مسألة وفصول : الوضوء لكل وقت للمستحاضة والمبتلي بسلس البول والمذي .
مسألة : قال : والمبتلي بسلس البول وكثرة المذي فلا ينقطع كالمستحاضة يتوضأ لكل صلاة بعد أن يغسل فرجه .
وجملته أن المستحاضة ومن به سلس البول أو المذي أو الجريح الذي لا يرقأ دمه وأشباههم ممن يستمر منه الحدث ولا يمكنه حفظ طهارته عليه الوضوء لكل صلاة بعد غسل محل الحدث وشده والتحرز من خروج الحدث بما يمكنه فالمستحاضة تغسل المحل ثم تحشوه بقطن أو ما أشبهه ليرد الدم ل [ قول النبي A لحمنة حين شكت إليه كثرة الدم : أنعت لك الكرسف فانه يذهب الدم فان لم يرتد الدم بالقطن استنفرت بخرقة مشقوقة الطرفين تشدها على جنبيها ووسطها على الفرج ] وهو المذكور في حديث أم سلمة : [ لتستثفر بثوب ] .
وقال لحمنة : [ تلجمي ] لما قالت : إنه أكثر من ذلك فإذا فعلت ذلك ثم خرج الجم فان كان لرخاوة الشد فعليها إعادة الشد والطهارة وإن كان لغلبة الخارج وقوته وكونه لا يمكن شده أكثر من ذلك لم تبطل الطهارة لأنه لا يمكن التحرز منه فتصلي ولو قطر الدم قالت عائشة : اعتكفت مع رسول الله A امرأن من أزواجه فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها وهي تصلي رواه البخاري وفي حديث [ صلي وأن قطر الدم على الحصير ] وكذلك من به سلس البول أو كثرة المذي يعصب رأس ذكره بخرقة ويحترس حسب ما يمكنه ويفعل ما ذكر وكذلك من به جرح يفور منه الدم أو به ريح أو نحو ذلك من الأحداث ممن لا يمكنه قطعه عن نفسه فان كان مما لا يمكن عصبه مثل من به جرح لا يمكن شده أو به باسور أو ناصور لا يتمكن من عصبه صلى على حسب حاله كما روي عن عمر Bه أنه حين طعن صلى وجرحه يثعب دما .
فصل : ويلزم كل واحد من هؤلاء الوضوء لوقت كل صلاة إلا أن لا يخرج منه شيء وبهذا قال الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي وقال مالك : لا يجب الوضوء على المستحاضة وروي ذلك عن عكرمة و ربيعة واستحب مالك لمن به سلس البول أن يتوضا لكل صلاة إلا أن يؤذيه البرد فان آذاه قال : فأرجو أن لا يكون عليه ضيق في ترك الوضوء واحتجوا بأن حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : [ أن النبي A قال لفاطمة بنت أبي حبيش : فاغتسلي وصلي ] ولم يأمرها بالوضوء ولأنه ليس بمنصوص على الوضوء منه ولا في معنى المنصوص لأن المنصوص عليه الخارج المعتاد وليس هذا بمعتاد .
ولنا : ما روى عدي بن ثابت عن أبيه عن جده [ عن النبي A في المستحاضة : تدع الصلاة أيام اقرائها ثم تغتسل وتصوم وتصلي وتتوضأ عند كل صلاة ] رواه أبو داود و الترمذي و عن عائشة قالت : [ جائت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي A فذكرت خبرها ثم قال : اغتسلي ثم توضئي لكل صلاة وصلي ] رواه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن صحيح ولأنه خارج من السبيل فنقض الوضوء كالمذي إذا ثبت هذا فان طهارة هؤلاء مقيدة بالوقت ل [ قوله : تتوضأ عند كل صلاة ] و [ قوله : ثم توضئي لكل صلاة ] ولأنها طهارة عذر وضرورة فتقيدت بالوقت كالتيمم .
فصل : فان توضأ أحد هؤلاء قبل الوقت وخرج منه شيء بطلت طهارته لأن دخوله يخرج به الوقت الذي توضأ فيه وخروج الوقت مبطل لهذه الطهارة كما قررناه ولأن الحديث مبطل للطهارة وإنما عفي عنه لعدم امكان التحرز عنه مع الحاجة إلى الطهارة وأن توضأ بعد الوقت صح وارتفع حدثه ولم يؤثر فيه ما يتجدد من الحدث الذي لا يمكن التحرز منه فإن دخل في الصلاة عقيب طهارته أو أخرها لامر يتعلق بمصلحة الصلاة كلبس الثياب وانتظار الجماعة أو لم يعلم أنه خرج منه شيء جاز وأن أخرها لغير ذلك ففيه وجهان : أحدهما الجواز لأنها طهارته أريدت للصلاة بعد دخول وقتها فأشبهت التيمم ولأنها طهارة ضرروة فتقيدت بالوقت كالتيمم والثاني : لا يجوز لأنه إنما أبيح له الصلاة بهذه الطهارة مع قيام الحدث للحاجة والضرورة ولا ضرورة ههنا وأن خرج الوقت بعد أن خرج منها شيء أو أحدثت حدثا سوى هذا الخارج بطلت الطهارة قال أحمد : في رواية أحمد بن القاسم إنما أمرها أن تتوضأ لكل صلاة فتصلي بذلك الوضوء النافلة والصلاة الفائتة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى فتتوضأ أيضا وهذا يقتضي الحاقها بالتيمم في أنها باقية ببقاء الوقت يجوز لها أن تتطوع بها وتقضي بها الفوائت وتجمع بين الصلاتين ما لم تحدث حدثا آخر أو يخرج الوقت .
فصل : ويجوز للمستحاضة الجمع بين الصلاتين بوضوء واحد لـ [ أن النبي A أمر حمنة بنت جحش بالجمع بين الصلاتين بغسل واحد ] وأمر به سهلة بنت سهيل وغير المستحاضة من أهل الاعذار مقيس عليها وملحق بها