم بحياة مخلوق فلم تلزمه كفارة كما لو قال وحياتي وذلك لأن هذا اللفظ يكون قسما بحياة الذي أضيف إليه لعمر فإن التقدير لعمرك قسمي أو ما أقسم به والعمر الحياة أو البقاء .
فصل : وإن قال وايم الله أو وايمن الله فهي يمين موجبة للكفارة والخلاف فيه كالذي ذكرنا في الفصل الذي قبله وقد كان النبي A يقسم به وانضم إليه عرف الإستعمال فوجب أن يصرف إليه واختلف في اشتقاقه فقيل هو جمع يمين وحذفت النون فيه في البعض تخفيفا لكثرة الإستعمال وقيل هو من اليمين فكأنه قال ويمين الله لأفعلن وألفه ألف وصل .
فصل : وحروف القسم ثلاثة : الباء وهي الأصل وتدخل على المظهر والمضمر جميعا والواو وهي بدل من الباء تدخل على المظهر دون المضمر لذلك وهي أكثر استعمالا وبها جاءت أكثر الأقسام في الكتاب والسنة وإنما كانت الباء الأصل لأنها الحرف الذي تصل به الأفعال القاصرة عن التعدي إلى مفعولاتها والتقدير في القسم أقسم بالله كما قال الله تعالى : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } والتاء بدل من الواو وتحتص باسم واحد من أسماء الله تعالى وهو الله ولا تدخل على غيره فيقال تالله ولو قال تالرحمن أو تالرحيم لم يكن قسما فإذا أقسم باحد هذه الحروف الثلاثة في موضعه كان قسما صحيحا لأنه موضوع له وقد جاء في كتاب الله تعالى وكلام العرب قال الله تعالى : { تالله لتسألن عما كنتم تفترون } { تالله لقد آثرك الله علينا } { تالله تفتأ تذكر يوسف } { تالله لقد علمتم } { وتالله لأكيدن أصنامكم } قال الشاعر : .
( الله يبقى على الأيام ذو حيد ... بمشمخر به الضيان والآس ) .
فإن قال ما أردت به القسم لم يقبل منه لأنه أتى باللفظ الصريح في القسم واقترنت به قرينة دالة عليه وهو الجواب بجواب القسم ويحتمل أن يقبل منه في قوله تالله لأقومن إذا قال أردت أن قيامي بمعونة الله وفضله لأنه فسر كلامه بما يحتمله ولا يقبل في الحرفين الآخرين لعدم الإحتمال ويحتمل أن لا يقبل بحال لأنه أجاب بجواب القسم فيمنع صرفه إلى غيره .
فصل : وإن أقسم بغير حرف القسم فقال الله لأقومن بالجر أو النصب كان يمينا وقال الشافعي لا يكون يمينا إلا أن ينوي لأن ذكر اسم الله تعالى بغير حرف القسم ليس بصريح في القسم فلا ينصرف إليه إلا بالنية .
ولنا أنه سائغ في العربية وقد ورد به عرف الإستعمال في الشرع [ فروي أن عبد الله بن مسعود أخبر النبي A أنه قتل أبا جهل فقال : الله أنك قتلته ؟ ] قال الله إني قتلته ذكره البخاري وقال لركانة بن عبد يزيد : الله ما أردت إ لا واحدة قال ما أردت إلا واحدة وقال امرؤ القيس : .
( فقلت يمين الله أبرح قاعدا ) .
وقال أيضا ( فقلت يمين الله مالك حيلة ) .
وقد اقترنت به قرينتان تدلان عليه إحداهما : الجواب بجواب القسم والثاني : النصب والجر في اسم الله تعالى فوجب أن تكون يمينا كما لو قال والله وإن قال الله لأفعلن بالرفع ونوى اليمين فهيي يمين لكنه قد لحن فهو كما لو قال والله بالرفع وإن لم ينو اليمين فقال أبو الخطاب يكون يمينا لأن قرينة الجواب بجواب القسم كافية والعامي لا يعرف الإعراب فيأتي به إلا أن يكون من أهل العربية فإن عدوله عن إعراب القسم دليل على أنه لم يرده ويحتمل أن لا يكون قسما في حق العامي لأنه ليس بقسم في حق أهل العربية فلم يكن قسما في غيرهم كما لو لم يجبه بجواب القسم .
فصل : ويجاب القسم باربعة أحرف : حرفان للنفي هما ما ولا وحرفان للإثبات وهما ان واللام المفتوحة وتقوم أن المكسورة مقام ما النافية مثل قوله : { وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى } وإن قال والله أفعل بغير حرف فالمحذوف ههنا لا وتكون يمينه على النفي لأن موضوعه في العربية كذلك قال الله تعالى : { تالله تفتأ تذكر يوسف } أي لا تفتؤ وقال الشاعر تالله يبقى على الأيام ذو حيد وقال آخر فقلت يمين الله أبرح قاعدا أي لا أبرح .
فصل : فإن قال لا ها لله ونوى اليمين فهو يمين [ لما روي أن أبا بكر الصديق Bه قال في سلب قتيل أبي قتادة لاها لله إذا تعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه ؟ فقال رسول الله A : صدق ] وإن لم ينو اليمين فالظاهر أنه لا يكون يمينا لأنه لم يقترن به عرف ولا نية ولا في جوابه حرف يدل على القسم وهذا مذهب الشافعي Bه .
مسألة : قال : أو بآية من القرآن .
وجملته أن الحلف بالقرآن أو بآية منه أو بكلام الله يمين منعقدة تجب الكفارة بالحنث فيها وبهذا قال ابن مسعود و الحسن و قتادة و مالك و الشافعي و أبو عبيد و عامة أهل العلم وقال أبو حنيفة وأصحابه ليس بيمين ولا تجب به كفارة فمنهم من زعم أنه مخلوق ومنهم من قال : لا يعهد اليمين به .
ولنا أن القرآن كلام الله وصفة من صفات ذاته فتنعقد اليمين به كما لو قال وجلال الله وعظمته وقولهم هو مخلوق قلنا هذا كلام المعتزلة وإنما الخلاف مع الفقهاء وقد روي عن ابن عمر أن النبي A قال [ القرآن كلام الله غير مخلوق ] وقال ابن عباس في قوله تعالى : { قرآنا عربيا غير ذي عوج } أي غير مخلوق وأما قولهم لا يعهد اليمين به فيلزمهم قولهم وكبرياء الله وعظمته وجلاله إذا ثبت هذا فإن الحلف بآية منه كالحلف بجميعه لأنها من كلام الله تعالى .
فصل : وإن حلف بالمصحف انعقدت يمينه وكان قتادة يحلف بالمصحف ولم يكره ذلك أمامنا و إسحاق لأن الحالف بالمصحف إنما قصد بالمكتوب فيه وهو القرآن فإنه بين دفتي المصحف بإجماع المسلمين .
مسألة : قال : أو تصدق بملكه أو بالحج .
وجملته أنه إذا أخرج النذر مخرج اليمين بأن يمنع نفسه أو غيره به شيئا أو يحث به على شيء مثل أن يقول ان كلمت زيدا فلله علي الحج أو صدقة مالي أو صوم سنة فهذا يمين حكمة أنه مخير بين الوفاء بما حلف عليه فلا يلزمه شيء وبين أن يحنث فيتخير بين فعل المنذور وبين كفارة يمين ويسمى نذر اللجاج والغضب ولا يتعين عليه الوفاء به وإنما يلزم نذر التبرر وسنذكره في بابه وهذا قول عمر وابن عباس وابن عمر وعائشة وحفصة وزينب بنت أبي سلمة وبه قال عطاء و طاوس و عكرمة و القاسم و الحسن و جابر بن زيد و النخعي و قتادة و عبد الله بن شريك و الشافعي و العنبري و إسحاق و أبو عبيد و أبو ثور و ابن المنذر وقال سعيد بن المسيب لا شيء في الحلف بالحج وعن الشعبي و الحارث العكلي و حماد و الحكم لا شيء في الحلف بصدقة ماله لأن الكفارة إنما تلزم بالحلف بالله تعالى لحرمة الإسم وهذا ما حلف باسم الله ولا يجب ما سماه لأنه لم يخرجه مخرج القربة وإنما التزمه على طريق العقوبة فلم يلزمه وقال أبو حنيفة و مالك يلزمه الوفاء بنذره لأنه نذر فيلزمه الوفاء به كنذر التبرر وروي نحو ذلك عن الشعبي .
ولنا ما روى عمران بن حصين قال : سمعت رسول الله A يقول : [ لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين ] رواه سعيد بن منصور و الجوزجاني في المترجم وعن عائشة أن النبي A قال : [ من حلف بالمشي أو الهدي أو جعل ماله في سبيل الله أو في المساكين أو في رتاج الكعبة فكفارته كفارة اليمين ] ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم في عصرهم ولأنه يمين فيخل في عموم قوله تعالى : { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين } ودليل أنه يمين أنه يسمى بذلك ويسمى قائله حالفا وفارق نذر التبرر لكونه قصد به التقرب إلى الله تعالى والبر ولم يخرجه مخرج اليمين وههنا خرج مخرج اليمين ولم يقصد به قربة ولا برا فاشبه اليمين من وجه والنذر من وجه فخير بين الوفاء به وبين الكفارة .
وعن أحمد رواية ثانية أنه تتعين الكفارة ولا يجزئه الوفاء بنذره وهو قول لبعض أصحاب الشافعي لأنه يمين والأول أولى لأنه انما التزم فعل ما نذره فلا يلزمه أكثر منه كنذر التبرر وفارق اليمين بالله تعالى لأنه أقسم بالإسم المحترم فإذا خالف لزمته الكفارة تعظيما للإسم بخلاف هذا .
مسألة : قال : أو بالعهد .
وجملته أنه إذا حلف بالعهد أو قال وعهد الله وكفالته فذلك يمين يجب تكفيرها إذا حنث فيها وبهذا قال الحسن و طاوس و الشعبي و الحارث العكلي و قتادة و الحكم و الأوزاعي و مالك وحلفت عائشة Bها بالعهد أن لا تكلم ابن الزبير فلما كلمته اعتقت أربعين رقبة وكانت إذا ذكرته تبكي وتقول واعهداه قال أحمد شديد في عشرة مواضع من كتاب الله : { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا } ويتقرب إلى الله تعالى إذا حلف بالعهد وحنث ما استطاع وعائشة أعتقت أربعين رقبة ثم تبكي حتى تبل خمارها وتقول واعهداه وقال عطاء و أبو عبيد و ابن المنذر لا يكون يمينا إلا أن ينوي وقال الشافعي لا يكون يمينا إلا أن ينوي اليمين بعهد الله الذي هو صفته وقال أبو حنيفة ليس بيمين ولعلهم ذهبوا إلى أن العهد من صفات الفعل فلا يكون الحلف به يمينا كما لو قال : وخلق الله وقد وافقنا أبو حنيفة في أنه إذا قال علي عهد الله وميثاقه لأفعلن ثم حنث أنه يلزمه الكفارة .
ولنا أن عهد الله يحتمل كلامه الذي أمرنا به ونهانا كقوله تعالى : { ألم أعهد إليكم يا بني آدم } وكلامه قديم صفة له ويحتمل أنه استحقاقه لما تعبدنا به وقد ثبت له عرف الإستعمال فيجب أن يكون يمينا بإطلاقه كما لو قال : وكلام الله إذا ثبت هذا فإنه إن قال علي عهد الله وميثاقه لأفعلن أو قال وعهد الله وميثاقه لأفعلن فهو يمين وإن قال والعهد والميثاق لأفعلن ونوى عهد الله كان يمينا لأنه نوى الحلف بصفة من صفات الله تعالى وإن أطلق فقال القاضي فيه روايتان إحداهما : يكون يمينا لأن لام التعريف إن كانت للعهد يجب أن تنصرف إلى عهد الله لأنه الذي عهدت اليمين به وإن كانت للاستغراق دخل فيه ذلك والثانية : لا يكون يمينا لأنه يحتمل غير ما وجبت به الكفارة ولم يصرفه إلى ذلك بنيته فلا تجب الكفارة لأن الأصل عدمها .
مسألة : قال : أو بالخروج من الإسلام .
اختلفت الرواية عن أحمد في الحلف بالخروج من الإسلام مثل أن يقول هو يهودي أو نصراني أو مجوسي أن فعل كذا أو هو بريء من الإسلام أو من رسول الله أو من القرآن أن فعل أو يقول هو يعبد الصليب أو يعبدك أو يعبد غير الله تعالى إن فعل أو نحو هذا فعن أحمد عليه الكفارة إذا حنث يروى هذا عن عطاء و طاوس و الحسن و الشعبي و الثوري و الأوزاعي و إسحاق و أصحاب الرأي ويروى ذلك عن زيد بن ثابت Bه .
والرواية الثانية : لا كفارة عليه وهو قول مالك و الشافعي و الليث و أبي ثور و ابن المنذر لأنه لم يحلف باسم الله ولا صفته فلم تلزمه كفارة كما لو قال عصيت الله تعالى فيما أمرني ويحتمل أن يحمل كلام أحمد في الرواية الأولى على الندب دون الإيجاب لأنه قال في رواية حنبل إذا قال أكفر بالله أو أشرك بالله فأحب إلي أن يكفر كفارة يمين إذا حنث ووجه الرواية الأولى ما [ روي عن الزهري عن خارجة بن زيد عن أبيه عن النبي A أنه سئل عن الرجل يقول هو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو بريء من الإسلام في اليمين يحلف بها بالله في هذه الأشياء فقال : عليه كفارة يمين ] أخرجه أبو بكر ولأن البراء من هذه الأشياء توجب الكفر بالله فكان الحلف بها يمينا كالحلف بالله تعالى .
والرواية الثانية : أصح إن شاء الله تعالى فإن الوجوب من الشارع ولم يرد في هذه اليمين نص ولا هي في قياس المنصوص فإن الكفارة إنما وجبت في الحلف باسم الله تعظيما لاسمه واظهارا لشرفه وعظمته ولا تتحقق التسوية .
فصل وإن قال هو يستحل الخمر والزنا إن فعل ثم حنث أو قال هو يستحل ترك الصلاة أو الصيام أو الزكاة فهو كالحلف بالبراءة من الإسلام لأن استحلال ذل يوجب الكفر وإن قال عصيت الله فيما أمرني أو في كل ما افترض علي أو محوت المصحف أو أنا أسرق أو أقتل النفس التي حرم الله إن فعلت وحنث لم تلزمه كفارة لأن هذ دون الشرك وإن قال أخزاه الله وأقطع يده أو لعنه الله إن فعل ثم حنث فلا كفارة عليه نص عليه أحمد وبهذا قال عطاء و الثوري و أبو عبيد وأصحاب الرأي وقال طاوس و الليث عليه كفارة ويه قال الأوزاعي إذا قال عليه لعنة الله .
ولنا أن هذا يوجب للكفر فأشبه ما لو قال محوت المصحف وإن ا قال لا يراني الله في موضع كذا إن فعلت وحنث فقال القاضي عليه كفارة وذكر أن أحمد نص عليه والصحيح إن هذا لا كفارة فيه لأن إيجابها في هذا ومثله تحكم بغير نص ولا قياس صحيح