فصل خمسة أقسام .
فصل : والإيمان تنقسم خمسة أقسام : .
أحدها : واجب وهي التي ينجي بها إنسانا معصوما من هلكة كما [ روي عن سويد بن حنظلة قال : خرجنا نريد النبي A ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدو له فتحرج القوم أن يحلفوا وحلفت أنا أنه أخي فذكرت ذلك للنبي A : صدقت المسلم أخو المسلم ] رواه أبو داود و النسائي فهذا ومثله واجب لأن انجاء المعصوم واجب وقد تعين في اليمين فيجب وكذلك انجاء نفسه مثل أن تتوجه عليه إيمان القسامة في دعوى القتل عليه وهو بريء .
الثاني : مندوب وهو الحلف الذي تتعلق به مصلحة من إصلاح بين متخاصمين أو إزالة حقد من قلب مسلم عن الحالف أو غيره أو دفع شر فهذا مندوب لأن فعل هذه الأمور إليه واليمين مفضية إليه وإن حلف على فعل طاعة أو ترك معصية ففيه وجهان : .
أحدهما : أنه مندوب إليه وهو قول بعض أصحابنا وأصحاب الشافعي لأن ذلك يدعوه إلى فعل الطاعات وترك المعاصي .
والثاني : ليس بمندوب إليه لأن النبي A وأصحابه لم يكونوا يفعلون ذلك في الأكثر الأغلب ولا حنث النبي A أحدا عليه ولا ندبه إليه ولو كان ذلك طاعة لم يخلوا به ولأن ذلك يجري النذر [ وقد نهى النبي A عن النذر وقال : أنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل ] متفق عليه .
الثالث : المباح مثل الحلف على فعل مباح أو تركه والحلف على الخبر بشيء هو صادق فيه أو يظن أنه فيه صادق فإن الله تعالى قال : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } ومن صور اللغو أن يحلف على شيء يظنه كما حلف عليه ويبين بخلافه فأما الحلف على الحقوق عند الحاكم ففيه وجهان : .
أحدهما : أن تركه أولى من فعله فيكون مكروها ذكر ذلك أصحابنا وأصحاب الشافعي لما روي أن عثمان والمقداد تحاكما إلى عمر في مال استقرضه المقداد فجعل عمر اليمين على المقداد فردها على عثمان فقال عمر لقد أنصفك فأخذ عثمان ما أعطاه المقداد ولم يحلف فقال خفت أن يوافق قدر بلاء فيقال بيمين عثمان .
والثاني : أنه مباح فعله كتركه لأن الله تعالى أمر نبيه بالحلف على الحق في ثلاثة مواضع وروي محمد ابن كعب القرظي أن عمر قال على المنبر وفي يده عصا : يا أيها الناس لا تنمعكم اليمين من حقوقكم فوالذي نفسي بيده أن في يدي لعصا .
وروى عمر بن شبة في كتاب قضاة البصرة بإسناده عن الشعبي أن عمرا وأبيا تحاكما إلى زيد في نخل ادعاه أبي فتوجهت اليمين على عمر فقال زيد أعف أمير المؤمنين فقال عمر ولم يعفي أمير المؤمنين ؟ إن عرفت شيئا استحققته بيميني وإلا تركته والله الذي لا آله إلا هو أن النخل لنخلي وما لأبي فيه حق لما خرجا وهب حقوقهم بعدي فيكون سنة ولأنه حلف صدق على حق فأشبه الحلف عند غير الحاكم .
الرابع : المكروه وهو الحلف على فعل مكروه أو ترك مندوب قال الله تعالى : { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس } .
وروي أن أبا بكر الصديق Bه حلف لا ينفق على مسطح بعد الذي قال لعائشة ما قال وكان من جملة أهل الإفك الذين تكلموا في عائشة Bها فأنزل الله تعالى : { ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا } وقيل المراد بقوله { ولا يأتل } أي لا يمتنع ولأن اليمين على ذلك مانعة من فعل الطاعة أو حاملة على فعل المكروه فتكون مكروهة فإن قيل لو كانت مكروهة لانكر النبي A على الأعرابي الذي سأله عن الصلوات فقال هل علي غيرها ؟ فقال : لا إلا أن تطوع فقال : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها ولا أنقص منها ولم ينكر عليه النبي A بل قال : أفلح الرجل أن صدق قلنا لا يلزم هذا فإن اليمين على تركها لا تزيد ولو تركها لم ينكر عليه ويكفي في ذلك بيان أن ما تركه تطوع وقد بينه له النبي A بقوله : إلا أن تطوع ولأن هذه اليمين أن تضمنت ترك المندوب فقد تناولت فعل الواجب والمحافظة عليه كله بحيث لا ينقص منه شيئا وهذا في الفضل يزيد على ما قابله من ترك التطوع فيترجح جانب الإثبات بها على تركها فيكون من قبيل المندوب فكيف ينكر ؟ ولأن في الإقرار على هذه اليمين بيان حكم محتاج إليه وهو بيان أن ترك التطوع غير مؤاخذ به فلو أنكر على الحالف لحصل ضد هذا وتوهم كثير من الناس لحوق الأثم فيفوت الغرض ومن قسم المكروه الحلف في البيع والشراء ف [ إن النبي A قال : الحلف منفق للسلعة ممحق للبركة ] رواه ابن ماجة .
القسم الخامس : المحرم وهو الحلف الكاذب فإن الله تعالى ذمة بقوله تعالى : { ويحلفون على الكذب وهم يعلمون } ولأن الكذب حرام فإذا كان محلوقا عليه كان أشد في التحريم وإن بطل به حقا أو اقتطع به مال معصوم كان أشد فإنه روي عن النبي A أنه قال : [ من حلف يمينا فاجرة يقتطع بها مال امرىء مسلم لقي الله وهو عليه غضبان ] وأنزل الله D في ذلك { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم } ومن هذا القسم الحلف على فعل معصية أو ترك واجب فإن المحلوف عليه حرام فكان الحلف حراما لأنه وسيلة إليه والوسيلة تأخذ حكم المتوسل إليه