مسألة وفصول : إذا فتح حصن لم يقتل من لم يحتلم ولا يقتل شيخ ولا امرأة ولا أعمى ولا راهب ولا عبد إلا إذا قاتلوا .
مسألة : قال : وإذا فتح حصن لم يقتل من لم يحتلم أو ينبت أو يبلغ خمس عشرة سنة .
وجملة ذلك أن الامام إذا ظفر بالكفار لم يجز أن يقتل صبيا لم يبلغ بغير خلاف وقد روى ابن عمر Bه [ أن النبي A نهى عن قتل النساء والصبيان ] متفق عليه ولأن الصبي يصير رقيقا بنفس السبي ففي قتله إتلاف المال وإذا سبي منفردا صار مسلما فإتلافه إتلاف من يمكن جعله مسلما والبلوغ يحصل بأحد أسباب ثلاثة : .
أحدها : الاحتلام وهو خروج المني من ذكر الرجل أو قبل الأنثى في يقظة أو في منام وهذا لا خلاف فيه وقد قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم } ثلاث مرات ثم قال : { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم } وقال النبي A : [ لا يتم بعد احتلام ] وقال لمعاذ : [ خذ من كل حالم دينارا ] رواهما أبو داود .
الثاني : إنبات الشعر الخشن حول القبل وهو علامة على البلوغ بدليل ما روى عطية القرظي قال : كنت من سبي قريظة فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل فكنت فيمن لم ينبت أخرجه الأثرم و الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح وعن كثير بن السائب قال : حدثني أبناء قريظة أنهم عرضوا على النبي A فمن كان منهم محتلما أو نبتت عانته قتل ومن لا ترك أخرجه الأثرم وعن أسلم مولى عمر أن عمر كان يكتب الى امراء الاجناد أن لا يقتلوا إلا من جرت عليه المواسي ولا يأخذوا الجزية إلا ممن جرت عليه المواسي وحكي عن الشافعي أن هذا بلوغ في حق الكفار لأنه لا يمكن الرجوع إلى قولهم في الاحتلام وعدد السنين وليس بعلامة عليه في حق المسلمين لامكان ذلك فيهم .
ولنا قول أبي نضرة وعقبة بن عامر حين اختلف في بلوغ تميم بن قرع المهري : انظروا فان كان قد أشعر فاقسموا له فنظر إليه بعض القوم فاذا هو قد أنبت فقسموا له ولم يظهر خلاف هذا فكان إجماعا ولأنه علم على البلوغ في حق الكافر فكان علما عليه في حق المسلم كالعلمين الآخرين ولأنه أمر يلازم البلوغ غالبا فكان علما عليه كالاحتلام وقولهم : انه يتعذر في حق الكافر معرفة الاحتلام والسن قلنا : لا تتعذر معرفة السن في الذمي الناشىء بين المسلمين ثم تعذر المعرفة لا يوجب جعل ما ليس بعلامة كغير الإنبات .
الثالث : بلوغ خمس عشرة سنة لما روى ابن عمر قال : عرضت على النبي A وأنا أربع عشرة سنة فلم يجزني في القتال وعرضت عليه وأنا ابن خمس عشرة فأجازني في المقاتلة قال نافع : فحدثت عمر بن عبد العزيز بهذا الحديث فقال : هذا فصل ما بين الرجال وبين الغلمان متفق عليه وهذه العلامات الثلاث في حق الذكر والأنثى وتزيد الأنثى بعلامتين الحيض والحمل فمن لم يوجد علامة منهن فهو صبي يحرم قتله .
فصل : ولا تقتل امرأة ولا شيخ فان وبذلك قال مالك وأصحاب الرأي وروي ذلك عن أبي بكر الصديق و مجاهد وروي عن ابن عباس في قوله تعالى : { ولا تعتدوا } يقول : لا تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير .
وقال الشافعي في أحد قوليه و ابن المنذر : يجوز قتل الشيوخ لقول النبي A : [ اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم ] رواه أبو داود و الترمذي وقال : حديث حسن صحيح ولأن الله تعالى قال : { فاقتلوا المشركين } وهذا عام يتناول بعمومه الشيوخ وقال ابن المنذر : لا أعرف حجة في ترك قتل الشيوخ يستثنى بها من عموم قوله : { فاقتلوا المشركين } ولأنه كافر لا نفع في حياته فيقتل كالشاب .
ولنا أن النبي A قال : [ لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا امرأة ] رواه أبو داود في سننه .
وروي عن أبي بكر الصديق Bه أنه وصى يزيد حين وجهه إلى الشام فقال : لا تقتل صبيا ولا امرأة ولا هرما وعن عمر أنه وصى سلمة بن قيس فقال : لا تقتلوا امرأة ولا صبيا ولا شيخا هرما رواهما سعيد ولأنه ليس من أهل القتال فلا يقتل كالمرأة وقد أومأ النبي A إلى هذه العلة في المرأة فقال : [ ما بال هذه قتلت وهي لا تقاتل ] والآية مخصوصة بما روينا ولأنه قد خرج من عمومها المرأة والشيخ الهرم في معناها فنقيسه عليها وأما حديثهم فأراد به الشيوخ الذين فيهم قوة على القتال أو معونة عليه برأي أو تدبير جمعا بين الأحاديث ولأن أحاديثنا خاصة في الهرم وحديثهم عام في الشيوخ كلهم والخاص يقدم على العام وقياسهم ينتقض بالعجوز التي لا نفع فيها .
فصل : ولا يقتل زمن ولا أعمى ولا راهب والخلاف فيهم هو كالخلاف في الشيخ وحجتهم ههنا حجتهم فيه .
ولنا في الزمن والأعمى أنهما ليسا من أهل القتال فأشبها المرأة وفي الراهب ما روي في حديث أبي بكر الصديق Bه أنه قال : وستمرون على أقوام في الصوامع قد حبسوا أنفسهم فيها فدعوهم حتى يميتهم الله على ضلالهم ولأنهم لا يقاتلون تدينا فأشبهوا من لا يقدر على القتال .
فصل : ولا يقتل العبيد وبه قال الشافعي لقول النبي A : [ أدركوا خالدا فمروه أن لا يقتل ذرية ولا عسيفا ] وهم العبيد لأنهم يصيرون رقيقا للمسلمين بنفس السبي فأشبهوا النساء والصبيان .
فصل : ومن قاتل ممن ذكرنا جميعهم جاز قتله لأن النبي A قتل يوم قريظة امرأة ألقت رحى على محمود بن سلمة ومن كان من هؤلاء الرجال المذكورين ذا رأي يعين به في الحرب جاز قتله لأن دريد بن الصمة قتل يوم حنين وهو شيخ لا قتال فيه وكانوا خرجوا به معهم يتيمنون به ويستعينون برأيه فلم ينكر النبي A قتله ولأن الرأي من أعظم المعونة في الحرب وقد جاء عن معاوية أنه قال لمروان والأسود : أمددتما عليا بقيس بن سعد وبرأيه ومكايدته فوالله لو أنكما أمددتماه بثمانية آلاف مقاتل ما كان بأغيظ لي من ذلك