مسألة وفصل : في صفة الأمان .
مسألة : قال : ومن لقي علجا فقال له : قف أو ألق سلاحك فقد أمنه .
قد تقدم الكلام فيمن يصح أمانه ونذكر ههنا صفة الأمان فالذي ورد به الشرع لفظتان : أجرتك وأمنتك لقول الله تعالى : { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره } وقال النبي A : [ قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت ] وقال : [ من دخل دار ابي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ] وفي معنى ذلك إذا قال : لا تخف لا تذهل لا تخش لا خوف عليك لا بأس عليك .
وقد روي عن عمر انه قال : إذا قلتم : لا بأس او لا تذهل أو مترس فقد أمنتموهم فإن الله تعالى يعلم الألسنة وفي رواية أخرى إذا قال الرجل للرجل : لا تخف فقد أمنه فإذا قال : لا تذهل فقد أمنه فإن الله يعلم الألسنة .
وروي ان عمر قال للهرمزان : تكلم ولا بأس عليك فلما تكلم أمر عمر بقتله فقال أنس بن مالك : ليس لك إلى ذلك سبيل فقد أمنته فقال عمر : كلا فقال الزبير : قد قلت له : تكلم ولا بأس عليك فدرأ عنه عمر القتل رواه سعيد وغيره وهذا كله لا نعلم فيه خلافا فأما إن قال له : قم أو قف أو الق سلاحك فقال أصحابنا : هو أمان أيضا لأن الكافر يعتقد هذا أمانا فأشبه قول : أمنتك .
وقال الأوزاعي : إن ادعى الكافر أنه أمن أو قال : إنما وقفت لندائك فهو آمن فإن لم يدع ذلك فلا يقبل ويحتمل أن هذا ليس بأمان لأن لفظه لا يشعر به وهو يستعمل للإرهاب والتخويف فلم يكن أمانا لقوله : لأقتلنك لكن يرجع إلى القائل فإن قال : نويت به الأمان فهو أمان وإن قال : لم أرد أمانه نظرنا في الكافر فإن قال : اعتقدته أمانا رد إلى مأمنه ولم يجز قتله وإن لم يعتقده امانا فليس بأمان كما لو أشار إليهم بما اعتقدوه امانا .
فصل : فإن أشار المسلم إليهم بما يرونه امانا وقال : أردت به الأمان فهو أمان وإن قال : لم أرد به الامان فالقول قوله لأنه أعلم بنيته فإن خرج الكفار من حصنهم بناء على هذه الإشارة لم يجز قتلهم ولكن يردون إلى مأمنهم .
وقال عمر Bه : والله لو أن أحدكم أشار بأصبعه إلى السماء إلى مشرك فنزل بأمانه فقتله لقتله به رواه سعيد وإن مات المسلم أو غاب فإنهم يردون إلى مأمنهم وبهذا قال مالك و الشافعي و ابن المنذر فإن قيل : وكيف صححتم الأمان بالإشارة مع القدرة على النطق بخلاف البيع والطلاق والعتق ؟ قلنا : تغليبا لحقن الدم كما حقن دم من له شبهة كتاب تغليبا لحقن دمه ولأن الكفار في الغالب لا يفهمون كلام المسلمين والمسلمون لا يفهمون كلامهم فدعت الحاجة إلى التكليم بالإشارة بخلاف غيره