فصلان لا يجوز الحلف بغير الله ويكره الافراط بالحلف بالله .
فصل : ولا يجوز الحلف بغير الله وصفاته نحو أن يحلف بأبيه أو الكعبة أو صحابي أو إمام قال الشافعي أخشى أن يكون معصية قال ابن عبد البر وهذا أصل مجمع عليه وقيل يجوز ذلك لأن الله تعالى أقسم بمخلوقاته فقال : { والصافات صفا } { والمرسلات عرفا } { والنازعات غرقا } [ وقال النبي صلى اله عليه وسلم للأعرابي السائل عن الصلاة : أفلح وأبيه ان صدق ] وقال في حديث أبي الشعراء : [ وأبيك لو طعنت في فخذها لأجزأك ] .
[ ولنا ما روى عمر بن الخطاب Bه ان النبي A أدركه وهو يحلف بأبيه فقال : ان الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ] قال عمر : فما حلفت بها بعد ذلك ذاكرا ولا آثرا متفق عليه يعني ولا حاكيا لها عن غيري وعن ابن عمر أن النبي A قال : [ من حلف بغير الله فقد أشرك ] قال الترمذي هذا حديث حسن وروي عن النبي A قال : [ من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ] وروي عن النبي A أنه قال : [ من حلف بملة غير الاسلام كاذبا فهو كما قال ] متفق عليه وفي لفظ : [ من حلف أنه بريء من الاسلام فان كان قد كذب فهو كما قال وان كان صادقا لم يرجع الى الاسلام سالما ] رواه ابو داود فأما قسم الله بمصنوعاته فإنما أقسم به دلالة على قدرته وعظمته ولله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه ولا وجه للقياس على إقسامه وقد قيل أن في إقسامه اضمار القسم برب هذه المخلوقات فقوله : { والضحى } أي ورب الضحى .
وأما قول النبي A : [ أفلح وأبيه إن صدق ] فقال ابن عبد البر هذه اللفظة غير محفوظة من وجه صحيح فقد رواه مالك وغيره من الحفاظ فلم يقولوها فيه وحديث أبي العشراء قد قال أحمد لو كان يثبت ؟ يعني أنه لم يثبت ولهذا لم يعمل به الفقهاء في إباحة الذبح في الفخذ ثم لو ثبت فالظاهر أن النهي بعده لأن عمر قد كان يحلف بها كما حلف النبي A ثم نهى عن الحلف بها ولم يرد بعد النهي إباحة ولذلك قال عمر وهو يروي الحديث بعد موت النبي A فما حلفت بها ذاكرا ولا آثرا ثم إن لم يكن الحلف بغير الله محرما فهو مكروه فإن حلف فليستغفر الله تعالى أو ليذكر الله تعالى كما قال النبي A : [ من حلف باللات والعزى فليقل لا إله الله ] لأن الحلف بغير الله سيئة والحسنة تمحو السيئة وقد قال الله تعالى : { إن الحسنات يذهبن السيئات } وقال النبي A : [ إذا عملت سيئة فاتبعها حسنة تمحها ] ولأن من حلف بغير الله فقد عظم غير الله تعظيما يشبهه تعظيم الرب تبارك وتعالى ولهذا سمي شركا لكونه أشرك غير الله مع الله تعالى في تعظيمه بالقسم به فيقول لا إله إلا الله توحيدا لله تعالى وبراءة من الشرك وقال الشافعي : من حلف بغير الله تعالى فليقل أستغفر الله .
فصل : ويكره الإفراط في الحلف بالله تعالى لقول تعالى : { ولا تطع كل حلاف مهين } وهذا ذم له يقتضي كراهة فعله فإن لم يخرج إلى حد الإفراط فليس بمكروه إلا أن يقترن به ما يوجب كراهته ومن الناس من قال الأيمان مكروهة لقول الله تعالى : { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } .
[ ولنا أن النبي A كان يحلف كثيرا وقد كان يحلف في الحديث الواحد أيمانا كثيرة وربما كرر اليمين الواحدة ثلاثا فإن قال في خطبة الكسوف : والله يا أمة محمد ما أحد أغير من الله يزني عبده أو تزني أمته يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ] ولقيته امرأة من الأنصار معها أولادها فقال : [ والذي نفسي بيده أنكم لأحب الناس إلي ] ثلاث مرات وقال : [ والله لأغزون قريشا والله لأغزون قريشا والله لأغزون قريشا ] ولو كان هذا مكروها لكان النبي A أبعد الناس منه ولأن الحلف بالله تعظيم له وربما ضم إلى يمنيه وصف الله تعالى بتعظيمه وتوحيده فيكون مثابا على ذلك [ وقد روي أن رجلا حلف على شيء فقال والله الذي لا آله إلا هو ما فعلت كذا فقال النبي A : أما أنه قد كذب ولكن قد غفر له بتوحيده ] وأما الإفراط في الحلف فأنما كره لأنه لا يكاد يخلو من الكذب والله أعلم .
فأما قوله : { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } فمعناه لا تجعلوا أيمانكم بالله مانعة لكم من البر والتقوى والإصلاح بين الناس وهو أن يحلف بالله أن لا يفعل برا ولا تقوى ولا يصلح بين الناس ثم يمتنع من فعله ليبر في يمنيه ولا يحنث فيها فنهوا عن المضي فيها .
قال أحمد وذكر حديث ابن عباس بإسناده في قوله تعالى : { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } الرجل يحلف أن لا يصل قرابته وقد جعل الله له مخرجا في التكفير فأمره أن لا يعتل بالله فليكفر وليبر وقال النبي A : [ لأن يستلج أحدكم في يمينه آثم له عند الله من أن يؤدي الكفارة التي فرض الله عليه ] متفق عليه وقال النبي A : [ إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك ] وقال : [ إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها ] متفق عليهما وإن كان النهي عاد إلى اليمين فالمنهي عنه الحلف على ترك البر والتقوى والإصلاح بين الناس لا على كل يمين فلا حجة فيها لهم إذا