مسألة وفصلان : حكم ما لو استأجر الأمير قوما يغزون مع المسلمين وحكم الأجير للخدمة في الغزو وحكم التاجر والصانع .
مسألة : قال : وإذا استأجر الأمير قوما يغزون مع المسلمين لمنافعهم لم يسهم لهم وأعطوا ما استؤجروا به .
نص أحمد على هذا في رواية جماعة فقال في رواية عبد الله وحنبل في الامام يستأجر قوما يدخل بهم بلاد العدو : لا يسهم لهم ويوفى لهم بما استؤجروا عليه وقال القاضي : هذا محمول على استئجار من لا يجب عليه الجهاد كالعبيد والكفار أما الرجال المسلمون الأحرار فلا يصح استئجارهم على الجهاد لأن الغزو يتعين بحضوره على من كان من أهله فاذا تعين عليه الفرض لم يجز أن يفعله عن غيره كمن عليه حجة الاسلام لا يجوز أن يحج عن غيره وهذا مذهب الشافعي ويحتمل أن يحمل كلام أحمد و الخرقي على ظاهره في صحة الاستئجار على الغزو لمن لم يتعين عليه لما روى أبو داود باسناده عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله A قال : [ للغازي أجره وللجاعل أجره ] وروى سعيد بن منصور عن جبير بن نفير قال : قال رسول الله A : [ مثل الذين يغزون من أمتي ويأخذون الجعل ويتقوون به على عدوهم مثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها ] ولأنه أمر لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة فصح الاستئجار عليه كبناء المساجد أو لم يتعين عليه الجهاد فصح أن يؤجر نفسه عليه كالعبد ويفارق الحج حيث أنه ليس بفرض عين وان الحاجة داعية اليه وفي المنع من أخذ الجعل عليه تعطيل له ومنع له مما فيه للمسلمين نفع وبهم اليه حاجة فينبغي أن يجوز بخلاف الحج اذا ثبت هذا فان قلنا بالأول فالإجارة فاسدة وعليه الأجرة بردها وله سهمه لأن غزوه بغير أجرة وإن قلنا بصحته فظاهر كلام أحمد و الخرقي رحمهما الله أنه لا سهم له لأن غزوه بعوض فكأنه واقع من غيره فلا يستحق شيئا .
وقد روى أبو داود باسناده [ عن يعلى بن منبه قال : أذن رسول الله A بالغزو وانا شيخ كبير ليس لي خادم فالتمست أجيرا يكفيني وأجري له سهمه فوجدت رجلا فلما دنا الرحيل قال : ما أدري ما السهمان وما يبلغ سهمي ؟ فسم لي شيئا كان السهم أو لم يكن فسميت له ثلاثة دنانير فلما حضرت غنيمة أردت أن أجري له سهمه فذكرت الدنانير فجئت الى النبي A فذكرت له أمره فقال : ما أجد في غزوته هذه في الدنيا والآخرة إلا دنانيره التي سمى ] ويحتمل أن يسهم له وهو اختيار الخلال قال : روى جماعة عن أحمد أن للأجير السهم إذا قاتل وروى عنه جماعة أن كل من شهد القتال فله السهم قال : وهذا الذي اعتمد عليه من قول أبي عبد الله ووجه ذلك ما تقدم من حديث عبد الله بن عمر وحديث جبير بن نفير وقول عمر : الغنيمة لم شهد الوقعة ولأنه حاضر للوقعة من أهل القتال فيسهم له كغير الأجير فأما الذين يعطون من حقهم من الفيء فلهم سهامهم لأن ذلك حق جعله الله لهم ليغزوا لا أنه عوض عن جهاده بل نفع جهاده له لا لغيره وكذلك من يعطون من الصدقات وهم الذين إذا نشطوا للغزو وأعطوا فانهم يعطون معونة لا عوضا ولذلك إذا دفع إلى الغزاة ما يتقوون به ويستعينون به كان له فيه الثواب ولم يكن عوضا قال النبي A : [ من جهز غازيا كان له مثل أجره ] .
فصل : فأما الأجير للخدمة في الغزو أو الذي يكري دابة له ويخرج معها ويشهد الوقعة فعن أحمد فيه روايتان : إحداهما لا سهم له وهو قول الأوزاعي و إسحاق قالا : المستأجر على خدمة القوم لا سهم له ووجهه حديث يعلى بن منبه .
والثانية : يسهم لهما إذا شهدا القتال مع الناس وهو قول مالك و ابن المنذر وبه قال الليث إذا قاتل وإن اشتغل بالخدمة فلا سهم له واحتج ابن المنذر بحديث سلمة بن الاكوع أنه كان أجيرا لطلحة حين أدرك عبد الرحمن بن عيينة حين أغار على سرح رسول الله A فأعطاه النبي A سهم الفارس والراجل وقال القاضي : يسهم له اذا كان مع المجاهدين وقصده الجهاد فأما لغير ذلك فلا وقال الثوري : يسهم له إذا قاتل ويرفع عمن استأجره نفقة ما اشتغل عنه .
فصل : فأما التاجر والصانع كالخياط والخباز والبيطار والحداد والإسكاف فقال أحمد : يسهم لهم إذا حضروا قال أصحابنا : قاتلوا أو لم يقاتلوا وبه قال في التاجر الحسن و ابن سيرين و الثوري و الأوزاعي و الشافعي وقال مالك و أبو حنيفة : لا يسهم لهم إلا أن يقاتلوا وعن الشافعي كقولنا وعنه لا يسهم له بحال .
وقال القاضي في التاجر والأجير إذا كانا مع المجاهدين وقصدهما الجهاد وإنما معه المتاع إن طلب منه باعه والأجير قصده الجهاد أيضا : فهذان يسهم لهما لأنهما غازيان والصناع بمنزلة التجار متى كانوا مستعدين للقتال ومعهم السلاح فمتى عرض اشتغلوا به أسهم لهم لأنهم في الجهاد بمنزلة غيرهم وإنما يشتغلون بغيره عند فراغهم منه