مسألة وفصول في المناضلة .
وهي المسابقة في الرمي بالسهام والمناضلة مصدر ناضلته نضالا ومناضلة وسمي الرمي نضالا لأن السهم التام يسمى نضلا فالرمي به عمل بالنضل فسمي نضالا ومناضلة مثل قاتلته قتالا ومقاتلة وجادلته جدالا ومجادلة ويشترط لصحته ثمانية شروط : .
أحدهما : أن يكون عدد الرشق معلوما والرشق بكسر الراء عدد الرمي وأهل اللغة يقولون هو عبارة عما بين العشرين والثلاثين والرشق بفتح الراء الرمي نفسه مصدر رشقت رشقا أي رميت رميا وإنما اشترط علمه لأنه لو كان مجهولا لأفضى إلى الخلاف لأن أحدهما يريد القطع والآخر يريد الزيادة فيختلفان .
الثاني : أن يكون عدد الإصابة معلوما فيقولان الرشق عشرون والإصابة خمسة أو ستة أو ما يتفقان عليه منها إلا أنه لا يجوز اشتراط إصابة نادرة كإصابة جميع الرشق أو إصابة تسعة أعشاره ونحو هذا لأن الظاهر أن هذا لا يوجد فيفوت الغرض .
الثالث : استواؤهما في عدد الرشق والإصابة وصفتها وسائر أحوال الرمي فإن جعلا رشق أحدهما عشرة والآخر عشرين أو شرطا وأن يصيب أحدهما خمسة والآخر ثلاثة أو شرطا إصابة أحدهما خواسق والآخر خواصل أو شرطا أن يحط أحدهما من إصابته سهمين أو يحط سهمين من إصابته بسهم من إصابة صاحبه أو شرطا أن يرمي أحدهما من بعد والآخر من قرب أو أن يرمي أحدهما وبين أصابعه سهم والآخر بين أصابعه سهمان أو أن يرمي أحدهما وعلى رأسه شيء والآخر خال عن شاغل أو أن يحط عن أحدهما واحدا من خطئه لا له ولا عليه واشباه هذا مما تفوت به المساواة لم يصح لأن موضوعها على المساواة والغرض معرفة الحذق وزيادة أحدهما على الآخر فيه ومع التفاضل لا يحصل فإنه ربما أصاب أحدهما لكثرة رميه لا لحذفه فاعتبرت المساواة كالمسابقة على الحيوان .
الرابع : ان يصفا الإصابة فيقولان خواصل وهو المصيب للغرض كيفما كان قال الأزهري يقال خصلت مناضلي خصلة وخصلا ويسمى ذلك القرع والقرطسة يقال قرطس إذا أصاب أو حوابي وهو ما وقع بين يدي الغرض ثم وثب إليه ومنه يقال حبا الصبي أو خواصر وهو ما وقع في أحد جانبي الغرض ومنه قيل الخاصرة لأنها في جانب الإنسان أو خوارق وهو ما خرق الغرض ثم وقع بين يديه أو خواسق وهو ما خرق الغرض وثبت فيه أو موارق وهو ما أنفذ الغرض ووقع من ورائه أو خوازم وهو ما خزم جانب الغرض وإن شرطا الخواسق والحوابي معا أصح .
الخامس : قدر الغرض والغرض هو ما يقصد إصابته من قرطاس أو ورق أو جلد أو خشب أو قرع أو غيره ويسمى غرضا لأنه يقصد ويسمى شارة وشنا قال الأزهري ما نصب في الهدف فهو القرطاس وما نصب في الهواء فهو الغرض ويجب أن يكون قدره معلوما بالمشاهدة أو بتقديره بشبر أو شبرين بحسب الاتفاق فإن الإصابة تختلف بإختلاف سعته وضيقه .
السادس : معرفة المسافة أما بالمشاهدة أو بالذرعان فيقول مائة ذراع أو مائتي ذراع لأن الإصابة تختلف بقربها وبعدها ومهما اتفقا عليه جاز إلا أن يجعلا مسافة بعيدة تتعذر الإصابة في مثلها وهو ما زاد على ثلاثمائة ذراع فلا يصح لأن الغرض يفوت بذلك وقد قيل أنه ما رمى إلى أربعمائة ذراع إلا عقبة بن عامر الجهني Bه .
السابع : تعيين الرماة فلا يصح مع الإبهام لأن الغرض معرفة حذق الرامي بعينه لا معرفة حذق رام في الجملة ولو عقد اثنان نضالا على أربع مع كل واحد منهما ثلاثة لم يجز لذلك ولا يشترط تعيين القوس والسهام ولو عينها لم تتعين لأن القصد معرفة الحذق وهذا لا يختلف إلا بالرامي لا بإختلاف القوس والسهام وفي الرهان يعتبر تعيين الحيوان الذي يسابق به ولا يعتبر تعيين الراكب لأن الغرض معرفة عدو الفرس لا حذق الراكب وكل ما يعتبر تعيينه إذا تلف انفسخ العقد ولم يقم غيره مقامه لأن العقد تعلق بعينه فانفسخ بتلف العين ولأن الغرض معرفة حذق الرامي أو عدو الفرس وقد فاتت معرفة ذلك بموته ولا يعرف حذقه من غيره وما لا يتعين يجوز إبداله لعذر وغيره فإذا تلف قام غيره مقامه فإن شرطا أن لا يرمي بغير هذا القوس ولا بغير هذا السهم أو لا يركب غير هذا الراكب فهذه شروط فاسدة لأنها تنافي مقتضى العقد أشبهت ما إذا شرط إصابة بإصابتين .
الثامن : أن تكون المسابقة في الإصابة ولو قالا السبق لأبعدنا رميا لم يجز لأن الغرض من الرمي الإصابة لا بعد المسافة فإن المقصود من الرمي أما قتل العدو أو جرحه أو الصيد أو نحو ذلك وكل هذا إنما يحصل من الإصابة لا من الأبعاد .
فصل : والمناضلة على ثلاثة أضرب .
أحدها : تسمى المبادرة وهو أن يقولا من سبق إلى خمس إصابات من عشرين رمية فهو السابق فأيهما سبق إليها مع تساويهما في الرشق فقد سبق فإذا رميا عشرة عشرة فأصاب أحدهما خمسا ولم يصب الآخر خمسا فالمصيب خمسا هو السابق لأنه قد سبق إلى خمسة وسواء أصاب الآخر أربعا أو ما دونها أو لم يصب شيئا ولا حاجة إلى اتمام الرشق لأن السبق قد حصل بسبقه إلى ما شرطا السبق إليه وإن أصاب كل واحد منهما من العشر خمسا فلا سابق فيهما ولا يكملان الرشق لأن جميع الإصابة المشروطة قد حصلت واستويا فيها فإن رمى أحدهما عشرا فأصاب خمسا ورمى الآخر تسعا فأصاب أربعا لم يحكم بالسبق ولا بعدمه حتى يرمي العاشر فإن أخطأ به فقد سبق الأول وإن أصاب به فلا سابق فيهما وإن لم يكن أصاب من التسعة إلا ثلاثا فقد سبقه الأول ولا يحتاج إلى رمي العاشر لأن أكثر ما يحتمل أنه يصيب به ولا يخرجه ذلك عن كونه مسبوقا .
الضرب الثاني : أن يقول أينا فضل صاحبه بإصابة أو إصابتين أو ثلاث من عشرين رمية فقد سبق ويسمى مفاضلة ومحاطة لأن ما تساويا فيه من الإصابة محطوط غير معتد به ويلزم إكمال الرشق إذا كان في اتمامه فائدة فإذا قالا أينا فضل صاحبه بثلاثة فهو سابق فرميا اثنتي عشرة رمية فأصابها أحدهما وأخطأها الآخر كلها لم يلزم اتمام الرشق لأن أكثر ما يحتمل أن يصيب الآخر الثماني الباقية ويحطها الأول ولا يخرج الأول بهذا عن كونه سابقا وإن كان الأول أنما أصاب من الاثنتي عشرة عشرا لزمهما أن يرميا الثالثة عشرة فإن أصاباها أو أخطآ أو اصابها الأول وحده فقد سبق ولا يحتاج إلى اتمام الرشق فإن أصابها الآخر وأخطأها الأول فعليهما أن يرميا الرابعة عشرة والحكم فيها وفيما بعدها كالحكم في الثالثة عشرة وأنه متى أصاباها أو أخطآ أو أصابها الأول فقد سبق ولا يرميان ما بعدها وإن أصابها الآخر وحده رميا ما بعدها وهكذا كل موضع كان اتمام الرشق فائدة لأحدهما لزم اتمامه وإن يئس من الفائدة لم يلزم اتمامه فإذا بقي من العدد ما يمكن ان يسبق أحدهما به صاحبه أو يسقط أحدهما به سبق صاحبه لزم الاتمام والا فلا فإذا كان السبق يحصل بثلاث إصابات من عشرين فرميا ثماني عشرة فأخطآها أو أصاباها أو تساويا في الإصابة فيها لم يلزم إتمام الرشق لأن أكثر ما يحتمل أن يصيب أحدهما هاتين الرميتين ويخطئهما الآخر ولا يحصل السبق بذلك وكذلك أن فضل أحدهما الآخر بخمس إصابات فما زاد لم يلزم الاتمام لأن إصابة الآخر بالسهمين الباقيين لا يخرج الآخر عن كونه فاضلا بثلاث إصابات وإن لم يفضله إلا بأربع رميا السهم الآخر فإن اصابه المفضول وحجه فعليهما رمي الآخر فإن أصابه المفضول أيضا سقط سبق الأول وإن أخطآ في أحد السهمين أو أصاب الأول في أحدهما فهو سابق .
فصل : الثالث : أن يقولا أينا أصاب خمسا من عشرين فهو سابق فمتى أصاب أحدهما خمسا من العشرين ولم يصبها الآخر فالأول سابق وإن أصاب كل واحد منهما خمسا أو لم يصب واحد منهما خمسا فلا سابق فيهما وهذه في معنى المحاطة في أنه يلزم اتمام الرشق ما كان في إتمامه فائدة فإذا خلا عن الفائدة لم يلزم اتمامه ومتى أصاب كل واحد منهما خمسا لم يلزم اتمامه ولم يكن فيهما سابق فإن رميا ست عشرة رمية ولم يصب واحد منهما شيئا لم يلزم اتمامه ولا سابق فيهما لأن أكثر ما يحتمل أن يصيب أحدهما الأربعة كلها ولا يحصل السبق بذلك .
واختلف أصحابنا فقال أبو الخطاب لا بد من معرفة الرمي هل هو مبادرة أو محاطة أو مفاضلة ؟ لأن غرض الرماة يختلف فمنهم من تكثر إصابته في الابتداء دون الانتهاء ومنهم من هو بالعكس فوجب بيان ذلك ليعلم ما دخل فيه وظاهر كلام القاضي أنه لا يحتاج إلى اشتراط ذلك لأن مقتضى النضال المبادرة وإن من بادر إلى الإصابة فهو السائق فإنه إذا شرط أن السبق لمن أصاب خمسة من عشرين فسبق إليها واحد فقط وجد الشرط ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين .
فصل : فإن شرطا إصابة موضع من الهدف على أن يسقط ما قرب من إصابة أحدهما ما بعد من إصابه الآخر ففعل ثم فضل أحدهما الاخر بما شرطاه كان سابقا ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأن هذا نوع من المحاطة فإذا أصاب أحدهما موضعا بينه وبين الغرض شبر وأصاب الآخر موضعا بينه وبين الغرض أقل من شبر أسقط الأول وإن اصاب الأول الغرض أسقط فإن أصاب الثاني الدائرة التي في الغرض لم يسقط به الأول لأن الغرض كله موضع للإصابة فلا يفضل أحدهما صاحبه إذا أصاباه جميعا إلا أن يشترطا ذلك وإن شرطا أن يحتسب كل واحد منهما خاسقه بإصابتين جاز لأن أحدهما لم يفضل صاحبه في شيء فقد استويا .
فصل : والسنة أن يكون لهما غرضان يرميان أحدهما ثم يمضيان فيأخذان السهام يرميان الآخر لأن هذا كان فعل أصحاب رسول الله A و [ روي عن النبي A أنه قال : ما بين الغرضين روضة من رياض الجنة ] وقال إبراهيم التيمي رأيت حذيفة يشتد بين الهدفين يقول أنا بها في قميص وعن ابن عمر مثل ذلك والهدف ما ينصب الغرض عليه إما تراب مجموع وأما حائط ويروى عن أصحاب رسول الله A أنهم كانوا يشتدون بين الأغراض يضحك بعضهم إلى بعض فإذا جاء الليل كانوا رهبانا فإن جعلوا غرضا واحدا جاز لأن المقصود يحصل به وهو عاة أهل عصرنا .
ولا بد في المناضلة أن يبتدىء أحدهما بالرمي لأنهما لو رميا معا أفضى إلى الإختلاف ولم يعرف المصيب منهما فإن كان المخرج أجنبيا قدم من يختاره منهما فإن لم يختر وتشاحا أقرع بينهما وأيهما كان أحق بالتقديم فبدره الآخر فرمى لم يعتد له بسهمه أصاب أو أخطأ وإذا بدأ أحدهما في وجه بدأ الآخر في الثاني تعديلا بينهما وإن شرطا البداءة لأحدهما في كل الوجوه لم يصح لأن موضوع المناضلة على المساواة وهذا تفاضل فإن فعل ذلك من غير شرط باتفاق منهما جاز لأن البداءة لا أثر لها في الإصابة ولا في تجويد الرمي وإن شرطا أن يبدأ كل واحد منهما من وجهين متواليين جاز لتساويهما ويحتمل أن يكون اشتراط البداءة في كل موضع ذكرنا غير لازم ولا يؤثر في العقد لأنه لا أثر له في تجويد رمي البادىء ولا كثرة إصابة وكثير من الرماة يختار التأخر على البداية فيكون وجود هذا الشرط كعدمه فإذا رمى البادىء بسهم رمى الثاني بسهم كذلك حتى يقضيا رميهما لأن إطلاق المناضلة يقتضي المراسلة ولأن ذلك أقرب إلى التساوي وأنجز للرمي لأن أحدهما يصلح قوسه ويعدل سهمه حتى يرمي الآخر وإن رميا بسهمين سهمين فحسن وهو العادة بين الرماة فيما رأينا وإن اشترطا أن يرمي أحدهما رشقا ثم يرمي الآخر أو يرمي أحدهما عددا ثم يرمي الآخر مثله جاز لأن هذا لا يؤثر في مقصود المناضلة وإن خالف مقتضى الإطلاق كما يجوز أن يشترط في البيع ما لا يقتضيه الإطلاق من النقود والخيار والأجل لما كان غير مانع من المقصود .
فصل : وإن شرطا أن يرميا إرشاقا كثيرة جاز لأنه إذا جاز على القليل جاز على الكثير ولا بد أن تكون معلومة ثم أن شرطا أن يرميا منها كل يوم قدرا اتفقا عليه جاز لأن الغرض في هذا صحيح فإنهما أو أحدهم قد يضعف عن الرمي كله مع حذقه وإن اطلقا العقد جاز وحمل على التعجيل والحلول كسائر العقود فيرميان من أول النهار إلى آخره إلا أن يعرض عذر يمنع من مرض أو ريح أو تشوش السهام أو لحاجته إلى طعام أو شراب أو صلاة أو قضاء حاجة لأن هذه مستثناة بالعرف وكذلك المطر فإنه يرخي الوتر ويفسد الرشق فإذا جاء الليل تركاه لأن العادة ترك الرمي بالليل فحمل العقد عليه مع الإطلاق إلا أن يشترطا الرمي ليلا فيأخذ أحدهما صاحبه بذلك وإن كانت الليلة مقمرة منيرة اكتفي بذلك وإلا رميا في ضوء شمعة أو مشعل وإن عرض عارض يمنع الرمي كما ذكرنا أو كسر قوس أو قطع وتر أو انكسر سهم جاز إبداله فإن لم يمكن أخر الرمي حتى يزول العارض .
فصل : فإن أراد أحدهما التطويل والتشاغل عن الرمي بما لا حاجة إليه من مسح القوس والوتر ونحو ذلك أرادة التطويل على صاحبه لعله ينسى القصد الذي أصاب به أو يفتر منع من ذلك وطولب بالرمي ولا يدهش بالاستعجال بالكلية بحيث يمنع من تحري الإصابة ويمنع كل واحد منهما من الكلام الذي يغيظ به صاحبه مثل أن يرتجز ويفتخر ويتبجح بالإصابة ويعنف صاحبه على الخطأ أو يظهر له أنه يعلمه وهكذا الحاضر معهما مثل الأمير والشاهدين وغيرهم يكره لهم مدح المصيب وزهرهته وتعنيف المخطىء وزجره لأنه فيه كسر قلب أحدهما وغيظه .
فصل : وإذا تشاحا في موضع الوقوف فإن كان ما طلبه أحدهما أولى مثل أن يكون في أحد الموقفين يستقبل الشمس أو ريحا يؤذيه استقبالها ونحو ذلك والآخر يستدبرها قدم قول من طلب استدبارها لأنه العرف إلا أن يكون في شرطهما استقبال ذلك فالشرط أملك كما قلنا في الرمي ليلا وإن كان الموقفان سواء كان ذلك إلى الذي له البداءة فيتبعه الآخر فإذا كان في الوجه الثاني وقف حيث شاء ويتبعه الأول .
فصل : ويجوز عقد النضال على جماعة لأنه يروى [ أن النبي A مر على أصحاب له ينتضلون فقال : ارموا وأنا مع ابن الأدرع فأمسك الآخرون وقالوا كيف نرمي وأنت مع ابن الأدرع ؟ قال : ارموا وأنا معكم كلكم ] رواه البخاري ولأنه إذا جاز أن يكونا اثنين جاز أن يكونوا جماعتين لأن المقصود معرفة الحذق وهذا يحصل في الجماعتين فجاز كما في سباق الخيل وقد ثبت أن النبي A سبق بين الخيل المضمرة وسبق بين الخيل التي لم تضمر وعلى هذا يكون كل حزب بمنزلة واحد فإن عقد النضال جماعة ليتناضلوا حزبين فذكر القاضي أنه يجوز وهو مذهب الشافعي ويحتمل أن لا يجوز لأن التعيين شرط وقبل التفاضل لم يتعين من في كل واحد من الحزبين فعلى هذا إذا تفاضلوا عقدوا النضال بعده وعلى قول القاضي يجوز العقد قبل التفاضل ولا يجوز أن يقتسموا بالقرعة لأنها ربما وقعت على الحذق في أحد الحزبين وعلى الكوادن في الآخر فيبطل مقصود النضال بل يكون لكل حزب رئيس فيختار أحدهما واحدا ثم يختار الآخر واحدا كذلك الحذاق حتى يتفاضلوا جميعا ولا يجوز أن يجعل الخيار إلى أحدهما في الجميع ولا أن يختار جميع حزبه أولا لأنه يختار الحذاق كلهم في حزبه ولا يجوز أن يجعل رئيس الحزبين واحدا لأنه يميل إلى حزبه فتلحقه التهمة ولا يجوز أن يختار كل واحد من الرئيسين أكثر من واحد لأنه أبعد من التساوي وإذا اختلفا في المبتدىء بالخيار منهما أقرع بينهما ولو قال أحدهما أنا أختار أولا وأخرج السبق أو يخرجه أصحابي لم يجز لأن السبق أنما يستحق بالسبق لا في مقابلة تفضل أحدهما بشيء .
فصل : وإذا خرج أحد الزعيمين السبق من عنده فسبق حزبه لم يكن على حزبه شيء لأنه جعله على نفسه دونهم وإن شرطه عليهم فهو عليهم بالسوية ويكون للحزب الاخر بالسوية من أصاب منهم ومن لم يصب في أحد الوجهين كما أنه على الحزب الآخر بالسوية وفي الوجه الآخر يقسم بينهم على قدر الإصابة وليس لمن لم يصب منهم شيء لأن استحقاقه بالإصابة فكان على قدرها واختص بمن وجدت منه بخلاف المسبوقين فإنه وجب عليهم لالتزامهم له وقد استووا في ذلك .
فصل : ومتى كان النضال بين حزبين اشترطا كون الرشق قسمه بينهم بغير كسر ويتساوون فيه فإن كانوا ثلاثة وجب أن يكون له ثلث وإن كانوا أربعة وجب أن يكون له ربع وكذلك ما زاد لأنه إذا لم يكن كذلك بقي سهم أو أكثر لا يمكن الجماعة الإشتراك فيه .
فصل : وإذا كانوا حزبين فدخل معهم رجل لا يعرفونه في احد الحزبين وكان يحسن الرمي جاز وإن كان لا يحسنه بطل العقد فيه وإخراج من الحزب الآخر من جعل بإزائه لأن كل واحد يجعل في مقابلة آخر أو يختار أحد الزعيمين واحدا ويختار الآخر آخر في مقابلته وهل يبطل في الباقين ؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة فإن قلنا لا يبطل فلكل حزب الخيار لتبعيض الصفقة في حقهم وإن بان راميا لكنه قليل الإصابة فقال حزبه ظنناه كثير الإصابة أو لم نعلم حاله أو بان كثير الإصابة فقال الحزب الآخر ظنناه قليل الإصابة لم يسمع ذلك منهم وكان كمن عرفوه لأن شرط دخوله أن يكون في العقد من أهل الصنعة دون الحذق كما لو اشترى عبدا على أنه كاتب فبان حاذقا أو ناقصا فيها لم يؤثر .
فصل : ولا يجوز أن يقولوا نقرع فمن خرجت قرعته فهو السابق ولا أن من خرجت قرعته فالسبق عليه ولا أن يقولوا نرمي فأينا أصاب فالسبق على الآخر لأنه عوض في عقد فلا يستحق بالقرعة ولا بالإصابة وإن شرطوا أن يكون أن يكون فلان مقدم حزب وفلان مقدم الآخر ثم فلان ثانيا من الحزب الأول وفلان ثانيا من الحزب الثاني كان فاسدا لأن تقديم كل واحد من الحزب يكون إلى زعيمه وليس للحزب الآخر مشاركته في ذلك فإذا شرطوه كان فاسدا .
فصل : وإذا تناضل اثنان وأخرج أحدهما السبق فقال أجنبي أنا شريكك في الغنم والغرم أن نضلك فنصف السبق علي وان نضلته فنصفه لي لم يجز وكذلك لو كان المتناضلون ثلاثة فيهم محلل فقال رابع للمستبقين أنا شريككما في الغنم والغرم كان باطلا لأن الغنم والغرم إنما يكون من المناضل فأما من لا يرمي فلا يكون له غنم ولا غرم ولو شرطا في النضال أنه إذا جلس عليه السبق لم يجز لأن السبق على النضال وهذا الشرط يخالف مقتضى النضال فكان فاسدا .
فصل : ولو فضل أحد المتناضلين صاحبه فقال المفضول اطرح فضلك واعطيك دينارا لم يجز لأن المقصود معرفة الحذق وذلك يمنع منه وإن فسخا العقد وعقدا عقدا آخر جاز وإن لم يفسخاه ولكن رميا تمام الرشق فتمت افصابة له مع ما أسقطه استحق السبق ورد الدينار إن كان أخذه .
فصل : إذا كان شرطهما خواصل وهي الإصابة المطلقة اعتد بها كيفما وجدت بشرط أن يصيب بنصل السهم فإن اصاب بعرضه أو بفوقه نحو أن ينقلب السهم بين يدي الغرض فيصيب فوقه الغرض لم يعتد به لأن هذا من سيء الخطأ وإن انقطع السهم قطعتين فأصابت القطعة الأخرى لم يحتسب به فإن كان الغرض جلدا خيط عليه شنبر كشنبر المنخل وجعلا له عرى وخيوطا تعلق به في العرى فأصاب الشنبر أو العرى نظرت في شرطهما فإن شرطا اصابة الغرض اعتد له لأن ذلك من الغرض فأما المعاليق وهي الخيوط فلا يعتد له بإصابتها على كلا الشرطين لأنها ليست من الجلدة ولا من الغرض فأشبه إصابة الهدف .
فصل : وإن أطارت الريح الغرض فوقع السهم في موضعه فإن كان شرطهما خواصل احتسب به لعلمنا أنه لو كان الغرض في موضعه أصابه وإن كان شرطهما خواسق فقال القاضي ينظر فإن كانت صلابة الهدف كصلابة الغرض فثبت في الهدف احتسب له به لأنه لو بقي مكانه لثبت فيه كثبوته في الهدف وإن لم يثبت فيه مع التساوي لم يحتسب وإن كان الهدف أصلب فلم يثبت فيه أو كان رخوا لم يحتسب السهم له ولا عليه لأننا لا نعلم هل كان يثبت في الغرض لو بقي مكانه أو لا وهذا مذهب الشافعي وقال أبو الخطاب إن كان شرطهما خواسق لم يحاسب له بالسهم الذي وقع في موضعه ولا عليه لأننا لا ندري هل يثبت في الغرض لو كان موجودا أو لا ؟ وإن وقع السهم في غير موضع الغرض احتسب به على راميه لأنه خطأ ولو وقع في الغرض في الموضع الذي طار إليه حسب عليه ايضا لا له إلا أن يكونا اتفقا على رميه في الموضع الذي طار إليه وكذلك الحكم إذا ألقت الريح الغرض على وجهه .
فصل : وإذا رمى فأخطأ لعارض من كسر قوس أو قطع وتر أو حيوان اعترض بين يديه وريح شديدة ترد السهم عرضا لم يحسب عليه بذلك السهم لأن خطأه للعارض لا لسوء رميه قال القاضي ولو أصاب لم يحتسب له لأنه إذا لم يحتسب عليه لم يحتسب له ولأن الريح الشديدة كما يجوز أن تصرف الرمي الشديد فيخطىء يجوز أن تصرف السهم المخطىء عن خطئه فيقع مصيبا فتكون إصابته بالريح لا بحذق رميه فأما أن وقع السهم في حائل بينه وبين الغرض فمرقه وأصاب الغرض حسب له لأن إصابته لسداد رميه ومروقه لقوته فهو أولى من غيره وإن كانت الريح لينة خفيفة لا ترد السهم عادة لم يمنع لأن الجو لا يخلو من ريح ولأن الريح اللينة لا تؤثر إلا في الرمي الرخو الذي لا ينتفع به .
فصل : وإن كان شرطهما خواسق والخاسق ما ثقب الغرض وثبت فيه فمتى أصاب الغرض بنصله وثبت فيه حسب له وإن خدشه ولم يثقبه لم يحتسب له وحسب به عليه وإن مرق منه احتسب له به لأن ذلك لقوة رميه فهو ابلغ من الخاسق وإن خرقه وهو أن يثقبه ويقع بين يديه ففيه وجهان : .
احدهما : يحتسب له لأنه ثقب ثقبا يصلح للخسق وإنما لم يثبت السهم لسبب آخر من سعة الثقب أو غيره والثاني : لا يحتسب له لأن شرطهما الخواسق والخاسق ما ثبت وثبوته يكون بحذق الرامي وقصده برميه ما اتفقا عليه فإن كان امتناع السهم من الثبوت لمصادفته ما يمنع الثبوت من حصاة أو حجر أو عظم أو أرض غليظة ففيه الوجهان إلا أنه إذا لم يحتسب له لم يعد عليه لأن العارض منعه من الثبوت فأشبه ما لو منعه عارض من الإصابة وإن اختلفا في وجود العارض نظرت فإن علم موضع الثقب باتفاقهما أو ببينة نظر في الموضع فإن لم يكن فيه ما يمنع فالقول قول المنكر وإن كان فيه ما يمنع فالقول قول المدعي ولا يمين لأن الحال تشهد بصدق ما ادعاه وإن لم يعلما موضع الثقب إلا أنهما اتفقا على أنه خرق الغرض ولم يكن وراءه شيء يمنع فالقول قول المنكر بغير يمين أيضا لأنه لا مانع وإن كان وراءه ما يمنع وادعى المصاب عليه أنه لم يكن لسهم في موضع وراءه ما يمنع فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم الإصابة مع احتمال ما يقوله المصيب وإن أنكر أن يكون خرق أيضا فالقول ايضا قوله مع يمينه لما ذكرناه .
فصل : وإن شرطا خاسقا فوقع السهم في نقب في الغرض أو موضعه بال فنقبه وثبت في الهدف معلقا في الغرض نظرت فإن كان الهدف صليبا كصلابة الغرض فثبت فيه حسب له لأنه علم أن الغرض لو كان صحيحا لثبت فيه وإن كان الهدف ترابا أهيل لم يحتسب له ولا عليه لأننا لا نعلم هل كان يثبت في الغرض لو أصاب موضعا منه قويا أو لا ؟ وإن صادف السهم في ثقب في الغرض قد ثبت في الهدف مع قطعة من الغرض فقال الرامي خسفت وهذه الجلدة قطعها سهمي لشدة الرمية فأنكر صاحبه وقال بل هي كانت مقطوعة فإن علم أن الغرض كان صحيحا فالقول قول الرامي وإن اختلفا فذكر القاضي أنها كالتي قبلها إن كان الهدف رخوا لم يعتد به وإن كان قويا صلبا اعتد به وإن وقع سهمه في سهم ثابت في الغرض اعتد له به فإن كان شرطهما خواسق لم يحتسب له به ولا عليه لأننا لا نعلم يقينا أنه لولا فوق السهم الثابت لخسق فإن اصاب السهم ثم سبح عنه فخسق احتسب له به .
فصل : إذا قال رجل لآخر : ارم هذا السهم فإن أصبت به فلك درهم صح وكان جعالة لأنه بذل مالا له في فعل له فيه غرض صحيح ولم يكن هذا نضالا لأن النضال يكون بين اثنين أو جماعة على أن يرموا جيمعا ويكون الجعل لبعضهم إذا كان سابقا وإن قال إن أصبت به فلك درهم وإن أخطأت فعليك درهم لم يصح لأنه قمار .
وإن قال ارم عشرة أسهم فإن كان صوابك أكثر من خطئك فلك درهم صح لأنه جعل الجعل في مقابلة الإصابة المعلومة فإن أكثر العشرة أقله ستة وليس ذلك بمجهول لأنه بالأقل يستحق الجعل وإن قال إن كان صوابك أكثر فلك بكل سهم أصبت به درهم صح وكذلك أن قال ارم عشرة ولك بكل سهم أصبت به منها درهم أو قال فلك بكل سهم زائد على النصف من المصيبات درهم لأن الجعل معلوم بتقديره بالإصابة فأشبه ما لو قال استق لي من هذا البئر ولك بكل دلو تمرة أو قال : من رد عبدا من عبيدي فله بكل عبد درهم وإن قال : وإن كان خطؤك أكثر فعليك درهم أو نحو هذا لم يجز لأنه قمار وإن قال ارم عشره فإن أخطأتها فعليك درهم ونحو هذا لم يجز لأن الجعل يكون في مقابلة عمل ولم يوجد من القابل عمل يستحق به شيئا ولو قال الرامي لأجنبي أن أخطأت فلك درهم لم يصح لذلك .
فصل : وإذا عقد النضال ولم يذكروا قوسا فظاهر كلام القاضي أنه يصح ويستويان في القوس إما العربية وإما العجمية وقال غيره لا يصح حتى يذكرا نوع القوس الذي يرميان عليه في الابتداء لأن إطلاقه ربما أفضى إلى الاختلاف وقد أمكن التحرز عنه بالتعيين للنوع فيجب ذلك وإن اتفقا على أنهما يرميان بالنشاب في الابتداء صح وينصرف إلى الرمي بالقوس الأعجمية لأن سهامها هو المسمى بالنشاب وسهام العربية يسمى نبلا فإن عينا نوعا من القسيي لم يجز العدول عنها إلى غيرها لأن أحدهما قد يكون احذق بالرمي بأحد النوعين دون الآخر وإن عينا قوسا بعينها لم تتعين لأنها قد تنكسر ويحتاج إلى إبدالها لأن الحذق لا يختلف بإختلاف عين القوس بخلاف النوع وإن تناضلا على أن يرمي أحدهما بالعربية والآخر بالفارسية أو أحدهما بقوس الزنبور والآخر بقوس الجرخ أو قوس الحسبان وهو قوس سهامه قصار يجعل في مجرى مثل القصبة ثم يرمى بها ففيها وجهان : .
أحدهما : يصح وهو قول القاضي ومذهب الشافعي لأنهما نوعا جنس فصحت المسابقة مع اختلافهما كالخيل والإبل .
والثاني : لا تصح المسابقة مع اختلافهما لأنهما يختلفان في الإصابة فجرى مجرى المسابقة بين جنسين وكذلك الحكم في المسابقة بين نوعي الخيل والإبل .
فصل : وظاهر كلام أحمد إباحة الرمي بالقوس الفارسية ونص على جواز المسابقة بها وقال أبو بكر بن جعفر يكره لأنه [ روي عن النبي A أنه رأى مع رجل قوسا فارسية فقال : القها فإنها معلونة ولكن عليكم بالقسي العربية وبرماح القنا فيها يؤيد الله الدين وبها يمكن الله لكم في الأرض ] رواه الأثرم .
ولنا انعقاد الإجماع على الرمي بها وإباحة حملها فإن ذلك جار في اكثر الأعصار وهي التي يحصل الجهاد بها في عصرنا وأكثر الأعصار المتقدمة وأما الخبر فيحتمل أنه لعنها لأن حملتها في ذلك العصر العجم ولم يكونا أسلموا بعد ومنع العرب من حملها لعدم معرفتهم بها ولهذا أمر برماح القنا ولو حمل إنسان رمحا غيرها لم يكن مذموما وحكى أحمد أن قوما استدلوا على القسي الفارسية بقول الله تعالى : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة } يعني أن هذا مما استطاعه من القوة فيدخل في عموم الآية .
مسألة : قال : ولا يجوز إذا أرسل الفرسان أن يجنب أحدهما إلى فرسه فرسا يحرضه على العدو ولا يصيح به وقت سباقه لما روي عن النبي A أنه قال : [ لا جنب ولا جلب ] .
معنى الجنب أن يجنب المسابق إلى فرسه فرسا لا راكب عليه يحرض الذي تحته على العدو ويحثه عليه هذا ظاهر كلام الخرقي وقال القاضي معناه أن يجنب فرسا يتحول عند الغاية عليه لكونها أقل كلالا وإعياء قال ابن المنذر كذا قيل ولا أحسب هذا يصح لأن الفرس التي يسابق عليها لا بد من تعيينها فإن كانت التي يتحول عنها فما حصل السبق بها وإن كانت التي يتحول إلبها فما حصلت المسابقة بها في جميع الحلبة ومن شرط السباق ذلك ولأن هذا متى احتاج إلى التحول والاشتغال به فربما سبق بإشتغاله لا سرعة غيره ولأن المقصود معرفة عدو الفرس في الحلبة كلها فمتى كان إنما يركبه في آخر الحلبة فما حصل المقصود وأما الجلب فهو أن يتبع الرجل فرسه يركض خلفه ويجلب عليه ويصيح وراءه يستحثه بذلك على العدو وهكذا فسره مالك وقال قتادة : الجلب والجنب في الرهان وروي عن أبي عبيد كقول مالك وحكي عنه أن معنى الجلب أن يحشر الساعي أهل الماشية ليصدقهم قال فلا يفعل ليأتهم على مياههم فيصدقهم والتفسير الأول هو الصحيح لما روى عمران بن حصين عن النبي A أنه قال : [ لا جلب ولا جنب في الرهان ] رواه أبو داود وفي حديث علي في السباق وفي آخره ولا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام : يروى عن ابن عباس عن النبي A أنه قال : [ من أجلب على الخيل يوم الرهان فليس منا ]