مسألة : أقسام المياه - صفة الماء - الطهور - الطاهر .
مسألة : قال أبو القاسم C : الطهارة بالماء الطاهر المطلق الذي لا يضاف الى اسم شيء غيره مثل ماء الباقلا وماء الورد وماء الحمص وماء الزعفران وما أشبهه مما لا يزابل اسمه اسم الماء في وقت .
قوله : والطهارة مبتدأ خبره محذوف تقديره والطهارة مباحة أو جائزة أو نحو ذلك والألف واللام للاستغراق فكأنه قال : وكل طهارة جائزة بكل ماء طاهر مطلق والطاهر ما ليس بنجس والمطلق ما ليس بمضاف إلى شيء غيره وهو معنى قوله لا يضاف إلى اسم غيره وانما ذكره صفة له وتنبيها ثم مثل الاضافة فقال : مثل الباقلا وماء الورد وماء الحمص وماء الزعفران وما أشبهه وقوله : مما لا يزايل اسمه اسم الماء في وقت صفة للشيء الذي يضاف إليه الماء ومعناه لا يفارق اسمه اسم الماء - والمزايلة المفارقة قال الله تعالى : { لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما } وقال أبو طالب : وقد طاوعوا أمر العدو المزايل أي المفارق - أي لا يذكر الماء إلا مضافا إلى المخالط له في الغالب ويفيد هذا الوصف الاحتراز من المضاف إلى مكانه ومقره كماء النهر والبئر فانه اذا زال عن مكانه زالت النسبة في الغالب وكذلك ما تغيرت رائحته تغيرا يسيرا فإنه لا يضاف في الغالب وقال القاضي : هذا احتراز من المتغير بالتراب لأنه يصفو عنه ويزايل اسمه وقد دلت هذه المسألة على أحكام منها إباحة الطهارة بكل ماء موصوف بهذه الصفة التي ذكرها على أي صفة كان من أصل الخلقة من الحرارة والبرودة والعذوبة والملوحة نزل من السماء أو نبع من الأرض في بحر أو نهر أو بئر أو غدير أو غير ذلك وقد دل على ذلك قول الله : { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } وقوله سبحانه : { وأنزلنا من السماء ماء طهورا } وقول النبي A : [ الماء طهور لا ينجسه شيء ] وقوله في البحر [ هو الطهور ماؤه الحل ميتته ] وهذا قول عامة أهل العلم إلا أنه حكي عن عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو انهما قالا في البحر : التيمم أعجب الينا منه وهو نادر وحكاه الماوردي عن سعيد بن المسيب والأول أولى لقول الله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } وماء البحر ماء فلا يجوز العدول الى التيمم مع وجوده وروي عن أبي هريرة قال : [ سأل رجل النبي A فقال : يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسول الله A : هو الطهور ماؤه الحل ميتته ] أخرجه أبو داود و النسائي و الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح وروي عن عمر Bه أنه قال : من لم يطهره ماء البحر فلا طهره الله - ولأنه ماء باق على أصل خلقته فجاز الوضوء كالعذب وقولهم هو نار إن أريد به انه نار في الحال فهو خلاف الحس وإن أريد أنه يصير نارا لم يمنع ذلك الوضوء به حال كونه ماء .
ومنها : ان الطهارة من النجاسة لا تحصل إلا بما يحصل به طهارة الحدث لدخوله في عموم الطهارة وبهذا قال مالك و الشافعي و محمد بن الحسن و زفر و قال أبو حنيفة يجوز إزالة النجاسة بكل مائع طاهر مزيل للعين والاثر كالخل وماء الورد ونحوهما وروي عن أحمد ما يدل على مثل ذلك لأن النبي A قال : [ إذا ولغ الكلب في اناء أحدكم فليغسله سبعا ] أطلق الغسل فتقييده بالماء يحتاج إلى دليل ولأنه مائع طاهر مزيل فجازت ازالة النجاسة به كالماء فاما ما لا يزيل كالمرق واللبن فلا خلاف في أن النجاسة لا تزال به ولنا ما [ روي أن رسول الله A قال لأسماء بنت أبي بكر : إذا أصاب ثوب أحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بماء ثم لتصلي فيه ] اخرجه البخاري و انس Bه أن النبي A أمر بذنوب من ماء فاهريق على بول الاعرابي متفق عليه وهذا أمر يقتضي الوجوب ولأنها طهارة تراد للصلاة فلا تحصل بغير الماء كطهارة الحدث ومطلق حديثهم مقيد بحديثنا والماء يختص بتحصيل إحدى الطهارتين فكذلك الأخرى .
ومنها : اختصاص حصول الطهارة بالماء لتخصصه اياه بالذكر فلا يحصل بمائع سواه وبهذا قال مالك و الشافعي و أبو عبيد و أبو يوسف وروي عن علي Bه - وليس بثابت عنه - أنه كان لا يرى بأسا بالوضوء بالنبيذ وبه قال الحسن و الأوزاعي وقال عكرمة النبيذ وضوء ومن لم يجد الماء وقال اسحاق النبيذ حلوا أحب الي من التيمم وجمعهما أحب إلي وعن أبي حنيفة كقول عكرمة وقيل عنه : يجوز الوضوء بنبيذ التمر اذا طبخ واشتد عند عدم الماء في السفر لما روي ابن مسعود [ أنه كان مع رسول الله A ليلة لجن فأراد أن يصلي صلاة الفجر فقال : أمعك وضوء ؟ فقال لا معي إداوة فيها نبيذ فقال : ثمرة طيبة وماء طهور ] ولنا قول الله تعالى { فلم تجدوا ماء فتيمموا } وهذا نص في الانتقال إلى التراب عند عدم الماء وقال النبي A : [ الصعيد الطيب وضوء المسلم وأن لم يجد الماء عشر سنين ] وراه أبو داود ولانه لا يجوز الوضوء به في الحضر أو مع وجود الماء فأشبه الخل والمرق وحديثهم لا يثبت وراوية أبو زيد مجهول عند أهل الحديث لا يعرف له غير هذا الحديث ولا يعرف بصحبة عبد الله قاله الترمذي و ابن المنذر وقد روي عن ابن مسعود أنه سئل هل كنت مع رسول الله A ليلة الجن فقال : ما كان معه منا أحد رواه أبو داود وروى مسلم باسناده عن ابن مسعود قال : لم أكن مع رسول الله A ليلة الجين ووددت أني كنت معه