مسألة وفصل : لا يقام الحد على مسلم في أرض العدو وتقام الحدود في الثغور .
مسألة : قال : ولا يقام الحد على مسلم في أرض العدو .
وجملته أن من أتى حدا من الغزاة أو ما يوجب قصاصا في أرض الحرب لم يقم عليه حتى يقفل فيقام عليه حده وبهذا قال الأوزاعي و إسحاق وقال مالك و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر : يقام الحد في كل موضع لأن أمر الله تعالى بإقامته مطلق في كل مكان وزمان إلا أن الشافعي قال : إذا لم يكن أمير الجيش الامام أو أمير أقليم فليس له إقامة الحد ويؤخر حتى يأتي الإمام لأن إقامة الحدود اليه وكذلك إن كان بالمسلمين حاجة الى المحدود أو قوى به أو شغل عنه أخر وقال أبو حنيفة : لا حد ولا قصاص في دار الحرب ولا إذا رجع .
ولنا على وجوب الحد أمر الله تعالى ورسوله به وعلى تأخيره ما روى بشر بن أبي أرطاة أنه أتي برجل في الغزاة قد سرق بختية فقال : لولا أني سمعت رسول الله A يقول : [ لا تقطع الأيدي في الغزاة ] لقطعتك أخرجه أبو داود وغيره ولأنه إجماع الصحابة Bهم .
وروى سعيد في سننه باسناده عن الأحوص بن حكيم عن أبيه أن عمر كتب الى الناس أن لا يجلدن أمير جيش ولا سرية ولا رجلا من المسلمين حدا وهو غاز حتى يقطع الدرب قافلا لئلا تلحقه حمية الشيطان فيلحق بالكفار وعن أبي الدرداء مثل ذلك وعن علقمة قال : كنا في جيش في أرض الروم ومعنا حذيفة بن اليمان وعلينا الوليد بن عقبة فشرب الخمر فأردنا أن نحده فقال حذيفة : أتحدون أميركم وقد دنوتم من عدوكم فيطمعوا فيكم وأتي سعد بأبي محجن يوم القادسية وقد شرب الخمر فأمر به الى القيد فلما التقى الناس قال أبو محجن : .
( كفى حزنا أن تطرد الخيل بالقنا ... وأترك مشدودا علي وثاقيا ) .
وقال لابنة حصفة امرأة سعد : اطلقيني ولك الله علي وإن سلمني الله أن أرجع حتى أضع رجلي في القيد فإن قتلت استرحتم مني قال : فحلته حين التقى الناس وكانت بسعد جراحة فلم يخرج يومئذ الى الناس قال : وصعدوا به فوق العذيب ينظر الى الناس واستعمل على الخيل خالد بن عرفطة فوثب أبو محجن على فرس لسعد يقال لها البلقاء ثم أخذ رمحا ثم خرج فجعل لا يحمل على ناحية من العدو إلا هزمهم وجعل الناس يقولون : هذا ملك لما يرونه يصنع وجعل سعد يقول : الضبر ضبر البلقاء والطعن طعن أبي محجن وأبو محجن في القيد فلما هزم العدو رجع أبو محجن حتى وضع رجليه في القيد فأخبرت ابنة حصفة سعدا بما كان من أمره فقال سعد : لا والله لا أضرب اليوم رجلا أبلى الله المسلمين به ما أبلاهم فخلى سبيله فقال أبو محجن : قد كنت أشربها إذ يقام علي الحد وأطهر منها فأما إذا بهرجتني فوالله لا أشربها أبدا وهذا اتفاق لم يظهر خلافه فأما إذا رجع فإنه يقام الحد لعموم الآيات والأخبار وإنما أخر لعارض كما يؤخر لمرض أو شغل فإذا زال العارض أقيم الحد لوجود مقتضيه وانتفاء معارضه ولهذا قال عمر : حتى يقطع الدرب قافلا .
فصل : وتقام الحدود في الثغور بغير خلاف نعلمه لأنها من بلاد الاسلام والحاجة داعية الى زجر أهلها كالحاجة الى زجر غيرهم وقد كتب عمر الى أبي عبيدة أن يجلد من شرب الخمر ثمانين وهو بالشام وهو من الثغور